نهاية حرب أوكرانيا: لا غالب ولا مغلوب؟

مدة القراءة 5 د


وصلت الحرب في أوكرانيا إلى طريق مسدود. إذا انتصر الاتحاد الروسي بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين فإنّ معنى ذلك أنّ هزيمة كبرى ذات بعد استراتيجي قد حلّت بالولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، وهو أمر لا تستطيع واشنطن ولا أيّ عاصمة أوروبية أخرى أن تتحمّل نتائجه وتداعياته السياسية والأمنيّة.

أمّا إذا انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا تكون نتيجة هذا الانتصار في دولة كبرى مهزومة لكنّها تملك أكثر من أربعة آلاف رأس نووي، ويملك رئيسها المهزوم السلطة المطلقة للضغط على الزرّ النووي؟

من هنا تبدو أيّ صيغة للحسم العسكري في الحرب في أوكرانيا خارج الحسابات السياسية والدبلوماسية، الأمر الذي يفتح الباب أمام المساعي الدبلوماسية لوقف الحرب وتسوية الصراع بالتي هي أحسن، وليس بالتي هي أسوأ وعلى الإنسانية جميعها.

وصلت الحرب في أوكرانيا إلى طريق مسدود. إذا انتصر الاتحاد الروسي بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين فإنّ معنى ذلك أنّ هزيمة كبرى ذات بعد استراتيجي قد حلّت بالولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي

ماذا فعل “المطبخجي”؟

في 24 حزيران الماضي حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد تمكّنت قوات فاغنر العسكرية الروسيّة المتمرّدة بقيادة “المطبخجي”، كما تطلق عليه وسائل الإعلام الغربية، من القيام بعملية عسكرية استهدفت الكرملين وسيّده. اجتازت هذ القوات المتمرّدة مسافة 750 كيلومتراً وهي في طريقها إلى موسكو، واحتلّت مدينتين قبل أن تتوقّف على بعد 20 كيلومتراً فقط من الكرملين، وخلال هذه المسيرة لم تُطلق عليها رصاصة واحدة! بل كان زعيمها يُستقبل بالتصفيق والتشجيع. فماذا لو واصلت هذه القوات المتمرّدة طريقها واقتحمت الكرملين؟ ماذا لو انتقلت الحقيبة النووية من يد بوتين إلى يد يفغيني بريغوجين؟

لن يكون ذلك في مصلحة روسيا بالتأكيد. لكنّه لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها أيضاً. من أجل ذلك يبدو أنّ الحسم العسكري للحرب في أوكرانيا أصبح مستحيلاً. وتفتح هذه الاستحالة الباب أمام التسوية السياسية.

لكن من هي الجهة المؤهّلة للقيام بهذه المهمة السياسية الصعبة والمعقّدة؟

فالصين منحازة لروسيا، وهي تعاني من أزمة حادّة وقابلة للانفجار في علاقاتها مع الولايات المتحدة حول تقرير مصير تايوان في إطار الوطن الصيني الواحد. ثمّ إنّ الدول الأوروبية ودول الشرق الأقصى منضوية تحت لواء القيادة السياسية والعسكرية الأميركية. أمّا الأمم المتحدة فإنّها قوّة منزوعة الأسنان والأظفار وعاجزة عن التأثير الواقعي.

الوسيط التركي

من هنا تحاول تركيا توظيف موقعها الاستراتيجي بين روسيا وأوروبا لتطرح نفسها وسيطاً سياسياً بعدما نجح رئيسها في أداء دور الوسيط في قضية تسهيل تصدير إنتاج أوكرانيا وروسيا من الحبوب والأسمدة إلى أسواق العالم المتعطّشة إلى هذه الموادّ.

يفسّر ذلك المسافة التي يحرص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على المحافظة عليها بين حلف شمال الأطلسي، وهو عضو فيه، والاتحاد الروسي المتعاون معه عسكرياً (تسلّحاً) وسياسياً. وفيما أعرب الرئيس التركي بعد إعادة انتخابه استعداده لأداء هذا الدور، جدّد طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن خلال هذا الطلب فإنّه يقول للولايات المتحدة ولدول الاتحاد الأوروبي معاً إنّه ينطلق في مساعيه من إيمانه بأنّه عضو في المجموعة الأوروبية عسكرياً (الحلف الأطلسي) وسياسياً (الاتحاد الأوروبي).

البعد الديني للحرب في أوكرانيا يتمثّل في انفصال الكنيسة الأرثوذكسية المحلّية عن الكنيسة الروسية، وفي وقوف الفاتيكان بما يمثّله من مرجعية كاثوليكية عليا في العالم إلى جانب الكنيسة الأوكرانية المنفصلة

سبق للرئيس التركي أن سجّل نجاحاً في إعداد اتفاقية تصدير الحبوب الروسية والأوكرانية عبر البحر الأسود ومضايق البوسفور والدردنيل إلى البحر المتوسط، ومنه إلى الأسواق العالمية، قبل أن يعلّق بوتين العمل بها الثلاثاء الفائت. وشكّل هذا النجاح في حينه أساساً لعمل أبعد مدى، وهو ما يطمح إليه الرئيس إردوغان، لكنّ السؤال هو: هل تعب المتحاربون على جبهتَي القتال في أوكرانيا بحيث يفتحون الأبواب المغلقة أمام مبادرة سياسية للتسوية؟

الأبعاد الدينية للأزمة

هناك بعد ديني لهذا السؤال. فتركيا لم تتمكّن من دخول حرم الاتحاد الأوروبي على الرغم من كلّ محاولاتها المتكرّرة التي بدأت في عام 1987 لأنّها دولة ذات كثافة إسلامية. وهو أمر يؤثّر على صورة الاتحاد الذي فكّ ارتباطه بالدين.

ثمّ إنّ البعد الديني للحرب في أوكرانيا يتمثّل في انفصال الكنيسة الأرثوذكسية المحلّية عن الكنيسة الروسية، وفي وقوف الفاتيكان بما يمثّله من مرجعية كاثوليكية عليا في العالم إلى جانب الكنيسة الأوكرانية المنفصلة. ويقيم في إسطنبول البطريرك الأرثوذكسي بارثالوميو الذي يتمتّع بين جميع بطاركة الأرثوذكس في العالم بصفة أوّل بين متساوين. ومن دون موافقته ما كان للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية أن تتمتّع بالشرعية بعد الانفصال عن كنيسة موسكو.

يعزّز هذا الواقع من دور الرئيس التركي، لكنّه لا يغيّر بالضرورة من المعادلات المعقّدة والمتداخلة بين الديني – والسياسي وبين الأمنيّ والدبلوماسي في الحرب حول أوكرانيا وفي أوكرانيا. لن تسمح الولايات المتحدة لروسيا أن تحقّق أهدافها في أوكرانيا. ولكنّها لا تتحمّل أن تذهب في التصدّي للأهداف الروسية إلى حدّ إسقاط النظام في الكرملين مع ترسانته النووية.

إقرأ ايضاً: هزيمة روسيا تبشّر بقيام نظام عالميّ جديد

كذلك لن تتمكّن روسيا بوتين من مقاومة عملية الالتفاف العسكري – الدبلوماسي التي تقوم بها الولايات المتحدة في الشرق الأقصى من خلال اليابان وكوريا الجنوبية، وفي أوروبا عبر انضمام الدول الإسكندينافية الثلاث فنلندة والنرويج والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.

من هنا الحاجة إلى طريق ثالث للخروج من المأزق. فهل تكون التسوية السياسية هي المخرج؟ وهل تكون عملية “المطبخجي” بريغوجين قد سرّعت في إدراك هذه الحاجة والتعامل معها بجدّية؟!

هل صار السباق على الجواب في أمتاره الأخيرة؟..

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…