نائب رئيس الحكومة بين الدستور والعرف (1/2)

مدة القراءة 5 د


يثير موقع نائب رئيس الوزراء إشكاليات سياسية ودستورية تبرز عند كلّ منعطفٍ فنشهد نزاعاً حول الصلاحيات التي يفترض أن تُناط به دستورياً: هل هي صلاحيات حُكمٍ وممارسة؟ أم هي نيابة لسدّ الشغور الطارئ والقصير لرئيس الوزراء على قاعدة ملء الفراغ؟ وبالتالي لا صلاحية لمن يشغل هذا المنصب إلاّ في نطاق ضيّق؟ خاصة أنّه لا وجود له في الدستور ولا صفة قانونية له، سوى ما أرساه العرف بتسمية نائب رئيس للحكومة في الحكومات المتعاقبة بدون وجود نصٍّ ينظّم عمل من يشغل هذا المنصب.

جرت العادة على أن يرأس نائب رئيس مجلس الوزراء لجاناً وزاريّة كانت ترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء، إضافة إلى ترؤّسه بعض الوفود والمشاركة في مؤتمراتٍ بتكليفٍ من المجلس.

إقرأ أيضاً: حسّان دياب.. وقفا الدهر

لكنّ البعض يمدّ عينيه، ويطمح إلى مدّ يديه، إلى ما يسمّيه “الدّور الإداري” لرئيس الحكومة الذي “يرأس عملياً 63 مؤسسة وإدارةً فاعلة في الدولة، في وقت لا يملك نائب رئيس الحكومة حقّ التوقيع إلاّ على مراسلات داخلية لا قيمة دستورية لها، بينما الوزير العادي يوقّع على المراسيم. وإذا كان نائب رئيس الحكومة لا يتولّى وزارة، فإنّ توقيعه لا يظهر على أيّ مرسوم يصدر طوال مدّة الحكومة التي هو نائب رئيسها”، بينما يدعو آخرون إلى تكريس دور نائب رئيس الحكومة من خلال تعديل النظام الداخلي لمجلس الوزراء وإصداره بمرسوم ملزم كما هو الحال بالنسبة إلى تنظيم مجلس النواب.

يرى هذا الفريق أنّ “موضوع الاستمرارية هو موضوع أساسي في نظامنا السياسي، لأن مجلس الوزراء هو مؤسسة لا يمكن أن تتوقّف عن العمل لأيّ سبب… ومن منطلق المحافظة على استمرارية العمل الدوري وعدم توقّفه في مؤسسة مجلس الوزراء، أتى مبدأ نيابة الرئاسة”.

جرت العادة على أن يرأس نائب رئيس مجلس الوزراء لجاناً وزاريّة كانت ترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء، إضافة إلى ترؤّسه بعض الوفود والمشاركة في مؤتمراتٍ بتكليفٍ من المجلس

الدّاعون لتحويل نيابة رئاسة الحكومة إلى شريكة في السلطة يجهدون في تجميع رواياتٍ تدعم فكرتهم، لكنها لا تتمتّع بالتماسك ولا بالشرعية الدستورية والقانونية الكافية، وهي لا تخرج في كلّ الأحوال عن قيام صاحب هذا المنصب ببعض الأعمال في غياب رئيس مجلس الوزراء وليس في حضوره، وحصر نشاطاته بترؤّس بعض اللجان والمشاركة في بعض المؤتمرات.

نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني، في 31/10/2018، خلال محاضرة بدعوة من “الرابطة اللبنانية للروم الأرثوذكس”، بعنوان “دور نائب رئيس مجلس الوزراء في النظام السياسي اللبناني”، قال: “وجود نائب لرئيس مجلس الوزراء في مراسيم تشكيل الحكومات يجعل منه أمراً قائماً. لكن عدم تحديد مهامه بنظام داخلي يجعله معتمداً على علاقة نائب الرئيس بالرئيس، وشخصية نائب الرئيس وقدرته على اتخاذ المبادرات وإدارة الملفات وعلى الظروف السياسية السائدة. والخطوات المطلوبة لتحديد مهام نائب رئيس مجلس الوزراء، تتضمّن: التناغم بين نائب الرئيس ورئيس مجلس الوزراء الذي يوكل إليه مهام متعدّدة من ضمن المهام التي تقع في نطاق مسؤولياته. وترسيخ مهام نائب رئيس مجلس الوزراء بمرسوم يحدّد مهام نائب رئيس مجلس الوزراء، أو يُنظّم عمل المجلس أو  بقانون أو تعديل في النص الدستوري للغاية عينها. وبذلك، يمكن تفادي الاستنسابية والظرفية في تحديد دور نائب الرئيس”.

كذلك أثار “مقرّ” نائب رئيس الحكومة إشكالية أخرى، لأنّ مقرّه المستقلّ هو في  المقر الأساسي لمجلس الوزراء، الكائن قرب سباق الخيل. وفي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة جعل لنائبه اللواء عصام أبو جمرا مكتباً في السراي الحكومي، لكنّه لم يمارس مهام ذات فاعلية، ما يدفع إلى التساؤل: إذا كان هذا المنصب ضرورياً لاستقامة مسار الحكم، فلماذا لا يكون له مقرٌّ خاص؟

مع وصول الرئيس حسّان دياب إلى رئاسة الحكومة، برزت الإشكاليّة من جديد، مع مداومة جزئية لنائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر في السراي الكبير واتخاذها لنفسها مكتباً وفريقاً خاصاً

اليوم، مع وصول الرئيس حسّان دياب إلى رئاسة الحكومة، برزت الإشكاليّة من جديد، مع مداومة جزئية لنائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر في السراي الكبير واتخاذها لنفسها مكتباً وفريقاً خاصاً من المستشارين التابعين لرئيس الحكومة، وممارستها جزءاً مهماً من أعمال رئيس الحكومة، ليعود الحديث عن الصلاحيات وتشظّيها مع دياب في كثير من جوانب الحكم.

وبما أنّ الرئيس دياب يفضّل الاتّكال عليها، فإنّها تفرض حضورها وتكاد توصف برئيسة وزراء الظلّ، وهذا ما أثار حفيظة كثيرين، منهم الرئيس سعد الحريري، لتردّ عليهم بقولها: “أقوم بمهامي داخل السرايا، بناء على طلب رئيس الحكومة حسان دياب، الذي كلّفني متابعة عدد من اللجان. والقرارات تتخذ من رئيس مجلس الوزراء والحكومة، وهذا الأمر كان معتمداً في السابق، فأين الخطأ بممارسة مهامي؟”.

المرجع القانوني حسن الرفاعي يجيب على كلّ التساؤلات في حوارٍ دستوريّ محكم في الحلقة الثانية من هذا الملف.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…