ودّعت بيروت اليوم النائب والوزير السابق محمد يوسف بيضون، البيروتي الجميل. برحيله، تفقد الطائفة الشيعية علماً من أعلامها. كما تفقد صلة وصل بالعاصمة بيروت وأهلها وعروةً وثقى. برحيله يفقد لبنان أيضاً علماً من أعلام الصلاح والإصلاح، وكفّاً نظيفاً تشهد له بذلك الطبقة السياسية كلّها، قبل الطائف وبعده. كما تفقد العاصمة اللبنانية بيروت رجل علم وتربية من طراز رفيع.
ساهم الراحل وآباؤه وجدّه في نهضة علمية منذ مطلع القرن العشرين في بيروت وفي دمشق. ومع حفظ حقوق الجميع، يُعدّ الوزير السابق محمد يوسف بيضون واحداً من أنزه السياسيين والوزراء في تاريخ لبنان، إذ لم يلطّخ كفّه بدمٍ لبناني، ولا بصفقة أو سمسرة من هنا وهناك.
بيروت احتشدت خلف نعش محمد يوسف بيضون في مسجد الخاشقجي بشيبها وشبابها وبزعمائها ووجوهها المعروفة مودّعة من لم تفتقده في لحظات الشدة. هناك احتشد الجميع تمام سلام وفؤاد السنيورة ومحمد رعد وأمين شرّي ومروان حمادة ومحمد المشنوق في المسجد. وقف إمام المسجد مودعاً قائلاً: “نفتقد اليوم رجلاً مؤسساتياً وكم نحن بحاجة لأمثاله”. سُنّة وشيعة ودروز أدّوا صلاة الجنازة. هي صورة بيروت دوماً وأبداً هي ملامح وجه محمد يوسف بيضون وابتسامته العريضة.
ودّعت بيروت اليوم النائب والوزير السابق محمد يوسف بيضون، البيروتي الجميل. برحيله، تفقد الطائفة الشيعية علماً من أعلامها. كما تفقد صلة وصل بالعاصمة بيروت وأهلها وعروةً وثقى
… ومن الجدّ إلى الحفيد
ولد الراحل محمد يوسف بيضون في بيروت سنة 1931، ودرس في معهد “اللاييك” الفرنسي في بيروت، ثمّ تخصّص في الحقوق في “جامعة القديس يوسف”، ونال الإجازة في الحقوق الفرنسية سنة 1954، واللبنانية سنة 1955.
شارك في تأسيس “جمعية العمل الاجتماعي” سنة 1953، التابعة لها “المؤسسة المهنية العاملية”. وقد بدأ التعليم فيها ابتداءً من سنة 1960. انتُخب رئيساً لـ”الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية” منذ سنة 1973. وهو إلى ذلك عضو في مؤسّسات تربوية واقتصادية وكشفية عدّة، منها “قيادة الكشّاف المسلم”، “الصليب الأحمر اللبناني”، “جمعية تجّار بيروت”، ومستشار مكتبها لأكثر من خمسة وعشرين عاماً.
على خطى العمّ
انتُخب محمد يوسف بيضون نائباً عن الدائرة الثانية في محافظة بيروت في سنة 1972، وأُعيد انتخابه في دورتَي 1992 و1996. وشارك بفعّالية في أعمال اللجان النيابية، فكان مقرّراً للجنة المال والموازنة، وعضواً في لجنتَي الشؤون الخارجية، والإدارة والعدل.
في تشرين الأول من عام 1980، عُيّن وزيراً للصناعة والنفط في حكومة الرئيس شفيق الوزّان. وعام 1990، عُيّن وزيراً للموارد المائية والكهربائية في حكومة الرئيس عمر كرامي، ثمّ وزيراً للتربية الوطنية والرياضة والشباب والتعليم المهني والتقني والثقافة والتعليم العالي في حكومة الرئيس سليم الحص سنة 1998.
في انتخابات عام 1996، لم يحالفه الحظّ، إذ ارتأى يومها القيّمون على الطائفة الشيعية استيراد مرشّح من بلدة كفردونين في الجنوب اللبناني هو حسين يتيم، لتطيير الراحل محمد يوسف بيضون، ضاربين عرض الحائط بعراقة هذا البيت البيروتي وأصالته في التربية والتعليم وخدماته الجُلّى في محو الأمّية وتطوير أبناء الطائفة الشيعية في بيروت منذ مطلع القرن الماضي. وربّما هذه الخطيئة هي التي أسّست بلا أدنى شكّ لـ7 أيار الشهير.
إقرأ أيضاً: محمد يوسف بيضون.. البيروتيّ الكبير
يرحل محمد يوسف بيضون عن عالمنا وعن بيروت وعن الطائفة الشيعية في وقت لبنان أحوج ما يكون فيه إلى بيت بيروتي شيعي عريق يعيد وصل ما انقطع بفعل الفاعلين، ويقرّب المسافات بين جنوب لبنان وعاصمته، وبين الثنائي الشيعي واللبنانيين والبيروتيين عموماً، والطائفة السنّيّة على وجه خاصّ.
ربطت الراحل بالرئيس سليم الحص علاقة صداقة وطيدة بعد هجرة صائب بيك إلى جنيف، كما ربطته بأبناء بيروت على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وأحزابهم علاقات متينة لم تُحدث فيها خدشاً عشرون سنةً إلا نيّفاً من الاقتتال الأهلي والمذهبي، فشكّل بذلك قدوةً وبوصلةً عسى يهتدي بها يوماً ساسة أيّامنا هذه.
يُذكر أنّ للراحل كتابين: “آل بيضون قدرهم في التاريخ”، و”آل بيضون سيَر ورجال”، وفي الأخير سيرته الذاتية من الطفولة إلى الشيخوخة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: jezzini_ayman@