مركز استخباريّ أميركيّ حذّر قبل أسبوع من اغتيال قادة حماس في لبنان

مدة القراءة 9 د


“إذا نفّذت إسرائيل حملة اغتيالات ضدّ قادة حماس في الخارج، فإنّها تخاطر بإثارة ردود فعل انتقامية من حماس وخطر التصعيد الإقليمي، بما في ذلك التدخّل الإيراني المباشر المحتمل على الطاولة العام المقبل، وتخاطر بإبطاء جهود التطبيع بعد الحرب، وبإثارة المزيد من معاداة السامية والتوبيخ من الحكومات الغربية، وبردّ فعل سلبي إقليمي”.

هذه خلاصة التحذير الذي أطلقه مركز ستراتفور Stratfor الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنيّة، قبل اغتيال القيادي الكبير في “حماس” صالح العاروري داخل ضاحية بيروت الجنوبية مساء الثلاثاء الماضي. ستراتفور الذي يعرّف نفسه على أنّه “مركزٌ عالميٌ للتميّز في مجال الاستخبارات والتحليلات الجيوسياسية”، وتطلق عليه الصحافة الأميركية اسم “وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) في الظلّ” “The Private CIA”. لأنّ معظم خبرائه هم من الضبّاط والموظّفين السابقين في الاستخبارات الأميركية.

إذا نفّذت إسرائيل حملة اغتيالات ضدّ قادة حماس في الخارج، فإنّها تخاطر بإثارة ردود فعل انتقامية من حماس وخطر التصعيد الإقليمي، بما في ذلك التدخّل الإيراني المباشر المحتمل على الطاولة العام المقبل

في تقويمه الشهري للأوضاع العالمية، أصدر المركز في 28 كانون الأول 2023 تقريراً بعنوان “التداعيات المتوقّعة لحملة إسرائيل المزعومة لقتل قادة حركة حماس”، أشار فيه إلى تداول تقارير إعلامية لتفاصيل خطط إسرائيلية لاغتيال قادة حماس في بعض الدول العربية والدول الأجنبية وإصدار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تعليماته لأجهزة المخابرات في البلاد لتعقّب واغتيال كبار مسؤولي حماس الذين يعيشون في لبنان وتركيا وقطر أو في أيّ مكان يقيمون فيه مهما طال الوقت، وذلك ردّاً على الضغط الشعبي المكثّف الذي أعقب هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1,200 من إسرائيل وتحطيم شعور إسرائيل بالأمن.

لبنان وسوريا وتركيا وقطر وماليزيا

التقرير رجّح، قبل أسبوع من اغتيال العاروري، أن تتمّ الاغتيالات الإسرائيلية في لبنان وسوريا، وأضاف تركيا إلى الاحتمالات، وجاءت قطر باعتبارها “الأقلّ احتمالاً”. كما أنّ . وذكر التقرير دولاً خارج المنطقة مثل ماليزيا باعتبارها مواقع محتملة للهجمات الإسرائيلية (حيث يُزعم أنّ الموساد نفّذ عملية اختطاف واغتيال في عام 2018 لأعضاء مشتبه بكونهم من حماس).

لكنّ لبنان هو المكان الأكثر ترجيحاً لتركّز الاغتيالات، حيث استضافت البلاد لسنوات عدداً من قادة حماس الرئيسيين. كما يستخدم مقاتلو حماس بشكل متزايد جنوب لبنان لشنّ هجمات عبر الحدود على شمال إسرائيل بموافقة ضمنية، وأحياناً صريحة، من الحزب المدعوم من إيران، والذي يبسط نفوذه على البلاد. وتعدّ تركيا أيضاً موقعاً محتملاً للاغتيالات الإسرائيلية لأنّها استضافت أيضاً قادة حماس. ولكن مقارنة بلبنان، فإنّ تداعيات الاغتيالات الإسرائيلية في تركيا أكثر خطورة على إسرائيل، نظراً لعلاقاتها مع أنقرة، وحقيقة أنّ تركيا عضو في الناتو. أمّا قطر فهي الأقلّ احتمالاً للاغتيالات الإسرائيلية، على الرغم من استضافة الدولة الخليجية للمكتب السياسي لحماس، وذلك لدور قطر الرئيسي في تيسير المفاوضات وتبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحماس. أمّا سوريا، فمن المرجّح، بحسب تقرير ستراتفور، أن تشهد أيضاً اغتيالات إسرائيلية على أراضيها نظراً لدعمها السياسي والعسكري لحماس، لكنّ إسرائيل لا تهتمّ كثيراً بأيّ تداعيات في العلاقات العدائية معها.

استبعد التقرير أن تتمّ حملة الاغتيالات الإسرائيلية في الولايات المتحدة وأوروبا لسببين رئيسيَّين:

أوّلاً، على عكس ما حدث في السبعينيات، لا يتمتّع القادة الفلسطينيون المسلّحون بملاذات آمنة في الغرب، وهو ما يعني أنّ هناك عدداً قليلاً من الأهداف التي يمكن لإسرائيل أن تلاحقها، إن وجدت.

ثانياً، ستحتاج إسرائيل إلى أيّ دعم يمكنها الحصول عليه من الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، حيث تواجه إدانة واسعة النطاق لعملياتها العسكرية في غزة، قد تزداد خلال الاحتلال الإسرائيلي المتوقّع للقطاع بعد انتهاء الحرب.

التقرير رجّح، قبل أسبوع من اغتيال العاروري، أن تتمّ الاغتيالات الإسرائيلية في لبنان وسوريا، وأضاف تركيا إلى الاحتمالات، وجاءت قطر باعتبارها “الأقلّ احتمالاً”

حذّر التقرير من أنّ أيّ اغتيالات في الغرب وسط مستويات تاريخية من معاداة السامية والمعارضة الشعبية المتزايدة للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، من شأنها أن تغذّي الأنشطة المعادية للسامية مثل الإضرار بالممتلكات والمضايقات والهجمات المستهدفة للأفراد اليهود والمواقع اليهودية. كما أنّ الاغتيالات الإسرائيلية قد تؤدّي إلى المزيد من الاحتجاجات ضدّ أفعالها، وخاصة إذا أدّى الاحتلال المتوقّع لغزة إلى تمرّد يؤدّي إلى جولة جديدة من القتال، وبالتالي اتّهامات جديدة بارتكاب إسرائيل لجرائم حرب، وقد تولد انتقادات من الحكومات الغربية التي يمكن أن تمارس ضغوطاً متزايدة على إسرائيل إذا أسفرت الهجمات عن خسائر في صفوف المدنيين و/أو تمّ الكشف عنها علناً من خلال أدلّة واضحة. وقد تهدّد بتعليق مساعداتها العسكرية أو الاقتصادية، على الرغم من أنّ هذا لن يحدث إلا بالاقتران مع تطوّرات أخرى، مثل الاتّهامات بارتكاب فظائع إسرائيلية كبرى أثناء الاحتلال المتوقّع لغزّة.

لبنان أوّلاً… وموقف السعودية

في منطقة الشرق الأوسط، قد تؤدّي الاغتيالات الإسرائيلية، بحسب التقرير، إلى تداعيات دبلوماسية واقتصادية، وتأخير، لكن ليس بالضرورة إحباط، التطبيع بعد الحرب مع دول إقليمية رئيسية أخرى، وأبرزها السعودية. وقد تعرقل الاغتيالات الإسرائيلية الجهود المبذولة لإحياء العلاقات مع أربع دول قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في السنوات الأخيرة: البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من أنّ أيّاً من هذه الدول لم تلغِ اعترافها بإسرائيل، إلّا أنّ حملة كبيرة من الاغتيالات الإسرائيلية، وخاصة في سياق الاحتلال المتوقّع لقطاع غزة، ستزيد من صعوبة إحياء تدفّقات السياحة والاستثمار. لكنّ الأمر الأكثر تأثيراً هو أنّ مثل هذه الحملة ستزيد من تأخير احتمال اعتراف المملكة العربية السعودية بإسرائيل.

 قبل حرب غزة، كانت السعودية والولايات المتحدة تتفاوضان على اتفاقية دفاعية محتملة كجزء من صفقة أكبر للسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن تمّ تجميد هذه الخطة بمجرّد أن بدأت إسرائيل حملتها العسكرية في غزة. ولا تزال لدى إسرائيل والمملكة والولايات المتحدة مصالح مشتركة في التعاون ضدّ إيران، الأمر الذي سيبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية التوصّل إلى اتفاق نهائي. ومع ذلك، فإنّ الاغتيالات الإسرائيلية في دول المنطقة، وخاصة أيّ دولة خليجية عربية، ستجعل من الصعب سياسياً على الرياض التقدّم علناً في المناقشات حول مثل هذا الاتفاق.

أمّا في لبنان وتركيا، فإن الاغتيالات الإسرائيلية ستثير ردود فعل سلبية. فقد تقطع أنقرة مرّة أخرى العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التجارية التي لم تتمّ استعادتها إلا في العامين الماضيين بعد عقد من تجميد العلاقات في أعقاب حادثة عام 2010 عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية سفينة مساعدات تركية، وهو ما أسفر عن مقتل 10 نشطاء أتراك كانوا يحاولون كسر الحصار الإسرائيلي على غزة لتقديم المساعدات الإنسانية.

لبنان يتراجع عن ترسيم الحدود البحرية؟

وإذا حدثت اغتيالات إسرائيلية على أراضي لبنان، فقد يتراجع من جانبه عن الاتفاق التاريخي الذي وقّعه مع إسرائيل عام 2022 لترسيم حدوده البحرية والمضيّ قدماً في التنقيب عن الهيدروكربون. وقد صمدت الصفقة حتى الآن أمام ضغوط الصراع الحالي، لكنّ حملة اغتيالات إسرائيلية كبيرة في لبنان يمكن أن تغيّر الوضع الراهن. كما ستنطوي حملة الاغتيال الإسرائيلية على أعمال انتقامية حتمية من حماس، وتبقي على خطر التصعيد الإقليمي مع الحزب في لبنان ومختلف الوكلاء الإيرانيين الآخرين، وقد تتسبّب في تورّط أكبر لطهران نفسها إذا قتلت إسرائيل أهدافاً قريبة من الحكومة الإيرانية.

إقرأ أيضاً: فيلم في “واشنطن بوست”: هكذا فشل “الجدار الحديد” في غزّة

على المدى المباشر، سيؤدّي اغتيال إسرائيل لقادة حماس إلى انتقام حماس، ربّما في شكل كمائن ضدّ الجنود الإسرائيليين في غزة، وإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وعلى الأقلّ محاولات لشنّ هجمات داخل إسرائيل وضدّ أهداف إسرائيلية (ويهودية على نطاق أوسع) في دول أجنبية. كما أنّ حملة اغتيالات إسرائيلية ضدّ حماس ستزيد من تطرّف قادة الحركة وتحرّضهم على التخطيط لأعمال انتقامية أكثر جرأة. كما ستخاطر الهجمات الإسرائيلية بإثارة أعمال انتقامية من الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، وكذلك من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

رجّح التقرير أن يكون الخطر أكبر في لبنان، وأن تؤدّي الاغتيالات الإسرائيلية في البلاد بسهولة إلى هجمات انتقامية سرعان ما تتحوّل إلى صراع أكبر سيكون خطره كبيراً حيث يمكن لكلّ طرف أن يخطئ في التقدير وسط القتال المستمرّ والتوتّرات الشديدة. وإذا كانت إيران، التي تدعم الحزب، قد ضبطت حتى الآن ردّها لتجنّب التورّط المباشر في الأزمة الحالية، فإنّ احتمال المواجهة المباشرة بين الحزب وإسرائيل قد يجبرها على ذلك، لأنّ الحزب مقارنة بحماس (التي تدعمها إيران أيضاً)، هو إلى حدّ بعيد أقوى وكيل عسكري لطهران والأقرب سياسياً لها. وسيكون خطر التورّط الإيراني أكبر إذا استهدفت الاغتيالات الإسرائيلية في لبنان أو سوريا أو أيّ مكان آخر أهدافاً مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطهران. يمكن أن يؤدّي مثل هذا السيناريو إلى مجموعة واسعة من الأعمال الانتقامية الإيرانية، بدءاً من الهجمات الإلكترونية الأكثر عدوانية ضدّ البنية التحتية الحيوية الإسرائيلية، إلى زيادة الدعم للوكلاء الإقليميين لتصعيد كثافة و/أو النطاق الجغرافي لهجماتهم ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة وأهداف غربية أخرى. وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن لإيران حتى استخدام صواريخها لضرب أهداف إسرائيلية، وهو احتمال يضمن ردّاً إسرائيلياً هائلاً ويخاطر بإطلاق مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…