هل تندلع الحرب في إفريقيا؟

مدة القراءة 7 د


تنتهي اليوم الأحد المهلة التي أعطتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) للانقلابيين في النيجر. ولكنّ الغموض سيّد الموقف في ما يتّصل بتطوّر الأحداث. فالقادة العسكريون في دول “إكواس” أعلنوا إعدادهم لخطّة عسكريّة للتدخّل “لإعادة الانتظام الدستوري”. لكنّهم لم يكشفوا عن توقيت البدء بها. الانقلابيون في النيجر شكّلوا “المجلس الوطني لحماية الوطن”. لكنّ الرئيس ما يزال في قصر الرئاسة محتجَزاً. يقطعون عنه الكهرباء من وقت لآخر، لكنّهم لم يقطعوا اتّصاله مع العالم وقادة الدول. وهو نشر يوم الخميس الفائت مقالاً في “واشنطن بوست” استهلّه بكلمات: “أكتب هذا (المقال) كرهينة”. وطالب “حكومة الولايات المتحدة الأميركيّة والمجتمع الدوليّ بتقديم المساعدة لإعادة الانتظام الدستوريّ” في البلاد. إلا أنّ طلبه هذا لم يُعَدّ طلباً رسمياً للتدخّل العسكريّ لاستعادة سلطاته.
الولايات المتحدة الأميركيّة، كما أطراف أخرى، ما تزال تتكلّم عن إمكانية إيجاد حلّ سلميّ للأزمة. يوم الجمعة أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ حكومته ستوقف المساعدات التي تستفيد منها الحكومة، لكنّها ستواصل تقديم المساعدات الإنسانية والغذائية (بحسب وكالة رويترز). فواشنطن لا تريد خسارة النيجر التي تحتلّ مكانة استراتيجية في حربها ضدّ التنظيمات الجهادية الإرهابيّة.

“لعب” على حافة الهاوية
بموازاة هذا الغموض هناك تصعيد في المواقف يشير إلى أنّ كلّ الأطراف “تلعب” على حافة الهاوية.
أعلن الانقلابيون أنّ “المجلس الوطني لحماية الوطن قرّر إبطال اتفاقيات التعاون مع هذه الدولة (فرنسا) في مجال الأمن والدفاع”. وهو إجراء كان متوقّعاً، خاصّة أنّ الانقلاب، منذ بدايته، بدا موجّهاً ضدّ فرنسا. وردّت وزارة الخارجية الفرنسيّة بأن لا قيمة لهذا القرار لأنّ تلك الاتفاقيات “وُقّعت مع السلطات النيجرية الشرعيّة، وهي وحدها التي تعترف بها فرنسا كما المجموعة الدوليّة”. سبق القرارَ النيجري قطعُ بثّ “راديو فرنسا الدوليّ” وتلفزيون “فرانس 24″، وإنهاء مهمّات سفراء النيجر في كلّ من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ونيجيريا وتوغو.

بدا الموقف الرسميّ الروسيّ ملتبساً. فالناطق باسم الكرملين دعا إلى العودة سريعاً إلى النظام الدستوريّ

إفريقيّاً، باتت خطة التدخّل العسكريّ في النيجر جاهزة، كما ذكرنا. هذا ما أعلنه ليل الجمعة مفوّض الشؤون السياسيّة والأمنية في “إكواس” عبد الفتاح موسى. وأضاف أنّه تمّ “تحديد كلّ عناصر التدخّل العسكري المحتمل، بما في ذلك الموارد اللازمة، وكذلك كيف ومتى سننشر القوّة”. سبق ذلك حشدُ نيجيريا لقوّاتها العسكرية على طول الحدود مع النيجر (البالغة 1,600 كلم). وأعلنت كلّ من السنغال وتوغو استعدادهما للمشاركة في العملية العسكريّة.
قامت فرنسا بإجلاء رعاياها (حوالي 577) ورعايا أوروبيين قرّروا مغادرة النيجر على متن رحلات نظّمها الجيش الفرنسيّ.
سحبت الولايات المتحدة الأميركية “أفراداً غير أساسيّين” من بعثتها الدبلوماسيّة في نيامي. في حين أبقت الدولتان على وجودهما العسكريّ في البلاد. فالقوات الفرنسية، وعددها 1,500، ما تزال في القاعدة العسكرية في نيامي. والجنود الأميركيون، البالغ عددهم 1,100، ما يزالون مرابضين في قاعدتهم العسكريّة في وسط البلاد.

مساعٍ دبلوماسيّة ومواقف ملتبسة
بالتوازي مع هذا التصعيد، لم تتوقّف حركة الموفدين إلى نيامي. ويستمرّ الكلام الدبلوماسي عن إمكانية إيجاد حلّ سلميّ للأزمة. رئيس نيجيريا بولا تينوبو أوفد سلفه عبد السلام أبو بكر إلى نيامي للتفاوض مع الانقلابيين لإيجاد حلّ سلميّ يعيد “الانتظام الدستوري”. إلا أنّ مهمّته بدت فاشلة. لم يلتقِ الجنرال تياني، قائد الانقلاب، ولا الرئيس المحتجَز محمد بازوم.
من جهته، الناطق باسم الخارجية الأميركيّة ماتيو ميلر أعلن في بيان أنّ واشنطن “عازمة على إيجاد تسوية سياسيّة تتيح للنيجر أن تبقى شريكاً موثوقاً من أجل أمن وتطوّر المنطقة”.
من جهتها أعلنت الجزائر معارضتها لأيّ تدخّل عسكريّ في النيجر، ودعا وزير خارجيّتها إلى إيجاد “حلّ حبّيّ بالطرق السلميّة لإعادة الانتظام الدستوري”.
بدا الموقف الرسميّ الروسيّ ملتبساً. فالناطق باسم الكرملين دعا إلى “العودة سريعاً إلى النظام الدستوريّ”. لكنّه أطلق تحذيراً جاء فيه أنّ “من غير المرجّح أن يسمح تدخّل قوات من خارج المنطقة بتحسّن الوضع”.

الناطق باسم الخارجية الأميركيّة ماتيو ميلر أعلن في بيان أنّ واشنطن عازمة على إيجاد تسوية سياسيّة تتيح للنيجر أن تبقى شريكاً موثوقاً من أجل أمن وتطوّر المنطقة

صعوبات التدخّل العسكريّ
إذا كان التصعيد في المواقف هو جزء من المناورة السياسيّة في حالات كهذه، فإنّ التدخّل العسكري ضدّ الانقلابيين في النيجر دونه عقبات وصعوبات، أبرزها:
1- صعوبة الحصول على غطاء دوليّ. وهذا يتطلّب تصويتاً في مجلس الأمن الدوليّ لن يحصل لأنّ روسيا ستستعمل حقّ النقض. فهي ترى في الانقلاب فرصة لتوسيع نفوذها في الساحل الإفريقي.
2- إعلان كلّ من مالي وبوركينا فاسو، الدولتين الحدوديّتين للنيجر، أنّ أيّ اعتداء على النيجر ستعتبرانه اعتداءً عليهما. وهو ما يعني أنّ أيّ عمل عسكري إفريقي لن ينحصر في النيجر إنّما سيطال دولاً إفريقية أخرى.
3- الخشية من أن يطلب الانقلابيون دعم مرتزقة فاغنر المتمركزين في المنطقة (مالي وليبيا والسودان وإفريقيا الوسطى وتشاد وغينيا بيساو وربّما في بوركينا فاسو) لمواجهة أيّ تدخّل عسكريّ ضدّهم، خاصّة أنّ ميزان القوى العسكري لن يكون لصالح النيجر. فعديد القوّات العسكريّة فيها يراوح ما بين 25 ألفاً و33 ألفاً.
4- أيّ تدخّل فرنسيّ أو أميركيّ غير مطروح. باريس، من جهتها، تخشى التدخّل العسكريّ لأنّه سيُعتبر “استعماراً جديداً” وسيؤلّب الرأي العامّ النيجري والإفريقيّ ضدّها أكثر. وواشنطن ما تزال على قرارها الاستراتيجي القاضي بالانسحاب من الصراعات العسكرية في العالم. والاثنتان منهمكتان بالصراع في أوكرانيا الذي يستنزف الخزينة ويستهلك مخزون الأسلحة.

الكلّ في مأزق
أمام هذا المشهد المعقّد يبدو أنّ الكلّ في مأزق:
– فرنسا تريد الحفاظ على ما بقي من هيبة لها كقوّة عالميّة بعد طرد قواتها العسكريّة من مالي (2021) وبوركينا فاسو (2022) إثر الانقلابات العسكريّة. وتسعى إلى الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في النيجر، وأبرزها: استيراد اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النوويّة، والتنسيق مع نيامي للحدّ من الهجرة التي تمرّ في النيجر متّجهة إلى ليبيا فالبحر المتوسط، ومنه إلى الشواطئ الأوروبيّة.
– الولايات المتحدة تخشى تمدّد النفوذين الروسي والصينيّ في القارّة السمراء وعلى حدودها الأطلسية.

إقرأ أيضاً: إفريقيا: شركات الأمن.. ترِثُ نفوذ أوروبا

– دول غرب إفريقيا تريد الحفاظ على استقرار المنطقة وعدم تحوّل الانقلابات العسكريّة إلى “حجارة دومينو” تهدّد أنظمتها.
– الانقلابيون في النيجر يبدو أنّهم يتردّدون في حسم انقلابهم لاستيعاب المواقف الدوليّة، خاصة بعد قطع المساعدات الدوليّة الحيويّة لإطعام الشعب النيجري، وبعد فرض العقوبات والمقاطعة الاقتصادية والماليّة من قبل دول غرب إفريقيا التي تتيح التواصل الجغرافيّ للنيجر مع العالم.
هل تندلع الحرب في إفريقيا؟
الأيّام القليلة المقبلة ستحدّد مسار الأمور. اتّجاهها يبدو لصالح روسيا، وأبعد منها الصين التي تستفيد من ضعف أوروبا ومن انسحاب الولايات المتحدة الأميركيّة من العديد من الصراعات في العالم.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…