حين سئل الرئيس ميشال عون عن السلام مع إسرائيل قال إن السلام يعتمد على أنه “لدينا مشاكل مع إسرائيل وعلينا حلّها أولا”. بعد تصريح عون بأسابيع أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن اتفاق إطار مع إسرائيل وبرعاية وإدارة أميركية تحت ستار الأمم المتحدة، لترسيم الحدود البحرية والبرية. وهو ما كان ليفعل ذلك لولا التفاهم الكامل مع حزب الله.
وحين سئل بشار الاسد عن السلام قال إنّ “مسألة بسيطة جدا تحول دون خطوة التطبيع وهي استعادة الأراضي السورية”. وكان الأسد قد تجنّب التعليق السلبي على إتفاق السلام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل.
التبسيط اللافت لشروط السلام وقواعد العلاقة مع إسرائيل، في الموقفين اللبناني والسوري، ليس بسيطاً.
إقرأ أيضاً: دمشق وتل أبيب: البقاء مقابل السّلام!
فهل نحن أمام فرصة جدية للسلام مدفوعة بدينامية السلام التي تقودها دول الخليج من خارج الاطار التقليدي لما يسمى الصراع العربي الاسرائيلي؟
لفتني في هذا التوقيت تعيين سلطنة عمان لأول سفير خليجي في دمشق منذ إنقطاع العلاقات العربية السورية بعد بداية الثورة فيها عام 2011، وأن يكون السفير الجديد أحد أفراد الأسرة الحاكمة للسلطنة وهو تركي بن محمود البوسعيدي، ما يؤشر الى أنّ المهمة الموكلة اليه تتجاوز الوظائف الكلاسيكية للسفارات والسفراء.
وسبق ذلك إعادة كلّ من الإمارات والبحرين افتتاح سفارتيهما في سوريا عام 2018 من دون إيفاد سفراء، بالإضافة الى إستئناف حركة الطيران بينها وبين دمشق.
الأرجح أنّ حسن نصرالله وبشار الأسد يستعيران صفحة من كتاب حافظ الأسد، وهي استخدام الإغراء بالسلام لتحصين الموقع الداخلي.
الرجلان في زاوية ضيّقة وصعبة. والرجلان يفعلان ما كان ليفعله حافظ الأسد لو كان في مكانهما
الأسد محاصر بإحكام القبضة الروسية على نظامه، والضغط عليه لإجراء تعديلات عميقة في الدستور يعارضها ويتهرّب منها، بالاضافة إلى حجم التفاهمات التي يرفض الاقرار بها في الميدان بين روسيا وتركيا و روسيا والولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل.
ونصرالله محاصر في واقع لبناني مفخّخ بالانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي والاجتماعي، وبالتهديدات وربما الاستهدافات الاسرائيلية التى لا يقوى على الردّ عليها، منها عدم ردّه على مقتل أحد عناصره في سوريا حتى الآن.. كلّ ذلك مقرون بالإنهاك الواضح البادي على مشغّليه الايراني الذين تتحالف على قوّته العقوبات القاسية والتداعيات الأقسى لوباء كورونا.
الرجلان في زاوية ضيّقة وصعبة. والرجلان يفعلان ما كان ليفعله حافظ الأسد لو كان في مكانهما.
يعرف الأسد أنّ مسار التفاوض الذي افتتحه مع إسرائيل عام 2007 برعاية تركية آنذاك ساهم في فكّ عزلته الدولية وسمح له بركوب موجة الثلاثي: رجب طيب أردوغان، حمد آل ثاني، ونيكولا ساركوزي..
الجديد أنّ نصرالله “يتأسدن” بالمعنى العملي للكلمة. يشتري الوقت بإبداء الليونة تجاه التفاوض مع إسرائيل على قواعد خارج قاموس الايديولوجيا والقضية ومفرداتها.
يكتفي الاثنان بمسار السلام من دون توجيع رأسيهما بالسلام نفسه. فهذا في الختام قرار ايراني كبير، والدليل علي ذلك أنّ مزارع شبعا لا تزال خارج أيّ نقاش جاري في هذه اللحظة.
إذا كان الأسد يواجه الضغوط الروسية عليه لتفادي إجراءات دستورية تهمّش الرئيس والرئاسة وتعيد تشكل هيكلية النظام، فإنّ حزب الله يقوم بالأمر نفسه ولكن بشكل معاكس
ضمن حافظ الأسد نظامه حين فهم أنّ الالتحاق بمؤتمر مدريد قدر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفي ظلّ تفوق الآلة العسكرية الإسرائيلية. قاتل مع الأميركيين في حرب الخليج لإخراج صدام حسين من الكويت، مسقطاً كل الاعتبارات العقائدية لنظام ثوري مفترض.
مثله اليوم يريد حزب الله، وبشار الأسد حماية نظاميهما عبر القناة الإسرائيلية. بمسار السلام من دون سلام. أو هكذا يعتقدان ويحاولان.
والاثنان ينافحان لحماية إمساكهما بنظام بلديهما. فإذا كان الأسد يواجه الضغوط الروسية عليه لتفادي إجراءات دستورية تهمّش الرئيس والرئاسة وتعيد تشكل هيكلية النظام، فإنّ حزب الله يقوم بالأمر نفسه ولكن بشكل معاكس.
قبل أيام ومع انطلاق مسار تشكيل حكومة جديدة في لبنان، صدر عنذ الثنائي الشيعي رسالتان. أولى حملها الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، بتأكيده أن تشكيل الحكومة يجب أن يلتزم قواعد الأكثرية النيابية، التي يعتقد الحزب أنّه يملكها مع حلفائه. وثانية حملها إطلاق الرئيس نبيه بري عملية درس تعديل النظام عبر تشكيل مجلس الشيوخ في سياق مناقشات متّصلة بإقرار قانون للانتخابات البرلمانية.
عبر الرسالتين يقول الثنائي: “أنا مستعدّ لكل شيء بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل، لكن دائماً من موقع حكم لبنان..
ومثله يقول بشار الأسد.
في هذه الأثناء ما زال البحث جاريًا عن لبنان وسوريا تحت أنقاض مشروع المقاومة المجيدة.