هل حانت “اللحظة العظيمة” لإيران النوويّة؟

2024-01-29

هل حانت “اللحظة العظيمة” لإيران النوويّة؟


باتت إيران “على بعد شهر من إنتاج ما قد يكفي من الموادّ النووية المخصّبة لترسانة من أربعة إلى خمسة رؤوس حربية نووية، وتصنيع قنبلة قابلة للتسليم بعد بضعة أشهر فقط”. هذا ما أعلنه مدير “مشروع إيران” في “مجموعة الأزمات الدولية”، في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز”.

هذا الاقتراب من صناعة أوّل قنبلة نووية إيرانية، مخلوطاً برغبة إيران “في أن تكون القوّة المهيمنة في الشرق الأوسط”، وبالتزامن مع حاجة طهران إلى حلفائها الإقليميين للدفاع عن أراضيها، فإنّها حين تشعر بأنّها أكثر عرضة للخطر، قد تحاول استخدام سلاح الردع النهائي: الأسلحة النووية. وهو ما قد تذهب إليه لتأمين “حصانة” شبيهة بما تحظى به دول منها كوريا الشمالية وروسيا، في مواجهة الغرب. والسلاح النووي سيجعلها أكثر جرأة في إطلاق العنان لشركائها في الشرق الأوسط.

باتت إيران “على بعد شهر من إنتاج ما قد يكفي من الموادّ النووية المخصّبة لترسانة من أربعة إلى خمسة رؤوس حربية نووية، وتصنيع قنبلة قابلة للتسليم بعد بضعة أشهر فقط”

إيران التي “لم تكن على استعداد للاستفادة من الحرب في غزة من خلال جعل محور المقاومة يفتح جبهات رئيسية جديدة ضدّ إسرائيل أو الولايات المتحدة”، أنتجت خلاصة واضحة: “يمكن لإيران أن تسبّب الفوضى، لكنّها ليست قويّة بما يكفي لشنّ هجوم حقيقي”.

لكنّ فايز يُطمئن إلى أنّه “لا يزال لدى طهران أسباب وجيهة لعدم صنع سلاح نووي أو حتى تخصيب اليورانيوم إلى المستوى العسكري، لأنّ مجرّد تجاوز هذه العتبات قد يدفع إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة استباقية. وإذا تمكّنت إيران من تصنيع سلاح دون أن يتمّ اكتشافه، فإنّها تخاطر بإطلاق سباق تسلّح نووي إقليمي مع منافسيها الخليجيين، مثل السعودية. وإذا أصبحت إيران دولة نووية، فمن المرجّح أن يثير ذلك غضب الصين، أهمّ مستهلك للنفط الإيراني وشريك دبلوماسي لا يقدّر بثمن”.

لكن على الرغم من ذلك قد تقرّر طهران، بحسب فايز، أنّ فوائد امتلاك أسلحة نووية تفوق المخاطر، فهي دفعت الثمن الاقتصادي للأسلحة النووية بعد سنوات من العقوبات. ولم تعد تعتقد أنّ الغرب قادر على تقديم تخفيف مستدام للعقوبات، حتى ولو تخلّت عن برنامجها النووي. يضاف إلى ذلك أنّ عواقب 7 أكتوبر تزيد احتمالات التسلّح النووي. فقد كشف ردّ طهران الحذر عن ضعفها، وهو ما أضعف مصداقية ردعها الإقليمي. وربّما يرى القادة الإيرانيون أنّ حيازة أسلحة نووية هي وسيلة للحصول على ضمانات جديدة بأنّها لن تتعرّض للهجوم من إسرائيل أو الولايات المتحدة، وهو ما يسمح لمحور المقاومة بإلحاق المزيد من الضرر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمسؤولين الإيرانيين الذين يريدون أن تمتلك بلادهم سلاحاً نووياً اعتبار هذه اللحظة فرصة عظيمة. ذلك أنّ خصوم إيران منشغلون بالحروب في غزة وأوكرانيا، والمنافسة مع الصين، والانتخابات.

لا مفاوضات حالياً: إيران منتصرة

لكنّ البرنامج النووي الإيراني “متقدّم بالفعل، وأنّ أيّ ضربة عسكرية أميركية محتملة له لن تؤدّي في أحسن الأحوال إلا إلى تأخير هذا التقدّم”. ومع ذلك فإنّ عواقب “إيران نووية،” محفوفة بالمخاطر، لدرجة أنّها تستحقّ المنع، وهو ما يعني محاولة استئناف الجهود الدبلوماسية.

إيران التي “لم تكن على استعداد للاستفادة من الحرب في غزة من خلال جعل محور المقاومة يفتح جبهات رئيسية جديدة ضدّ إسرائيل أو الولايات المتحدة”، أنتجت خلاصة واضحة: “يمكن لإيران أن تسبّب الفوضى، لكنّها ليست قويّة بما يكفي لشنّ هجوم حقيقي”

يستبعد فايز حالياً عودة إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات لمزيد من المحادثات حول الاتفاق النووي. فبعد هجوم حماس، ودخول الولايات المتحدة عام الانتخابات الرئاسية وتواطؤ النظام الإيراني الآن في حربين ضدّ حليفَي الولايات المتحدة، إسرائيل وأوكرانيا، لا يوجد احتمال حقيقي لمشاركة دبلوماسية جادّة.

ويشير إلى أنّ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) ضدّ إسرائيل كان بالنسبة لإيران بمنزلة انتصار. فقد أغرقت الحرب عدوّها الإقليمي إسرائيل في صراع طويل الأمد، وربّما لا يمكن الفوز فيه. وأجبرت الولايات المتحدة، الخصم العالمي، على التركيز على منع تصعيد هذا الصراع، حتى في حين تتصدّى لتهديدات الميليشيات المتحالفة مع إيران. مع ذلك، يعتقد مدير “مشروع إيران” في “مجموعة الأزمات الدولية”، علي فايز، أنّ الصراع بالنسبة لطهران لن ينتهي بانتصار واضح مثل الانتصار الذي ادّعته بالفعل.

وهي تمكّنت من تقديم نفسها على أنّها حاملة راية القضية الفلسطينية، وهو ما عزّز سمعتها في الشرق الأوسط. بينما تدهورت سمعة إسرائيل بعدما حوّلت الحرب غزة إلى كارثة إنسانية. كما تأثّرت صورة الرعاة الغربيين لإسرائيل حيث بدا أنّ الانتقادات الغربية لجرائم الحرب الروسية في أوكرانيا اليوم تعكس معايير مزدوجة منافقة.

كما ساعدت الحرب إيران بطرق أخرى أيضاً، يضيف فايز. فقد أدّى الصراع إلى تأخير تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو ما كان سيعيد عزل إيران بعد الانفراج الإيراني السعودي الذي توسّطت فيه الصين في آذار الماضي. واستغلّ محور المقاومة الصراع لصقل قدراته ونطاق انتشاره. لكن خلف هذا المظهر المتفائل، أظهرت طهران، وفقاً لفايز، علامات ضعف استراتيجي. فقد كان 7 أكتوبر، من الناحية النظرية، لحظة مجد لها، أتيحت فيها لها الفرصة لبذل جهدها لتغيير النظام السياسي في الشرق الأوسط، واستعراض قوّتها الصارمة عبر الوكلاء. وبدلاً من ذلك، كانت تصرّفاتها متردّدة ومكافآتها بعيدة كلّ البعد عن أن تكون مضمونة. غير أنّ الإحجام عن الدخول في المعركة بكامل قوّتها كان أمراً منطقياً، في رأي فايز.

وفقاً لاستراتيجية إيران، يهدف محور المقاومة في المقام الأول إلى ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن مهاجمة إيران نفسها، وهو ما لم يحدث بعد. والردع هو جزئياً لعبة ذهنيّة يخشى فيها الخصوم ليس فقط من قدرات الدولة لكن أيضاً من استعدادها لاستخدامها. وبالتالي فإنّ إحجام إيران عن التضحية بأعضاء شبكتها من أجل إنقاذ حماس هو علامة على أنّ البلاد ليست العملاق الذي يزعزع استقرار المنطقة، بل إنّها بدلاً من ذلك لاعب يتحفّظ عن الإقدام.

إقرأ أيضاً: مسؤول إيرانيّ لـ”فايننشال تايمز”: الحزب ليس حماس.. الحزب هو إيران!

الدبلوماسيّة لمواجهة السلاح النوويّ

حتى لو ضبطت الولايات المتحدة وحلفاؤها إيران وهي تحاول امتلاك أسلحة نووية، فليست لديهم طريقة فعّالة لوقفها. قد يحاولون القضاء على بعض المرافق بالضربات العسكرية، لكنّ إيران وحلفاءها سيردّون بشنّ هجمات على المنشآت الأميركية، ولدى إيران الآن ما يكفي من المهارات التي تجعل الضربات تؤخّر التحوّل النووي الإيراني فقط. فإذا قامت طهران بتوزيع اليورانيوم العالي التخصيب على منشآت سرّية لمزيد من التخصيب وتصنيع الأسلحة، فسيتعيّن على واشنطن إمّا قصف البلد بأكمله بالقنابل أو محاولة تغيير النظام، إمّا عن طريق الغزو أو الثورة الداخلية. ولا يبدو أيّ من هذه الخيارات معقولاً. كما أنّ عواقبها ستكون مروّعة. وهذا لا يترك للولايات المتحدة سوى خيار حقيقي واحد: الدبلوماسية. فهو الأمر الوحيد الذي حدّ من برنامج إيران النووي في الماضي، والذي لديه فرصة للقيام بذلك اليوم.

لتجنّب سيناريو التدهور، تحتاج الدول، وفقاً لفايز، إلى سياسة تتجاوز مجرّد ردع طهران عن مواصلة تصعيد برنامجها النووي. ومن شأن هذه السياسة، حتى في أفضل الأحوال، أن تترك إيران في وضع متقدّم مثير للقلق. وبدلاً من مجرّد تجنّب الهاوية، ينبغي لصنّاع السياسات محاولة الابتعاد عنها. ويرى أنّ استئناف المحادثات لن يكون سهلاً بالنسبة للغرب، حيث أصبحت إيران الآن مكروهة أكثر ممّا كانت في العقود الماضية. وقد يكون من الصعب أيضاً تسويقها في طهران، حيث ازداد صنّاع السياسة عدائية. لكنّ إيران النووية يمكن أن تجعل المنطقة المضطربة أكثر قابلية للانفجار. لذا حتى لو كانت الاحتمالات بعيدة المدى، يجب على الغرب أن يستمرّ في دفع طهران لاستخدام برنامجها النووي كورقة ضغط على طاولة المفاوضات، وليس كرادع في ساحة المعركة.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو

الحرب الشاملة بين إسرائيل والحزب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون حتمية لأنّ الولايات المتحدة ستبذل كلّ جهد ممكن لمنعها وفقاً للدبلوماسي والمسؤول الإسرائيلي الأمني…

مفاوض إسرائيليّ: نتنياهو لن يقبل بصفقة تنهي الحرب

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة. وحركة حماس لن توقّع اتفاقاً لا ينهي الحرب. ويعتبر باسكين…

أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

تحلّ الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 لتعيد تذكيرنا بما شكّلته من نقطة تحوّل في الأمن العالمي وفي النهج الأميركي…

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…