يعيد “أساس” نشر مقال الزميل أمين القصيفي، المنشور في موقع “القوات اللبنانية” اليوم، ردّاً على مقال الزميل محمد بركات بالأمس، بعنوان “نيو جعجع: تحييد حزب الله ومعابره العسكرية.. وعون”. وذلك لفتح النقاش أكثر أمام القرّاء.
لا تزال مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأخيرة، التي أطلقها، الاثنين الماضي، في لقائه مع مندوبي المواقع الإلكترونية في لبنان، محط متابعة واهتمام من مختلف الأوساط السياسية، وربطاً، الإعلامية والصحفية من توجهات مختلفة.
الزميل محمد بركات، وفي مقالة تحت عنوان “نيو” جعجع تحييد حزب الله ومعابره العسكرية.. وعون”، أراد إهمال كل المصائب اللبنانية القائمة والحلول التي قدّمها جعجع لمعالجتها. لم يناقش، بل فضّل القفز إلى موضوع أكثر إثارة وجذباً لعدد القراء من وجهة نظره، مخترعاً قراراً استراتيجياً، بحسب زعمه، اتخذه جعجع بـ”ربط النزاع” مع حزب الله. بل أكثر من ذلك، “تحييد” الحزب والتوقف عن المطالبة بنزع سلاحه.
إقرأ أيضاً: “نيو” جعجع: تحييد حزب الله ومعابره العسكرية.. وعون
زميلنا العزيز بركات، المسألة ليست، لا في ربط النزاع ولا في فكّه. المسألة مسألة أولويات داهمة تتعلق بالوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي والصحي للبنانيين المسحوقين. أما ربط النزاع، فتلك مسألة من المعيب أن توحي بأنها فاتتك، إذ إن القاصي والداني يدرك أن جعجع كان ولا يزال شبه وحيد في المواجهة السياسية مع حزب الله، حيث يجب وكما يجب.
ولتذكيرك، على الرغم من أن اللقاء لا يزال طازجاً، رد رئيس “القوات” مباشرة على كلام الأمين العام للحزب حسن نصرالله، منتصف شباط الماضي، وأكد أن “حزب الله وحده يمكنه الآن أن يوقف انهيار البلد وانتشاله ممّا وصل إليه إذا نفّذ 3 خطوات: نزع الغطاء عن حلفائه ومحاربة الفساد بالفعل لا بالقول فقط، والانسحاب من مشاكل المنطقة ووقف تدخّله في اليمن وغيرها من الدول، وتسليم سلاحه للدولة اللبنانية التي عليها استعادة قرارها الاستراتيجي”. إن كان موقف جعجع هذا مهادنة وتحييد بنظرك لحزب الله، فلا ندري بأي منطق معتور تقرأ.
أما بالنسبة لرميك ذاك الدبوس الصدئ في غير محله، بأن جعجع يهادن لأنه “يفكّر بكرسي بعبدا التي بات متيقّناً أنّه لا يمكن لطامحٍ أن يصل إليها من دون أن يتفاهم مع حارة حريك”، فمردود لهزالته. الجميع يعلم التضحيات التي بذلها جعجع لإنقاذ البلد من الفراغ المستمر لنحو سنتين، وتنازل عن طموحه الشخصي المشروع، علماً أنه كان يحوز على تأييد معظم الأطراف الداخلية والخارجية، فدعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة التي كانت مستحيلة عليه لولا ذلك. والحقيقة أن الطريق إلى رئاسة الجمهورية يمر حكماً في معراب، والعالم أجمع بات يدرك ذلك وأولهم حزب الله.
تنتقد يا زميلنا قول جعجع “حزب الله موضوعه غميق ومعقّد وأن مواجهته ليست أولوية وأنّ الأولوية حالياً للموضوع الاقتصادي”. فما الذي تعترض عليه هنا؟ هل تعتبر أن موضوع حزب الله سطحي وبسيط مثلاً؟ إن كان كذلك فتفضل وأقدم وجهز جحافلك وخلّص اللبنانيين من سلاح حزب الله، ونحن نشد على يدك وسنصفق لك بحرارة شاكرين إذا كنت ترى الأمر بهذه البساطة!
إقرأ أيضاً: ردّا على موقع “القوات”: ناقل الكفر ليس بكافر
أيضاً، غريب يا زميلنا تسطيحك للأزمة الاقتصادية الخطيرة في لبنان واعتبار إعطائها الأولوية في المرحلة الراهنة قراراً في غير محله. هل من مواصفات رجل الدولة بنظرك، وبلده يغرق ودولته تتلاشى وتضمحل وشعبه المسحوق يصرخ، أن يقف متمترساً خلف مواضيع سياسية خلافية عميقة ملوحاً بها ليل نهار على مدار الساعة فيما الجوع بات في معاجن الأطفال؟ هل الأولوية بنظرك الآن للعناوين السياسية أم لإنقاذ البلاد من الموت؟
مثيرة للضحك يا زميلنا محاولتك القول إن الطرح الذي قدمه جعجع للحل من دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي هو “تحت سقف نعيم قاسم”. علماً أن أي متابع ولو بالحد الأدنى يدرك أن جعجع شخصياً، و”القوات” عامة، يطرحون منذ سنوات حلولاً اقتصادية ومالية وإصلاحات تجنبنا اللجوء إلى طلب المساعدة من أي كان في ما لو تجرأ المسؤولون على اتخاذها، وجعجع طرح بعضها خلال اللقاء الأخير الذي شاركت فيه.
وهنا لم توضح، هل كان المطلوب من جعجع الرد بالشتائم أم تقديم أجوبة وحلول منطقية على طرح قاسم. جعجع ذاته لا يعتبر أن صندوق النقد هو الحل الوحيد أو الأفضل، كما أوضح، لكنه حل متاح يمكن البحث فيه تحت سقف المقتضيات والمصلحة اللبنانية. سؤالك كان يجب أن تتوجه به إلى نعيم قاسم عن حلوله البديلة بعد رفضه مساعدة الصندوق المحتملة، هنا تصبح أسئلتك مشروعة، إلا إذا كنت تخشى مواجهة حزب الله وبيئتك بشكل مباشر وتلجأ لتغطية عجزك إلى محاباتها ومهادنتها بمحاولة التمريك الفاشل على جعجع.
نلفت انتباهك زميلنا إلى أن جعجع و”القوات”، الطرف الوحيد الذي تجرأ وقدم الحلول وذهب إلى النهاية في مكافحة الفساد والسرقات، بالأسماء وإعداد الملفات الموثقة وتقديمها إلى القضاء، في الاتصالات والكهرباء ومصالح المياه والمرفأ والجمارك وغيرها، والآتي أعظم. بينما حزب الله لم يجرؤ على تسمية اسم واحد متورط بل اكتفى بالمؤتمرات الصحفية لنوابه والكلام عن ملفات هدر وفساد من دون تسمية، ولم يرفع الغطاء عن حلفائه المتورطين.
تحاول يا زميلنا تشويه قول جعجع “خلينا نسكّر معابر التهريب، ونترك المعابر العسكرية لمرحلة لاحقة”. ما الذي لم تفهمه في عبارة (مرحلة لاحقة)، علماً أن جعجع أوضح كما ذكرت أنت شخصياً أن “الأهمّ وقف التهريب من مرفأي طرطوس واللاذقية اللذين تعبر بضائعهما إلى لبنان لتنافس البضائع المجمركة في السوق اللبنانية!”.
حسناً، اذهب يا زميلنا “أنت وربك وقاتِلا” وأقفل معابر حزب الله العسكرية، ودعك من جعجع الذي يريد انطلاقاً من الأولوية الداهمة وإفلاس الدولة وتوفير مئات ملايين الدولارات لخزينة الدولة، تركها إلى مرحلة لاحقة، والتركيز راهناً على مكافحة التهرب الجمركي ومعابر التهريب غير الشرعية. هل جريمة جعجع أنه يقدم حلولاً واقعية لالتقاط الأنفاس وإنقاذ لبنان وشعبه من القعر؟ إذا كنت ترى أن البلاد لا تزال تحتمل ترف التنظير بلا طائل في هذه اللحظة القاتلة، فمشكلتك عويصة.
أما قولك إن جعجع الجديد متمسّك بميشال عون رئيساً، فيا زميلنا تفضل قدِّم بديلك عن عون في هذه اللحظة لنناقشه بمنطق ومنهج علمي، أما ذر الشعارات فوق الصفحات فلا يُسمن ولا يُغني ويذهب هباء منثوراً.
في النهاية، من الأفضل دائماً لأي راغب في التميّز أو الاختلاف لحجز مساحة له تحت الضوءـ ولعلك كذلك كما يبدوـ أن يعتمد الأساليب العلمية والمناهج السليمة في طرح الأمور ومقاربة المسائل، والتحصن دائماً بالمنطق السليم في البحث والنقاش، لا في التحليلات الوهمية. بذلك فقط يمكنك أن تأمل بشيء ما من الملاحظة، وإلا تكون كمن يعبرون بكلمات لا ترسخ، فيذهبون من دون ترك ما يستحق الذكر.
زميلنا العزيز، شعارك “جعجع الجديد” الذي رفعته لمحاولة تدعيم “أطروحتك” المغلوطة بحق الرجل بعبارات جذابة مثيرة، هو بالفعل من دون مضمون، بل مدعاة للأسف لا غير. ليس هناك عزيزنا جعجع قديم ولا جديد، إلا في نظرك غير السليم ورؤيتك غير الثاقبة. سمير جعجع هو نفسه في كل زمان ومكان، لا يتعاطى مع القضايا والمسائل المطروحة إلا من زاوية مصلحة شعبه وبلاده، بثبات ومبدئية، وبواقعية ومنهجية متماسكة وبمنطق علمي سليم بالتوازي. رجل لا ينكسر ولا يلين ولا يهدأ في سبيل الحق وكرامة اللبنانيين، أما مسألة تحييده حزب الله ومعابره العسكرية وعون، فأجدد، صدقاً هي مضحكة بقدر ما هي سخيفة. وبصراحة أكثر، اسأل في داخل بيئتك عن الموضوع، فستكتشف حين يأتيك الجواب كم أنك بسيط.