يُهدّد ضمناً رئيس حكومة تصريف الأعمال المستقيلة نجيب ميقاتي بالاستقالة… من مهامّ التصريف!
إنّها سابقة يلوّح ميقاتي بحصولها ربطاً، وفق معلومات “أساس”، بمخاوف جدّية لديه من المزيد من الإجراءات الخارجية المالية الموجعة بحقّ لبنان، ومحفّزها الأوّل، برأيه، الكربجة الداخلية والتقصير في الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي لناحية انتخاب رئيس للجمهورية وعجز مجلس النواب عن إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة وتحميل قوى سياسية حكومته مسؤولية الإمعان في مخالفة الدستور والمشاركة في تكريس الانهيار.
لم يكن مضمون خطاب ميقاتي في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي عاديّاً، إذ لوّح للمرّة الأولى منذ بدء حكومته تصريف الأعمال في تشرين الثاني من العام الماضي بالاعتكاف متحدّثاً عن “قرار أساسي وحسّاس قد اتّخذه”، ورافضاً تحمّل حكومته المسؤولية وحدها.
يتمثّل أكبر مخاوف ميقاتي في تكريس واقع “اقتصاد الكاش”، وفق ما نقل عنه زوّاره، فهو يسلّم بأنّه سيفتح العين الدولية أكثر على لبنان لأنّه الباب الأسهل لتبييض الأموال ويعرّض لبنان لمخاطر ماليّة كبيرة جدّاً.
خطوة سرّيّة لميقاتي
ترفض أوساط رئاسة الحكومة الكشف عن ماهيّة الخطوة التي سيتّخذها ميقاتي، وتؤكّد لـ”أساس”: “ميقاتي حسم خياره وسيعلنه إذا استمرّت الأمور على ما هي عليه. قد تكون الحكومة اليوم هي الطرف الوحيد الشغّال، وفي الوقت نفسه تتعرّض لحملات من الفريق المقاطع الذي يتّهمها بالتقصير. هناك واقع لم يعد بالإمكان السكوت عنه، وتحذير ميقاتي من تجاهل دفتر شروط الخروج من الأزمة هو النداء الأخير”.
ترفض أوساط رئاسة الحكومة الكشف عن ماهيّة الخطوة التي سيتّخذها ميقاتي، وتؤكّد لـ”أساس”: “ميقاتي حسم خياره وسيعلنه إذا استمرّت الأمور على ما هي عليه
ما لا تقوله رئاسة الحكومة تكشف عنه مصادر مطّلعة بالقول: “لا يُعفي ميقاتي أحداً من المسؤولية حتى رئيس مجلس النواب، فالقوانين الإصلاحية عالقة في البرلمان قبل قرار المقاطعة من قبل القوى المسيحية. ورئيس الحكومة قلق جداً من التحذيرات والمؤشّرات السلبية التي يرصدها ضمن حركة اتّصالاته الخارجية”.
فعلياً، يمكن القول إنّ قرار العقوبات الأميركية والكندية والبريطانية بحقّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة شكّل صدمة لدى مراكز القرار داخلياً لم تنتهِ مفاعيلها بعد. وفق العارفين، ميقاتي صاحب الثروة الطائلة والإمبراطورية الماليّة المنفلشة خارجياً هو من ضمن القوى التي التقطت هذه الرسالة الأميركية الصادمة وغير المتوقّعة والتي قد تُستكمل بعقوبات إضافية تطال رؤوساً كبيرة، وربّما النظام اللبناني ككلّ.
يؤسّس سقوط سلامة أميركياً ورفع الغطاء عنه بالكامل والكشف عن بدء ملاحقته قضائياً من قبل الادّعاء العامّ الأميركي في نيويورك، وفق هؤلاء، “لمرحلة نوعية في التعاطي الدولي مع لبنان قد لا تعرف كبيراً ولا خطوطاً حمراً. بالتالي يحاول ميقاتي رفع المسؤولية عنه على قاعدة “كلّن يعني كلّن” باستثناء حكومته التي يجاهر أنّها أنجزت مشروع إعادة هيكلة المصارف الذي علق لاحقاً في مجلس النواب، مع العلم أنّ ميقاتي متّهم بضرب مشروع الهيكلة بما يخدم أصحاب المصارف أوّلاً”. بهذا المعنى العقوبات على شخصية ميسورة شيء، وعلى شخصية صاحبة ثروة طائلة شيء آخر”.
لا تنحصر الضربة القاضية، وفق العارفين، باحتمال فرض عقوبات أميركية وأوروبية على شخصيات سياسية وماليّة فحسب، بل قد يقع المحظور من خلال القرار المؤجّل بوضع لبنان على القائمة الرمادية في تشرين الأول المقبل على الأرجح. إذ أصدرت مجموعة العمل المالي FATF المعنيّة بمراقبة الجرائم المالية في حزيران الماضي بياناً لم يتضمّن وضع لبنان على “القائمة الرمادية” للدول الخاضعة للمراقبة الخاصة، بعد مخاوف حقيقية من إدراج لبنان على هذه القائمة.
يدفن ميقاتي رأسه في الرمال متجاهلاً أنّ حكومته ملزمة بإيجاد حلّ لتمويل الدولة بالدولارات من خارج سيستم الاستدانة من مصرف لبنان الذي قطع حَبله الحاكم بالإنابة وسيم منصوري
هل يتحوّل الكابوس إلى حقيقة؟
تتحسّب أوساط رسمية من أن يتحوّل الكابوس إلى حقيقة بقرار أممي يُخرج لبنان نهائياً من النظام المصرفي العالمي، ولا سيّما أنّ قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لـ “المجموعة” وضع لبنان في تقريره الأوّلي في أيار الماضي فوق عتبة القائمة الرمادية بعلامة واحدة فقط.
إذا حصلت هذه الضربة فستكون الأقسى على لبنان منذ بداية الأزمة، وستحوّله إلى دولة مارقة خارجة عن السيستم المصرفي العالمي ومحرومة من تدفّقات رؤوس الأموال ومن تعامل المصارف المراسلة معها، ولا سيّما مع تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وانفلاش الـ economy cash بشكل يعرّض لبنان لمخاطر مالية هائلة مع آثار مباشرة على التصنيفات الائتمانية ودخول شركات تحويل الأموال دائرة الشبهات والمعاقبة.
لكنّ تحذيرات ميقاتي و”هَلَعه” من خطورة المرحلة خوفاً أوّلاً على مصالحه وإمبراطوريّته المالية يقابَلان بمضبطة اتّهام من جانب راصديه بأنّه تعاطى خلال ولايته الحكومية بذهنية تصفية الحسابات، وآخر النماذج افتعال أزمة الفيول ضمن إطار المواجهة المستمرّة مع جبران باسيل ووزير الطاقة وليد فياض فيما حكومته وافقت في كانون الثاني الماضي على إعطاء سلفة خزينة للكهرباء بقيمة 300 مليون دولار وفُتحت الاعتمادات المؤجّلة الدفع لستّة أشهر لاستيراد 87 ألف طن فيول، وأُطلقت مناقصة عمومية على هذا الأساس.
إقرأ أيضاً: ميقاتي للحزب: هل جبران أهمّ من مصير الحاكميّة؟!
يدفن ميقاتي، وفق هؤلاء، رأسه في الرمال متجاهلاً أنّ حكومته ملزمة بإيجاد حلّ لتمويل الدولة بالدولارات من خارج سيستم الاستدانة من مصرف لبنان الذي قطع حَبله الحاكم بالإنابة وسيم منصوري. وهو المتّهم الأوّل من خلال مسار تعاطيه مع إعداد مشاريع الإصلاح الماليّ وإعادة هيكلة المصارف وخطّة الإنقاذ المالية بحماية أصحاب المصارف وأصحاب الثروات. وها هو في غمرة تلويحه بالاعتكاف يُفعّل عمل لجنة لإدخال تعديلات على قانون النقد والتسليف متجاهلاً الأولويات الأخرى التي فرضها مضمون التقرير الجنائي، خصوصاً لجهة التعاطي مع الارتكابات المنسوبة إلى رياض سلامة ضمن المدّة الزمنية التي شملها التقرير.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@