منح الصلح وجبران تويني.. الشاهد والشهيد

2020-12-10

منح الصلح وجبران تويني.. الشاهد والشهيد


منذ شهرين في الحادي عشر من تشرين الأول مرّت الذكرى السادسة لرحيل المفكر العربي اللبناني الكبير منح الصلح، واليوم في الثاني عشر من شهر كانون الأول تمر الذكرى الـ 15 لاغتيال الصحفي المناضل جبران تويني.

بين الرجلين نقطة التقاء تبدأ بالفكرة وتنتهي بفصل الرحيل، فإن كان منح قد حزم حقائبه مع بدايات فصل الخريف، فإن جبران حزمها مع الأيام الأخيرة للفصل نفسه، فصل تساقط أوراق الشجر وهجرة العصافير.

يجتمع الرجلان على قضية واحدة. الأول كان شاهداً عليها في البدايات وأيام النضال الأولى حين احتلت فلسطين. والثاني كان شهيداً لها عندما أورقت ورود الثورة في ساحة الشهداء في بيروت أرزاً وياسمين.

المرور الليلي لمنح الصلح على مكاتب الصحف اليومية صار طقساً ثابتاً منذ السبعينات أيام صحيفة المحرر، واستمر مع النهار، ثم السفير. كان “مزرعة أفكار” يبذر منها في عقول الكتّاب والمحرّرين ويمشي خاتماً بعبارته الشهيرة “حبيبي حبيبي” التي ما فارقته كلّ تلك السنين.

بين الرجلين نقطة التقاء تبدأ بالفكرة وتنتهي بفصل الرحيل، فإن كان منح قد حزم حقائبه مع بدايات فصل الخريف، فإن جبران حزمها مع الأيام الأخيرة للفصل نفسه، فصل تساقط أوراق الشجر وهجرة العصافير

أما جبران تويني فهو شعلة نشاط، يُشبه النهار، بوقفته يشبه “الديك”، ونظراته، واستعداده دائماً للعراك والمواجهة، وكأنه يريد أن يطير. أخبرني مرة أنّ أيامه الأولى في النهار أرادها والده غسان أن تبدأ في المطبعة، وليس في مكاتب التحرير. وقال: “كي تكون صحفياً عليك أن تمرّ على كافة الأقسام. وعندما تتعلم كلّ شيء تستقر في الكتابة والتحرير”.

منح الصلح وجبران تويني، شاهد وشهيد، يجمعهما الخريف. مرّت الذكرى السادسة لرحيل منح مرور الكرام. ليس هناك من حزب أسسه كي يرفع صوره في هذه المناسبة، وليس هناك من تيار سياسي كان الصلح قبل رحيله على رأسه كي ينظّم مهرجاناً تكريمياً في ذكرى رحيله.

لقد كان منح الصلح عابراً لكل الصغائر والتفاصيل، فهو أكبر من حزب أو تيار أو حتى طائفة، لقد كان مفكّراً لأمة مترامية الأطراف والانتشار. كانت العروبة هاجسه، فاقترن بها دون النساء كلهن، فلم يكن مفكّر الأمة وحسب، بل مفكّراً بحجم أمة.

لم يحد منح الصلح عن مسلك أقرانه من العائلة الصلحية، عروبي الهوية، رائد في المبادرة، شجاع في الفكر، مغامر حتى الانتحار في المواجهة. هو كرياض وتقي الدين ووالده عادل رئيس بلدية بيروت والمفكر القدير وآخرين من آل الصلح ككاظم وسامي ورشيد، يختلف عنهم كما يختلفون عن بعضهم بعضاً، لكنهم يلتقون على الثوابت التي لا يحيد أيّ منهم عنها، ألا وهي ثابتة العروبة والانفتاح والاحتراف في صناعة الحصون للثوابت بوجه كلّ التحديات التي يعترضها كلّ تهديد.

منح الصلح دافع عن وحدة لبنان والعيش المشترك من دون أن ينسى واجباته القومية تجاه فلسطين وقضايا الأمة العربية. هو سيّد “الندوة”، ونجمها، ساكن بيروت وعاشقها، أكثر الصلحيين تكلماً وكتابة، وأقلهم نجومية سياسية. لقد رأى بالفكر والفكرة شغفه، فتباعد عن السياسة دون أن تباعده.

لقد كان منح الصلح عابراً لكل الصغائر والتفاصيل، فهو أكبر من حزب أو تيار أو حتى طائفة، لقد كان مفكّراً لأمة مترامية الأطراف والانتشار. كانت العروبة هاجسه، فاقترن بها دون النساء كلهن، فلم يكن مفكّر الأمة وحسب، بل مفكّراً بحجم أمة

هو شافعي آل الصلح، ألم يقل الشافعي مرة “لو كُلّفت بصلة ما حللتُ مسألة”. فمنح الصلح منحنا فكره.

وكان جبران تويني شغوفاً بالثورة، فحارب الدولة في الدولة إلا أنه صنع صحيفة داخل الصحيفة كرمى لعيون الشباب مفتاح التغيير. ثم كان شرساً في مواقفه، فخرج كيلومترات من الصحافة باتجاه السياسة. وفي تلك المسافة الضيقة حصلت الجريمة، ووقع الاغتيال الكبير.

إقرأ أيضاً: 14 آذار وثمن دفعته “النهار”

جيلان من الثورة رحلا عنا، ليس هناك من يستذكر منح الصلح، وليس هناك من يستعيد قَسَم جبران الشهير وكأننا، مجتمع ووطن فاقد للذاكرة، لا نريد الافتخار بكبارنا. ننساهم كما تنسى الشعوب هفواتها وسقطاتها.

منح الصلح وجبران تويني رغم سقوطنا نحن اللبنانيين إلا أننا في “أساس” لم نسقط في نسيان ذكراكما وفكركما، وذاك الحضور الكبير.

 

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…