ما غاب عن الخطاب

مدة القراءة 5 د


لنحو ساعة ونصف الساعة، تحدّث زعيم الحزب حسن نصرالله، ولم يقل شيئاً. ما لم يقله، أو ما قاله مواربة هو الأهم.
سوريا هي الكلمة التي لم ترد في الخطاب. سوريا التي وصفها يوماً بأنها العامود الفقري للمقاومة، والتي من أجل ذلك، دخل في حربها وأوغل في دماء أبنائها، ولم يزل. غريب أن تغيب سوريا في سياق عرضه لإستعدادات ما يسمى محور المقاومة، لا سيما أنه تحدّث عن اليمن ودور ميليشيا الحوثي، وعن العراق ودور الحشد الشعبي.
قبل نصرالله، وخلال جولة موسّعة له، في الأيام الأولى للحرب، زار وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان سوريا، لكنه عقد مؤتمره الصحفي في بيروت لا في دمشق.
غابت سوريا عن الخطاب، وهي غائبة أصلاً عن الحدث، الا فيما ندر من تصريحات وبيانات خشبية تصدر بين الحين والآخر.
معلوم أنّ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد هاتف بشار الأسد يوم 8 تشرين الأول، وبحث معه “التطوّرات في الأراضي الفلسـطينية وإسرائيل والأوضاع في المنطقة” بحسب خبر الاتصال. المعلومات الأكثر تفصيلًا تفيد بأنّ رسائل محدّدة نُقلت إلى الأسد حول أثمان أيّ خطأ يصدر عن الجبهة السورية. بعدها بأسبوع جرى اتصال بين الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكدت فيه موسكو التحذيرات نفسها للأسد. وبين الاتصالين هدّدت قيادة الأمن والجيش الإسرائيلي الأسد علناً، بأن إسقاط نظام الأسد هو ردّ إسرائيل على أيّ ضربة تتعرّض لها من قبل إيران، وتنطلق من سوريا. وفي هذا السياق، قصفت إسرائيل  مطاري دمشق وحلب وأخرجتهما من الخدمة يومي 12 و14 تشرين الأول رداً على قذائف هاون أطلقت يوم 11 تشرين الأول من منطقة حوض اليرموك باتجاه الجولان.

لنحو ساعة ونصف الساعة، تحدّث زعيم الحزب حسن نصرالله، ولم يقل شيئاً. ما لم يقله، أو ما قاله مواربة هو الأهم

هل خرجت سوريا من محور إيران؟
تغيب سوريا إذاً عن هذه الحرب. وتغيب أيضاً عن خطاب نصرالله، وهو الأهم. وكأنّ المحور الذي يراقب خسارته لـ “ساحة” غزة، يستشعر أيضاً أنه يخسر “ساحة” سوريا من حيث لم يحتسب أو يقدّر. يظلّ من المبكر طبعاً الجزم بأنّ رعاة “ترويض” نظام الأسد قد نجحوا بشكل لا رجعة فيه في أن يخرجوه ولو جزئياً من شباك محور إيران. فهذا ممّا يحتاج الى أدلة أكثر من عدم اشتراك الجبهة السورية في الحرب. ثم إنّ عدم دخول سوريا في الحرب، كما عدم دخول الحزب فيها، يظلّ مصلحة إيرانية بشكل أو بآخر. فطهران لا تجد مبرّراً لأن تضحّي بمكوّنين من مكوّنات محورها في المنطقة، أي سوريا والحزب معاً، في سياق معركة، تبدو خاسرة، بالنظر إلى حجم الهجوم الإسرائيلي على غزة، والعنف غير المسبوق الذي نشاهده.
بيد أنّ عدم ذكر سوريا في الخطاب، حتى ولو كاحتمال جبهة تفتح في لحظة ما، يثير علامة إستفهام كبرى، حول تموضع الأسد، وحول علاقات مكوّنات محور إيران ببعضها البعض.

الانزعاج من حماس!
يقودني هذا إلى النقطة الثانية التي غابت جزئياً عن خطاب نصرالله، ولو حضرت في سياقٍ ذكيّ أجاد نصرالله في صياغته.
قال زعيم الحزب في معرض شرحه لعدم معرفته المسبقة أو معرفة إيران بعملية حماس، التي أطلقت الحرب المجنونة الدائرة: “خلافاً لما يظنه البعض، فهذا الإخفاء لم يُزعج أحداً في حركات المقاومة ومحور المقاومة على الإطلاق، بل أثنينا عليه جميعاً لأنه كان شرطاً طبيعياً لنجاح العمل، وليس له أيّ تأثير سلبي على الإطلاق على أيّ قرار يتخذه فريق أو حركة مقاومة في محور المقاومة”.
لماذا تبرّع نصرالله بنفي “الإزعاج” الذي يمكن أن تكون قد سبّبته السرّية التي إنتهجتها حماس حول عمليتها؟ ولماذا تبرّع لنفي “السلبية” عن علاقات مكوّنات المحور؟
ممّا لا شك فيه أنّ نصرالله كان يعالج آثار الرسائل المبطّنة التي وصلت لقيادة الحزب عبر إطلالات قادة حماس لا سيما خالد مشعل وموسى أبو مرزوق. فالرجلان تحدّثا بتهذيب شديد وتبطين أشدّ، عن تقصير في مستوى تدخّل الحزب، وعبّرا عن خيبة أمل من تدنّي منسوب نصرة غزة. ولكن ليس هذا المهم.

ما قصد نصرالله معالجته، هو الانطباع عند كثيرين بأن حماس ورّطت المحور في معركة غير محسوبة، ليس بسبب العملية نفسها، التي لن تعترض عليها إيران لو ظلّت في نطاق مواجهة العسكر، بل بسبب ما انتهت اليه من عمليات تقتيل للمدنيين الإسرائيليين. سلوك حماس يوم السابع من تشرين الأول، أيقظ كلّ المخاوف اليهودية الدفينة، ووحّد الإسرائيليين على نحوٍ غير مسبوق، وأثار موجة تضامن عملاقة مع إسرائيل حتى عند من تتسم علاقتها بهم بالسلبية وعلى رأس هؤلاء جميعاً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
حاول نصرالله أن يغلّف هذا التقييم الحقيقي عند قيادة الحزب، من خلال نفي أيّ انزعاج عند مكوّ1نات المحور من سرّية عملية حماس، أو أيّ سلبية تشوب العلاقة بين “حركات المقاومة”.
الحزب محق في أن لا تعجبه العملية، بما انتهت اليه. ولعلّ حماس ذهبت أبعد مما هو متفاهم عليه بينها وبين إيران، بخصوص تفاصيل العملية. فأنا ما زلت ممن يقولون إنّ هدف 7 تشرين الأول هو تعطيل مسار التطبيع الخليجي الإسرائيلي لا سيما في حلقته السعودية.
لكن ثمّة ما ومن خرج عن السيناريو المرسوم لأسباب لا تزال مجهولة. وثمّة من أخطأ في الحسابات والتقدير، ولن يُسمح له بجرّ البقية لتقاسم الأكلاف معه. فثمّة أكلاف أخرى آتية ستترتّب على إثارة إسرائيل والعالم على النحو الذي حصل، وللحزب وإيران والآخرين أن يوفّروا إمكاناتهم لمواجهات مقبلة بعد أن أيقنوا أنّ إنقاذ غزة مهمة شبه مستحيلة.

إقرأ أيضاً: ما ينبغي أن يخافه اللبنانيون حقاً

قبل الحرب كان الحزب وإيران يتبجحّان بأن إخراج أميركا من المنطقة قاب قوسين أو أدنى. وإذ بهذه الحرب تعيد أميركا بأساطيلها ومقاتلاتها وجنودها الى قلب الشرق الأوسط. هذا واقع يفرض على خصوم أميركا مراجعة حسابات المواجهات المحتملة واحتياجاتها أبعد من حماس وأخطائها وغزة ومأساتها.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: NadimKoteich@

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…