ثلاث محطاتٍ في شهر آب (2020) أيقظت اللبنانيين الوطنيين والسياديين على وثيقة الوفاق الوطني والدستور: حدث تفجير المرفأ وتخريب المدينة في 4 آب – وحدث الحكم على سليم عياش القيادي في حزب الله، بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من جانب المحكمة الدولية – وحديث التمديد للقوات الدولية بجنوب لبنان يوم 28 آب، بشروطٍ جديدةٍ لتقييد حركة حزب الله، في جنوب الليطاني، وإلى الحدود مع فلسطين المحتلة بحسب القرار الدولي رقم 1701 للعام 2006.
إقرأ أيضاً: تسمية نواف سلام: واجبٌ سياسيٌ وضرورة وطنية
الأحداث الثلاثة لها دلالتها الفاقعة على الأوضاع الخطيرة التي يمرّ بها لبنان لناحية الوجود الوطني، ولناحية الدولة والكيان، والتي تسببت بانهياراتٍ اقتصاديةٍ وأمنيةٍ وسياسية واستراتيجية. فالأوضاع الخاصة أو الخطيرة هي سيطرة الزعيم المعصوم الهاجم، وإلى جانبه الجنرال النائم، على الدولة ومرافقها ومطارها ومرفئها، وإلى انصراف العهد تحت مظلة الزعيم إلى تخريب الدستور وإدارة الدولة بحجة استعادة حقوق المسيحيين التي أكلها الطائف!
إنّ الأحداث الثلاثة التي ذكرتُها أيقظت العالم على الأخطار التي تتهدد وطن الأرز، وملايين سكّانه. وأكبر شواهد التدمير اليوم: المدينة ومرفؤها الخربان، ونظام الدولة المخرَّب، الذي كشفته التحقيقات في تدمير المرفأ، والسلاح غير الشرعي، والذي كشفه حكم المحكمة على القاتل من حزب الله، وكشفه إصرار الدوليين للمرة الثالثة على حفظ سلام الجنوب ولبنان بإخراج سلاح الحزب الإيراني منه، بحسب القرار الدولي رقم 1701.
معظم اللبنانيين وعلى رأسهم اليوم البطريرك الماروني، والدوليون والعرب، يرون الإنقاذ في استقامة أمر السلطة التنفيذية، أي الحكومة
كيف يكون العاصم من كلّ ذلك، وكيف يمكن العودة إلى السلام والاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي؟
معظم اللبنانيين وعلى رأسهم اليوم البطريرك الماروني، والدوليون والعرب، يرون الإنقاذ في استقامة أمر السلطة التنفيذية، أي الحكومة. وهو الأمر الذي استعصى حتى الآن، أي إقامة حكومة جدّية وفعّالة لإيقاف الانهيار، وإعادة الإعمار وتصحيح العلاقات مع العالم – بسبب تقاسم الزعيم المعصوم، والجنرال المكظوم لصلاحيات الحكومة، وللدستور الناظم لعمل المؤسسات الدستورية، وإصرارهما على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والإساءة للعيش المشترك.
منذ العام 2011 استولى الطرفان على الحكومة أولاً ثم على رئاسة الجمهورية، بعد أن كانوا قد عطّلوا البرلمان منذ العام 2007 وهناك بالفعل رغم ثورة تشرين (2019) عجز لبناني شامل عن استرداد السلطة التنفيذية، بحيث يكاد يكتمل سقوط المؤسسات الدستورية، وسقوط الدولة.
حدثُ 4 آب والعجز عن ستر أو كبت تداعياته، أدى إلى سقوط الحكومة العميلة والأداة، كما أدّى إلى انكشاف تهافُت الطفل المعجزة وانهيار العهد والجنرال النائم. أما حكم المحكمة، وتعديل الدوليين لمهمات القوات الدولية، فأدّى إلى زيادة السخط على حزب السلاح وتجاوزاته.
أيها الرؤساء الأربعة لا تفقدوا البوصلة، ولا تتجاهلوا الطائف الذي يريده معظم اللبنانيين ولا يريده الزعيم المعصوم الهاجم، والجنرال النائم والمفتي الجعفري
ولهذين السببين هناك فرصة ضيقة وسريعة، لكنها بالفعل فرصة قائمة، الإتيان برئيس حكومة جدّي، وحكومة طوارئ، كما يقول البطريرك، أو حكومة إنقاذ، كما يقول المفتي. ويبلغ من أهمية هذه الفرصة أنّ رئيس الجمهورية والزعيم الهاجم ما عاد بإمكانهم إنتاج حكومة عميلة أُخرى. كما أنّ الدوليين مصرُّون – لكي يساعدوا – على حكومة اختصاصيين وغير حزبية، بحيث تكون حكومة المهمات الثلاث التي ذكرناها، هي فرصة ليس لاستعادة السلطة التنفيذية وحسب، بل وإيقاف الهجوم على الطائف والدستور. والمسيطرون الآن مصرُّون على معارضة مجيء الدكتور نواف سلام للخشية من جدّيته واستقلاليته.
ولذلك أيها الرؤساء الأربعة!
لا تفقدوا البوصلة، ولا تتجاهلوا الطائف الذي يريده معظم اللبنانيين، ولا يريده الزعيم المعصوم الهاجم، والجنرال النائم والمفتي الجعفري.
أيها الرؤساء الأربعة!
لا تتردّدوا في قول كلمة الحقّ والترشيح الملائم، لصون الاستقرار، ووضع الأمور في نصابها، والإصغاء لحرص العرب والدوليين على لبنان.
لا تُسمُّوا لرئاسة الحكومة غير الدكتور نواف سلام، رجل الدولة والعزيمة، الذي يتطلّع إليه المواطنون! ستقولون أو يقول بعضكم: لكنّ الزعيم المعصوم الذي يتغنّى بصلح الحسن، وينهى أنصاره عن سماع شاشات الفضائيات “العربية” و”الحدث” و”سكاي نيوز”، ويريد عقداً سياسياً جديداً لإخافتكم. فالزعيم لن يقبل! ونحن نقول: لكننا نحن المواطنين نريده ولا نقبل غيره، ولسان حالنا قول المتنبي:
يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ!