إعلان يبدو سريالياً في إشعاعته البعلبكية وسط كلّ الأزمات الحالكة التي تُغرِق لبنان. كيف لا، ومدينة الشمس ستشرق ليل الأحد 5 تموز من الأكروبول الروماني القديم، بعدما أبت مهرجانات بعلبك الدولية التخلّف عن موعدها السنوي الذي نستنتج أنه لم يتوقف حتى اليوم، منذ انطلاقه عام 1955، سوى في الحرب الأهلية.
اللجنة التنظيمية أعلنت أنها تنظم حفلاً واحداً بعنوان “رسالة الصمود”، سيقام بمناسبة المئوية الأولى لتأسيس لبنان الكبير، والعيد الـ 250 لولادة بيتهوفن، برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون.
إقرأ أيضاً: اسكندر نجار يهدي “تاج الشيطان” إلى ضحايا كورونا
الحفل تحييه الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة المايسترو هاروت فازليان داخل معهد باخوس الروماني، بمشاركة جامعة سيدة اللويزة وجوقة المعهد الأنطوني والصوت العتيق. سيجلس حوالي 170 فناناً، تظلّلهم هياكل بعلبك الشاهقة التي ستتوشّح بالإضاءة المعهودة في أناقتها، متخذين كافة الاحترازات الواقية من كورونا بما فيها التباعد الاجتماعي، وسيكسرعزفهم صمت الحزن والخذلان.
لا جماهير في هذا الحفل، ولا أتعاب يتقاضاها الفنانون والفنيون. الحضور افتراضي. ومشاركة الفنانين رسالة متجدّدة للفن لأجل الفن، ولأجل لبنان والعالم. هذا الطقس الثقافي، ينقل رسالة صمود ستبثّ مباشرة عبر شاشات التلفزيون والوسائل الرقمية والاجتماعية. وهو يعدّ سابقة ثقافية في المنطقة، تحدّت كورونا، وتحدّت عواصف الاقتصاد والمال والتخبّطات السياسية التي تبلغ أشدها في لبنان منذ عقود.
البرنامج
تشير رئيسة لجنة المهرجانات، نايلة دوفريج لموقع “أساس”، إلى أنّ الحفل سيفتتح بمقطوعات كلاسيكية شهيرة تتحدّث عن قدرة الإنسان على اختيار مصيره، بدون الدخول في تفاصيل يفضّل المايسترو الاحتفاظ بها إلى حينها. الحفل الذي سيختتم بالسمفونية التاسعة “أنشودة الفرح” لبيتهوفن، يتخلّله مقطع موسيقي للأخوين رحباني أعاد توزيعه أسامة وغدي الرحباني، ومقطوعات موسيقية لغبريال يارد مترافقة مع قراءة نصوص من رواية جبران خليل جبران، “الأجنحة المتكسّرة”. تضيف دوفريج: “لقد اخترناها لنبرز دور الدياسبورا اللبنانية في بلدان الاغتراب في عكس صورة لبنان الثقافية والحضارية”. ويختلف النمط مع موسيقى “البوب” التي تعزفها مجموعة من الشباب تشجيعاً للمواهب الشابة التي ستحضنها وترعاها قلعة بعلبك. ويقدّم الفنان رفيق علي أحمد عرضاً في “قصائد ولوحات” (graphisme) سيعُرض على الشاشة الكبيرة، إضافة إلى رسومات عن “لبنان” سيقدّمها أطفال مشاركون من جمعيات ودور لرعاية الأطفال.
مقاومة ثقافية
بحسب دوفريج، فمنذ شهرين، وخلال فترة الحجر، ناقشت اللجنة فكرة استمرار المهرجانات، وسألت: كيف نستطيع الحفاظ على الصرخة الثقافية لمهرجانات بعلبك، بما تتضمّن من رمزية ثقافية وسياحية؟ كثيرون اعتبروها خطوة متهوّرة: “لكننا استمرينا في تبادل الأفكار، وحين عرض المايسترو فازليان فكرة “صوت الصمود”، علمنا أنّها ستكون الرسالة التي يجب أن تنشرها بعلبك لكلّ العالم وخصوصاً في هذه الظروف”.
لا جماهير في هذا الحفل، ولا أتعاب يتقاضاها الفنانون والفنيون. الحضور افتراضي
وتتابع: “مهرجانات بعلبك تنطوي في إنشائها على مقاومة ثقافية، في مواجهة كلّ العوامل الأمنية المعاكسة التي كانت مدينة بعلبك ولا تزال تعاني منها.”، موردة على سبيل المثال: “هناك موسم تقاطع مع أحداث عرسال، واستمرينا. وحفل للفنان عاصي الحلاني تزامن مع اختطاف جنود وأيضًا استمرينا. إنّها مقاومة ثقافية مستمرّة وغير مستجدّة، ونحن بالمرصاد للتحدّيات في كلّ سنة وننجح في مواجهتها”.
وعن كيفية تذليل هذه العواقب، تقول: “على مدار السنوات السابقة، كنا نزور سفارات في لبنان، كانت تصنّف بعلبك ضمن المنطقة الحمراء (الأكثر خطورة) في خريطتها الأمنية، وندعوها لإزالتها عن هذه المنطقة. وفي جولاتنا الأوروبية، حرصنا على إبراز حضور عناصر الجيش والقوى الأمنية في المهرجانات”. أما اليوم، فتقول: “التدهور المالي والوقاية من كورونا ذلّلناهما بعدما عرضنا الفكرة أمام كلٍّ من وزارة الثقافة، والسياحة، والصحة. الحفل من إنتاج لجنة المهرجانات، واستعنّا بشركة GEW الاستشارية لتأمين كلّ معايير الصحة الواقية”.
علّي_الموسيقى
تزدحم منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا بمقاطع مقتطفة من مهرجانات بعلبك في مواسمها الأخيرة، أطلقتها لجنة المهرجانات لضخّ حيوية متجدّدة في استقبال الحدث. وتترافق مع العنوان الرسمي لهذا الموسم The Sound of Resilience، مع هاشتاغ #علي_الموسيقى.
إنّها رسالة المناعة ضدّ الوباء والفقر والاستسلام، وهي تستحق إضاءات مخلّدة، حيث المكان والحدث يتماهيان صمودًا وجمالاً
وتقول رئيسة لجنة المهرجانات دوفريج: “المهرجان يلاقي تفاعلاً عامراً. نتلقى اتصالات من الخارج بما فيها بلدان أفريقية والبرازيل، يسألوننا عن كيفية حضور الحفل”. وتشرح: “محلياً، ستتولّى كلّ القنوات اللبنانية بثّها المباشر وبالمجان. وبوسع المشاهد في دول الاغتراب أن يتابعها عبر قناة LBCI، وستنقل مباشرة عبر الصفحات الرسمية الخاصة بمهرجانات بعلبك الدولية، على فيسبوك وعبر قناتها على يوتيوب”. فيما الاتفاق دائر مع شاهد.نت – قناة MBC السعودية، و Mezzo tv، لبثّ تسجيل عن المهرجان.
إنّها رسالة المناعة ضدّ الوباء والفقر والاستسلام، وهي تستحق إضاءات مخلّدة، حيث المكان والحدث يتماهيان صمودًا وجمالاً، في هذا المجال البعلبكي الفريد. ولعلّ هذه الرسالة تحلّ كبارقة تشجيع لبقية المهرجانات السنوية في لبنان، لكي تصمد في موعدها، لكي لا تستسلم.