“حماس ليست مشكلة يجب حلّها، بل حالة يجب إدارتها”. هذا ما خلُص إليه الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس الذي شغل منصب المستشار لوزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، وكان مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية سابقاً؛ وذلك في رسالة وجّهها إلى “أصدقائه الإسرائيليين” معتبراً أنّ تخليص غزة من حماس ليس ممكناً، مؤكداً على ضرورة اتخاذ إسرائيل خطوات لتسهيل ظهور شريك فلسطيني مستعدّ لنبذ العنف والعيش إلى جانبها.
نص الرسالة
وجاء في نصّ رسالة هاس التي وجّهها عبر صحيفة “فاينيشال تايمز”:
إلى أصدقائي الإسرائيليين:
لن اتظاهر إنني أتفهّم كلّ ما تمرّون به، رغم أنني عشت في بلدكم، وأتابع صحافتكم، وشهدت هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية عام 2001 هنا في أميركا. إنّ الدافع وراء هذه الرسالة، هو التزامي تجاه إسرائيل، وبالعلاقة الأميركية الإسرائيلية. لذا آمل أن يفكّر شعب وحكومة إسرائيل في أفضل السُّبل للردّ على الهجمات المروّعة التي وقعت في 7 تشرين الأول، وأن يتخذوا خيارات حكيمة، ويتصرّفوا بمسؤولية. فالكثير من الأمور يعتمد على ذلك.
إنني أفهم سبب تصميم إسرائيل على ضرب حماس بقوة. إنه أمر عادل وضروري. إنّ الواجب الأول لأيّ حكومة، هو الدفاع عن مواطنيها ضدّ أولئك الذين قد يُلحقون بهم الأذى. ويتعيّن على إسرائيل أن تعيد بناء قوة الردع، وأن تبيّن أنّ تكاليف مثل هذه الهجمات تفوق بكثير أيّ فوائد. ومن الضروري أن نعمل على تعزيز القاعدة التي تقول إنّ الإرهاب لا يمكن أن يستمرّ.
في نهاية المطاف، ستنتهي الأزمة. وستحتاج إسرائيل إلى اتخاذ خطوات لتسهيل ظهور شريك فلسطيني مستعدّ لنبذ العنف والعيش إلى جانبها
إنّ مهاجمة حماس من شأنه أن يفي بالمعايير التي وضعها العالم موسى بن ميمون (توفي عام 1204م) منذ ما يقرب من ألف عام لما أسماه حرباً إلزامية، وذلك “لإنقاذ إسرائيل من العدو”. لكنّ الأمن القومي، مسألة سياسة ومبادئ. لذا، نعم، مهاجمة حماس واجب، لكن كيفية مهاجمتها، وكيفية خوض الحرب، تنطوي على اختيار.
مسألة الأهداف تؤثّر في هذا الاختيار. يُقال إنّ على إسرائيل أن تسعى إلى القضاء على حماس. من السهل فهم السبب. ولكن من المرجّح أن يكون ذلك مستحيلاً. حماس هي أيديولوجيا وشبكة بقدر ما هي منظّمة. إنّ مهاجمتها برّياً بقوة سيُسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، ويؤدّي إلى تجنيد مقاتلين جُدد، وسيسمح لحماس بأن تجعل إسرائيل كبش فداء لأوجه قصورها. وستتكبّد إسرائيل المزيد من الضحايا، ويؤسر المزيد من الجنود، نظراً للبيئة الحضرية المكتظّة بالسكان. إنّ الهجوم البرّي طويل الأمد سيجعل من المستحيل المُضيّ قُدُماً في التطبيع مع العالم الإسلامي. وقد يؤدّي ذلك إلى حرب أوسع نطاقاً وأكثر تكلفة، ويُضيع موقع إسرائيل في مواجهة حزب الله أو حتى إيران.
إنّ التأييد لمثل هذه العملية سيتضاءل، ليس فقط في مختلف أنحاء العالم، بل وأيضاً في إسرائيل، حيث تميل الأنظمة الديمقراطية إلى التعب من التدخّلات المسلحة التي تُثبت أنها مُكلفة ولا تُظهر إلا القليل من علامات النجاح. وحتى لو نجحت العملية، وحتى لو دُمّرت حماس، فلا توجد سلطة بديلة مستعدّة لتحمّل مسؤوليات الحكم. يجب أن يكون هدف السياسة قابلاً للتحقيق ومرغوباً فيه. ومن غير المرجّح أن يكون تخليص غزة من حماس أمراً ممكناً حتى لو كان مهمّاً جداً.
الخبر السارّ هنا، هو أنه حتى لو لم يكن تدمير حماس أمراً ممكناً، فإنه ليس ضرورياً. إنّ القول بأن حماس تشكّل تهديداً وجوديا لإسرائيل هو أمر مبالغ فيه. وينطبق الشيء نفسه على الادّعاء بأنه إذا نجت حماس، فلن تكون إسرائيل آمنة مرة أخرى أبداً.
إنّ ما أدّى إلى 7 تشرين الأول أكثر ارتباطاً بإخفاقات أجهزة المخابرات والدفاعات الإسرائيلية منه بحماس. ومن الممكن والضروري التعلّم من هذه الإخفاقات ومعالجتها. لن تغيّر حماس أساليبها. ولكن ما يمكن، وما يجب تغييره، هو قدرة إسرائيل على الحدّ من قدرة حماس على إلحاق أضرار كبيرة.
لقد عاشت إسرائيل دائماً مع تهديدات خارجية. ومع ذلك، وجدت طريقة للازدهار. حماس ليست مشكلة يجب حلّها، ولكنها حالة يجب إدارتها. بناء دفاع أكثر فعالية، والحفاظ على حالة أعلى من الاستعداد العسكري، وجعل غزة أولوية استخباراتية، والتشكيك في جميع الافتراضات: ليس هناك من سبب لتكرار ما حدث في 7 أكتوبر مرة أخرى.
إنّ ما أدّى إلى 7 تشرين الأول أكثر ارتباطاً بإخفاقات أجهزة المخابرات والدفاعات الإسرائيلية منه بحماس. ومن الممكن والضروري التعلّم من هذه الإخفاقات ومعالجتها
إنّ ما قد يكون مرغوباً وقابلاً للتحقيق، هو إضعاف وإذلال حماس، وقتل عدد كبير من قادتها ومقاتليها. ومن خلال القيام بذلك، من الضروري أن تقوم إسرائيل في كلّ خطوة بالتمييز بين حماس وغزة، بين المجموعة الإرهابية والسكان الذين يعيشون هناك. وأيّ موقف آخر لن يؤدّي إلا إلى زيادة الضغط من أجل وقف إطلاق النار، وحرمان إسرائيل من التعاطف الذي ستحتاجه بعد مدّة طويلة من انتهاء هذه الأزمة.
مثل هذه الاعتبارات تؤيّد شنّ هجمات جوية على حماس بأسلحة دقيقة، وغارات برّية محدّدة الأهداف. ولا بدّ من السماح للمساعدات الإنسانية بالتدفّق إلى غزة، وربّما تشجيعها بوقف العمليات العسكرية. ومن الأفضل بكثير لإسرائيل أن تعلن نجاحها، وأن تستكمل ما قامت به بدلاً من أن تضطر إلى وقف وقبول وقف إطلاق النار بسبب الضغوط الدولية.
وفي مرحلة ما، ستكون هناك حاجة إلى محادثات إضافية – حول كيفية حلّ القضية الفلسطينية بطريقة تمكّن إسرائيل من أن تكون دولة آمنة ومزدهرة ويهودية وديمقراطية إلى الأبد. أقدّر أن هذه ليست محادثة لهذا اليوم. الجروح حديثة جداً. ناهيك عن عدم وجود شريك فلسطيني مقبول يمكن التوصّل معه إلى تسوية. حماس مُستبعدة إلى الأبد، بالنظر إلى وحشيتها وميثاقها الذي يرفض الدولة اليهودية. أما السلطة الفلسطينية، فلا تزال مخيّبة للآمال.
في نهاية المطاف، ستنتهي الأزمة. وستحتاج إسرائيل إلى اتخاذ خطوات لتسهيل ظهور شريك فلسطيني مستعدّ لنبذ العنف والعيش إلى جانبها. لن تفيد الدولة الفلسطينية الفلسطينيين فحسب، بل ستفيد الإسرائيليين أيضاً. هذه هي الطريقة الوحيدة لإسرائيل كي تبقى يهودية وديمقراطية، لأن الاحتلال غير المحدود يتعارض مع الديمقراطية الإسرائيلية، في حين أنّ منح الحقوق الكاملة للفلسطينيين من شأنه أن ينهي الطابع اليهودي لإسرائيل.
إقرأ أيضاً: دنيس روس: لا للرهائن… مقابل انتصار كبير لحماس
مرة أخرى، من الأفضل حفظ مثل هذه المحادثات ليوم آخر. ما لا يمكن تأجيله، هو ما يجب فعله الآن. نعم، من الضروري العمل ضد حماس، لكن كيفية تصرّف إسرائيل هي مسألة اختيار. ونرجو أن يجري بحكمة.
* موسى بن ميمون (ميمونيدس) فيلسوف يهودي سفارديمي وأكثر علماء التوراة إنتاجاً وتأثيراً في العصور الوسطى. كان عالم فلك وطبيباً بارزاً. وُلد في قرطبة ببلاد الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي، عاش في المغرب ثم فلسطين قبل أن يستقرّ في مصر حيث عمل نقيباً للطائفة اليهودية، وطبيباً لصلاح الدين الأيوبي حتى وفاته. ويوجد معبد يحمل اسمه في العباسية بالقاهرة.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا