أبدت دول الجوار الأوكراني قلقها من ارتفاع مستوى المخاطر على استقرارها بعد انتقال يفغيني بريغوجين قائد مجموعة “فاغنر” إلى بيلاروسيا إثر قيادته حركة تمرّد على القيادة العسكرية في موسكو. يبدو أنّ دول الجناح الشرقي للناتو لم تطمئنّ للإجراءات الصارمة التي اتّخذها الرئيس فلاديمير بوتين والتي لم تقتصر على إحباط حركة التمرّد ونفي قائد المجموعة إلى بيلاروسيا وإلزام مقاتليها بشرط توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية من أجل استمرارهم في العمل، بل بلغت ما يشبه مصادرة “تركة فاغنر” من أسلحة ثقيلة ومراكز عسكرية ولوجستية في روسيا وإبلاغ الخارجية الروسية للسلطات في كلّ من سوريا ومالي منع مقاتلي “فاغنر” من السفر.
أبدت دول الجوار الأوكراني قلقها من ارتفاع مستوى المخاطر على استقرارها بعد انتقال يفغيني بريغوجين قائد مجموعة “فاغنر” إلى بيلاروسيا
القلق من “فاغنر” يتمدّد
خرجت مجموعة “فاغنر” من أوكرانيا فانتقل القلق من أوكرانيا حيث تتطوّر المواجهات إلى الحدود البيلاروسيّة مع كلّ من بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأستونيا. وقد كان الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسودا ونائب رئيس الوزراء البولندي ياروسلاف كاتشينسكي أوّل المبادرين إلى التعبير عن هذا القلق، معتبرين أنّ انتقال مجموعة “فاغنر” وقائدها إلى بيلاروسيا سينقل المخاطر إلى حدودها مع ليتوانيا وبولندا التي تمتدّ مئات الكيلومترات (680 كلم مع ليتوانيا و418 كلم مع بولندا). فماذا حصل في دول شرق أوروبا ودول البلطيق بالتزامن مع ذلك؟
مع إعلان بيلاروسيا دخول بريغوجين أراضيها حلّ وزراء خارجية دول البلطيق الثلاث ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا على الخارجية الفرنسية في 27 حزيران الحالي، أي قبل يومين من انعقاد القمّة الأوروبية في بروكسل، وتناول المؤتمر الصحافي الذي عقده الوزراء الأربعة في الخارجية الفرنسية تبعات تمرّد مجموعة “فاغنر” وتعزيز أمن الجناح الشرقي للحلف الأطلسي وتطوّرات الحرب الأوكرانية وردّ الفعل الأوروبي. والجدير ذكره أنّ هذه الدول سبق لها مراراً أن أعلنت رغبتها بنشر قوات إضافية من الناتو بشكل دائم على أراضيها.
هذا وقد سبق اجتماع باريس بيوم واحد إعلانُ وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريس، خلال زيارة له للعاصمة الليتوانية فيلنيوس مع الأمين العامّ لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، عزمَ بلاده نشر قوّة “دائمة” في ليتوانيا قوامها 4,000 جندي لتعزيز أمن دول البلطيق على الجناح الشرقي لحلف الناتو، معتبراً أنّ الاضطرابات في روسيا تزيد من الحاجة إلى تعزيز الأمن. وقال وزير الخارجية الألماني خلال الزيارة: “نعترف صراحة بمسؤوليّتنا والتزامنا، بصفتنا دولة عضو في الناتو وأكبر اقتصاد في أوروبا، الدفاع وحماية الجناح الشرقي”.
في بولندا أعلنت القوات المسلّحة في مطلع الأسبوع الحالي تسلّم الدفعة الأولى من دبابات أبرامز “إم-1 إيه-1″، ، من ضمن 366 دبابة طلبتها وزارة الدفاع من الولايات المتحدة. وتُضاف هذه الدفعة إلى صفقة من 250 دبّابة أبرامز “إم-1 إيه-2″ ” اشترتها بولندا في عام 2022، وتتوقّع وصولها في نهاية عام 2024. وقد وقّعت وارسو الكثير من العقود مع كوريا الجنوبية لشراء دبّابات قتالية ومدافع هاوتزر، وأعلنت التزامها تخصيص 4% من إجمالي ناتجها المحلّي هذا العام للدفاع في ظلّ استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا.
استنتج زعماء الغرب أنّ حركة التمرّد التي قادها يفغيني بريغوجين مردّها فشل الرئيس فلاديمير بوتين في ممارسة السلطة والهشاشة التي تعانيها إدارت
سباق التسلّح الأوروبي
على الضفّة الغربية للبلطيق، اتّخذت حكومة الدانمارك قراراً بتخصيص 21 مليار دولار لقوّاتها المسلّحة على مدى السنوات العشر المقبلة وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، لتلاقي بذلك مطلب حلف شمال الأطلسي بإنفاق 2% من إجمالي الناتج المحلّي على الدفاع بحلول عام 2030، في حين أنّ الإنفاق على الجيش لم يتجاوز خلال العقد الماضي 1.3%. هذا وتساند الأحزاب المعارِضة الحكومة في إنفاقها الدفاعي الجديد وفي مسألة تطبيق التجنيد الإلزامي على النساء.
إلى جانب هذا التسابق الأوروبي على التسلّح الذي يشير إلى ارتفاع نسبة القلق لدى دول غرب وشمال غرب أوكرانيا، وتأهُّب ألمانيا لدور ريادي في توسيع نطاق التزاماتها في الدفاع والأمن الأوروبيَّين، يناقش قادة الاتحاد الأوروبي في قمّة بروكسل لمدّة يومين (الخميس والجمعة من هذا الأسبوع) تداعيات التمرّد المسلّح لمجموعة “فاغنر” في روسيا، ويناقشون أيضاً دور الاتحاد الأوروبي في تعزيز أمن أوكرانيا وطبيعة المساعدات المطلوبة. وتنقل صحيفة “وول ستريت جورنال” في الوقت عينه عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين قولهم إنّ لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي قد اتّخذت قراراً في 22 حزيران يدعو إدارة الرئيس جو بايدن إلى إرسال صواريخ (ATACMS) بعيدة المدى على الفور إلى أوكرانيا للسماح لقوات كييف بضرب أهداف روسيّة على مسافات تصل إلى 200 ميل (321 كيلومتراً)، وهو ما سيشكّل تطوّراً غير مسبوق في الدعم الأميركي.
إقرأ أيضاً: فلاديمير بوتين “الضعيف”.. والفوضويّ
استنتج زعماء الغرب أنّ حركة التمرّد التي قادها يفغيني بريغوجين مردّها فشل الرئيس فلاديمير بوتين في ممارسة السلطة والهشاشة التي تعانيها إدارته حتى بعد إجهاض التمرّد. يستحقّ هذا التسارع في الحشد الغربي والإنفاق الدفاعي غير المسبوق لمواجهة روسيا التساؤل: هل أصبح الرئيس بوتين اليوم أكثر تصلّباً وأشدّ خطراً على الغرب بعد إحباط حركة التمرّد؟ وهل ازدادت خشية الغرب بعد تصفية “تركة فاغنر” بهذه السرعة؟
ربّما في تحذير مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشكّل “خطراً أكبر” لدى إضعافه ما يجب التوقّف عنده مليّاً.
* مدير المنتدى الإقليميّ للاستشارات والدراسات