يبدو أنّ هناك مخطّطاً إسرائيلياً لبناء مستوطنة ضخمة بعد تسوية قطاع غزّة بالأرض، بالقصف اليومي والتدمير المنهجي والهمجي لكلّ مناحي الحياة، من المؤسّسات الحيوية إلى مفاصل الهويّة والتاريخ والحضارة.
فقد نشر حساب إنستغرام خاص بعنوان “هاري زهاف Harey Zahav” (الجبال الذهبية)، وهي شركة عقارية إسرائيلية، متخصّصة حتى الآن في تشييد منازل في المستوطنات التي بنيت في الضفة الغربية، صوراً لمشاريع بناء في قطاع غزة المدمّر، على ما نقلت مجلة “ليبراسيون”.
وقد نشرت المجلّة الفرنسية رسماً يوضح أسماء المستعمرات المستقبلية: “معاليه أتزمونا”، “أورين”، “نيفي قطيف”… إضافة إلى أسماء أخرى وردت في منشور ثانٍ على إنستغرام يعود تاريخه إلى 11 كانون الأول، يعرض خريطة باللغة العبرية لهذه المستوطنات في قطاع غزّة. وتشابه أسماؤها أسماء مستوطنات موجودة في غلاف القطاع. وفي نظرة معمّقة لرسم منطقة “نيفي قطيف” نجد رسومات لمبانٍ جديدة ومستودعات ومستشفى.
يبدو أنّ هناك مخطّطاً إسرائيلياً لبناء مستوطنة ضخمة بعد تسوية قطاع غزّة بالأرض، بالقصف اليومي والتدمير المنهجي والهمجي لكلّ مناحي الحياة، من المؤسّسات الحيوية إلى مفاصل الهويّة والتاريخ والحضارة
نقلت “ليبراسيون” عن موقع “دافار هيوم” الإخباري الإسرائيلي خبراً عن مؤتمر عُقد حول “التحضير العمليّ للتركيب في غزة” في 11 كانون الأول في “جيفات واشنطن”، وهي قرية شبابية دينية وسط إسرائيل.
المؤتمر نظّمته 15 منظمة، بمشاركة 150 مهتمّاً يعتبرون الحرب المستمرّة “فرصة تاريخية لعودة الإسرائيليين للاستقرار في قطاع غزّة”. ووفقاً للصحافي ديفيد تفرسكي، الذي حضر الاجتماع، فإنّ “الكثير من المشاركين هم من الذين تمّ إجلاؤهم من غوش قطيف وعائلاتهم”، وهم “يأملون حشد دعم واسع بين الرأي العامّ الإسرائيلي وممارسة الضغط على القادة السياسيين، لكنّ حكومة بنيامين نتانياهو والرأي العامّ الدولي يعارضان رسمياً إعادة التوطين في أراضي غزة”.
وصفت المجلّة الفرنسية المشاريع بأنّها “استفزازية”، وتعكس تطلّعات بعض الإسرائيليين لاحتلال غزّة. ونقلت تغريدة عن “إكس” كتبها المحامي الإسرائيلي إيتاي إبشتين، المدير السابق للفرع الإسرائيلي لـ”منظمة العفو الدولية”، والمدير المشارك السابق لـ”اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل – إيكاد”، وهي منظمة إنسانية تنتقد تطوير المستوطنات الإسرائيلية، قال فيها إنّ هذه الصور هي “حيلة إعلامية”، وإنّ هذا الاستفزاز “يعكس شعوراً عميقاً يريد الاستيلاء على الأراضي والاستعمار على حساب الفلسطينيين”.
نصف الإسرائيليّين يؤيّدون المشروع
منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) والردّ العسكري الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزّة، ردّدت عدّة صحف إسرائيلية مطالب الناشطين بعودة الإسرائيليين إلى غزة. ووفقاً لتقرير “ليبراسيون” نشرت عدّة وسائل إعلام إسرائيلية ناطقة باللغة الإنكليزية مثل “تايم أوف إسرائيل” وغيرها استطلاعاً للرأي أجرته القناة 12 يفيد بأنّ 44% من الإسرائيليين يؤيّدون الاستيطان اليهودي في غزة و39% يعارضونه.
إضافة إلى هذا الاستطلاع، لاحظت صحيفة “تايم أوف إسرائيل” في مقال نُشر مطلع كانون الأول الجاري أنّ هناك “أدلّة أخرى تشير إلى أنّ فكرة إعادة إقامة المجتمعات اليهودية في غزة تحظى بدعم واسع النطاق، خاصة بين الشباب الإسرائيلي”. واستشهدت كمثال عن هذه الأدلّة بعدّة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لجنود إسرائيليين شباب في غزّة يحملون ملصقات تطالب بعودة الإسرائيليين أو مقطع فيديو لمغنٍّ إسرائيلي يحفّز القوات بالغناء: “سنعود إلى غوش قطيف، سنقيم شاطئ نوفا على خليج غزة”، في إشارة إلى مهرجان نوفا، الذي قتل خلاله مئات الشباب الإسرائيليين مع بداية هجوم حماس. بينما في المقابل، يؤكّد استطلاع جديد أجرته الجامعة العبرية بين 1,800 شخص، وتمّ عرض نتائجه نهاية الأسبوع الماضي، العكس من ذلك، إذ يشير إلى أنّ 56% من الإسرائيليين يعارضون سياسة الاستيطان اليهودي في غزة، و33% فقط يؤيّدون، و11% غير متأكّدين.
“غوش قطيف” هي مجموعة مستوطنات إسرائيلية أقيمت في قطاع غزّة في أوائل السبعينيات، انسحبت منها إسرائيل عام 2005، في عهد رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون، ضمن خطة أحادية الجانب عُرفت بـ “فكّ الارتباط ” مع قطاع غزة
ما هي هذه الشركة؟
تدّعي هذه الشركة العقارية (هاري زهاف Harey Zahav – الجبال الذهبية)، التي تمّ إنشاؤها عام 2007، على موقعها الإلكتروني، أنّها “إحدى الشركات الرئيسية في سوق العقارات” في هذه المناطق، وأنّها منخرطة في حوالي 25 مشروعاً سكنيّاً، وقد سلّمت أكثر من 1,000 وحدة سكنية إلى العملاء، بينما هناك حوالي 1,000 قيد الإنشاء. وهي منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تنشر صوراً ومقاطع فيديو على حسابها على إنستغرام تسلّط الضوء على الالتزام العسكري لموظّفي الاحتياط لديها.
من بين هؤلاء الجنود نجد المهندس الرئيسي ونائبه يصوّران نفسيهما من غزّة، وأحياناً خلف عجلة حفّارة، ويَعِدان مشتركيهما ببناء منازل المستقبل. ومنشور آخر بتاريخ 8 كانون الأول (تمّ حذفه يوم الأحد الماضي) يُظهر مجموعة جنود يحملون لافتة باسم الشركة تعلن أنّه “هنا سيتمّ بناء مستوطنة “معاليه أتزمونا” الجديدة”.
أصل التهجير القسريّ إلى مصر
سأل التقرير الفرنسي إذا ما كان يجب إيلاء الاهتمام لهذه المنشورات، بينما لا تزال مسألة مستقبل غزة دون حلّ، وإعادة التوطين الإسرائيلي غير مخطّط لها رسمياً. فالحكومة الإسرائيلية بحسب التقرير تكرّر أنّ هدفها هو تدمير حماس، وليس طرد الفلسطينيين على الرغم من أنّ الخراب الهائل الذي لحق بغزة يحدّ من عودة الفلسطينيين إلى منازلهم المدمّرة. كما سيستمرّ الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة حتى تشكيل سلطة فلسطينية تضمن أمن الدولة اليهودية.
أشار التقرير إلى مذكّرة صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، كشف عنها في نهاية شهر تشرين الأول الموقع الإخباري الإسرائيلي الفلسطيني “ميكوميت”، بدعم من موقع “ويكيليكس”، تتحدّث عن خطة تهجير قسري للمدنيين من غزة إلى مصر، لكنّ مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قلّل من أهمية نطاقها، واصفاً إيّاها بأنّها “ممارسة افتراضية”.
إقرأ أيضاً: خطّة “كيرتزر” لفلسطين: هذا ما يجب عمله في “اليوم التالي”
وفقاً للتقرير “أدان العديد من مستخدمي الإنترنت نشر هذه الصور بينما يستمرّ الجيش الإسرائيلي في هجومه البرّي على قطاع غزة”. وأشار إلى صورة بشكل خاص تمّت مشاركتها بشكل واسع النطاق على الإنترنت نُشرت في 13 كانون الأول وتظهر رسومات لنماذج منازل مصطفّة ومتراكبة على أنقاض غزة مرفقة برسالة مكتوبة بالعبرية: “منزل على الشاطئ ليس حلماً”، وكتب في أدناها: “نحن، شركة Golden Mountains (الجبال الذهبية)، نعمل على تمهيد الطريق للعودة إلى غوش قطيف. وقد بدأ عدد من موظّفينا العمل في أعمال الاستصلاح وإزالة الأنقاض وإخلاء الساكنين فيها بغير حقّ. نأمل أن يعود جميع المختطفين إلى ديارهم بأمان في المستقبل القريب، وأن يعود جنودنا إلى ديارهم، ويمكننا أن نبدأ البناء في جميع أنحاء منطقة غوش قطيف”.
“غوش قطيف” هي مجموعة مستوطنات إسرائيلية أقيمت في قطاع غزّة في أوائل السبعينيات، انسحبت منها إسرائيل عام 2005، في عهد رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون، ضمن خطة أحادية الجانب عُرفت بـ “فكّ الارتباط ” مع قطاع غزة.
* نشرت صور الرسوم الأوّلية للمستوطنات على أنقاض غزة على صفحة شركة الجبال الذهبية على إنستغرام hareyzahav@
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا