من يحاصر أموالنا: إيران أم أميركا؟

مدة القراءة 5 د


ساذج وبسيط من يظن أنّ حكومة أنتجها “حزب الله” قادرة على إخبارنا، بصدق، أنّ سلاحه هو أصل المشكلة في لبنان، أو أنّ الحل المفترض لأزمتنا الاقتصادية يمر من خلال تنظيم هذا السلاح وضبط انفلاشه خارج الحدود ومنع تدخله في شؤون الدول العربية الشقيقة.

بعد شهرين متواصلين من انطلاقة الثورة في 17 تشرين الأول الفائت، خرجت مجموعات مجهولة من بين الثوار مستبدلة شعار “يسقط حكم المصرف” بـ”كلن يعني كلن”. هذه المجموعات رافقت شعارها الجديد مع حملة تحطيم شرسة طالت فروع المصارف في شارع الحمرا ليل 15 كانون الثاني الفائت، ثم استطاعت بفعل الظروف، أن تفرض أجندتها على الثورة إثر تسمية حسان دياب لرئاسة الحكومة، التي ترافقت مع تململ المتظاهرين وانقسامهم إلى فريق يميل لمنح الحكومة الجديدة فرصة، وآخر أراد الاستمرار في التظاهر، لكنّه عجز عن حشد الجماهير. ثم جاءت أزمة كورونا فعطّلت التحركات كلّها وألزمت الناس منازلهم.

إقرأ أيضاً: الدولار بين الحزب/سلامة/المصارف.. مكتّف: 3000 سعر عملي

توجّه هذه المجموعات ونجاحه، عزّزه سلوك المصارف الخبيث، إن في احتجاز أموال الناس والتأخر في ملاقاة المودعين الغاضبين في منتصف الطريق، أو في البطء باجتراح الحلول الشفافة. وقد التزمت المصارف الصمت طويلاً ولم تتوانَ عن إقفال أبوابها عند كل مفترق أزمة، لتتهرّب من عملائها، فساعدت بذلك “أصحاب النوايا” في تأجيج نيرانهم ضدها… و”كاد المريب أن يقول خذوني”.

أخطأت المصارف وكان سلوكها غير أخلاقي حينما فرّطت بأموال المودعين من خلال جنوحها نحو تسليف الحكومات المتعاقبة، عبر مصرف لبنان، وبفوائد مغرية وعالية. وحرمت الأفراد والشركات المتوسطة الصغيرة (عصب الاقتصاديات الناشئة) من السيولة التي كانت تفيض لديها. لم تحاسب الحكومات المتعاقبة، ولم تقم بمراجعات مثلما تفعل مع أي عميل لم يلتزم بـ”بنود الاتفاق”، وإنما أصرّت على منطق “الشيك المفتوح” على طول الخطّ، وعندما آلَ الهيكل إلى السقوط هرّب أصحابها أموالهم الخاصّة الى الخارج وتنحّت هي لتتفرّج على الانهيار.

كرّست المصارف بغباء ذاك الشعار ضدها. “يسقط حكم المصرف”، الذي أخرج جماعات السلطة من دائرة الاستهداف، إلى رحاب التنظير والتحكّم بعمل الحكومة العاجزة وإلى تقاذف التُهم.

“حزب الله” كان أشدّ المستفيدين، لأنّه بذلك قد أخرج نفسه مبكراً من المواجهة مع أبناء بيئته، التي اتّخذت أشكالاً عُنفية في بعض المناطق، منها النبطية وكفررمان وبعلبك والهرمل وصور وغيرها، وكانت قابلة لأن تقود الثورة والثوار تحت عنوان “كلن يعني كلن”، إلى نفقِ مطالبٍ تقبعُ عند مدخله الانتخابات النيابية المبكرة، وفي آخره بصيص نورٍ وأمل في التصويب على لبّ المشكلة: سلاح “حزب الله” .

استفاد الحزب من الأكثرية التي حصدها في الانتخابات النيابية الأخيرة، فأخرج اسم حسان دياب من عباءته (هذا حقه دستورياً). شكّل حكومة على هواه ودعاها إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية، لكنها فشلت حتى اللحظة، لأن هواجس راعيها كانت دوماً منطلقاً لتحركاتها. لم تجرؤ الحكومة منذ تشكيلها على تناول ملف الكهرباء بشفافية، ولا على الحدّ من التخمة في عديد موظفي القطاع العام، ولا حتى على إقفال المؤسسات والصناديق غير المنتجة، ولا ضبط المرافىء والمطار والمعابر الشرعية وغير الشرعية… بل صبّت جام حقدها وغضبها على المصارف، وعلى وعملائهم من حيث لا تدري (هو فعلياً غضب حزب الله راعيها)، وتجاهلت أنّها صاحبة دينٍ لمودعين ولمصارف، بعد أن أعلنت الإفلاس وتعليق الدفع مستقبلاً. تخبّطت في طرح الـ”كابيتل كونترول” وثم الـ”هيركت”، وتراجعت عنهما، وتململت من دعوات الاصلاح التي فرضتها المؤسسات الدولية والجهات المانحة، فقدمت أسوأ نموذج لمخططٍ في مجال الإصلاح.

كلّ هذا لأنّ الحزب يريد حرف الأنظار عن لُبّ المشكلة: عن سلاحه. ذاك الذي استثمره لصالح الأجندة الإيرانية في المنطقة، فدمّر علاقات لبنان بأشقائه العرب، ملاذه الأوحد. وكان أن خرّب السياحة وتسبّب بفرار السياح والمستثمرين الخليجيين وهروب رؤوس الأموال والإيداعات العربية.

ربما أبواب هذا الأفق تنتظر إشارات جدية من إيران أو من الحزب نفسه. إشارات تخصّ إظهار استعدادٍ صادقٍ للانكفاء عن ملفات كثيرة سبق وأقحم الحزب نفسه فيها، بدءاً من وجوده المكلف في سوريا، مروراً بالتدخل في شؤون الدول العربية والخليجية الداخلية

اليوم، يأبى الحزب أن يتنازل ويكابر في ملفات اقتصادية صرف لا يفقه بها. يظهر “الدلع” هو وحلفاؤه في طلب المساعدات من مؤتمر “سيدر” وأخيراً من “صندوق النقد الدولي”. تارة بإظهار “حرص كاذب” على السيادة، وطوراً بسوق حجج حول السطوة الأميركية وأمور أخرى تخصّ أيديولوجيته وفكره. فالحزب وجماعات السلطة يعلمون جيداً أن لا قدرة لديهم على تلبية شروط الدائنين والمانحين الغربيين، لأنّ الاصلاح الحقيقي المنشود سيكون مقبرة الزبائنية والتحاصص، وبالتالي مقبرة لهم ولأحزابهم.

إذاً، ما شكل الحلّ إزاء هذه المعضلة؟

يمكن القول إنّ الحلّ عالق عند مفترق طرق: الأول اقتصادي صرف، لا يحيد عن المذكور أعلاه، في حين أنّ الثاني سياسي ـ- أمني بامتياز، أفقه مسدود حتّى اللحظة ولا أحد يعلم متى تُورَبُ أبوابه أو تُفتح.

ربما أبواب هذا الأفق تنتظر إشارات جدية من إيران أو من الحزب نفسه. إشارات تخصّ إظهار استعدادٍ صادقٍ للانكفاء عن ملفات كثيرة سبق وأقحم الحزب نفسه فيها، بدءاً من وجوده المكلف في سوريا، مروراً بالتدخل في شؤون الدول العربية والخليجية الداخلية. هذه الخطوات ربما تكون مقدمة لعودة “يد العون” العربية إلى لبنان.

أمّا إذا رفض الحزب وحلفاؤه الطريقين، فلا مهرب من عودة الثورة هذه المرّة. ثورة قد تجد في انهيار كلّ شيء ممراً إلزامياً للحلّ الذي يرضيها أو ربما لا يرضيها… لا سمح الله.

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….