لودريان: كلام صريح و3 تصوُّرات وموعد

مدة القراءة 6 د


لم يكن الشرطي الفرنسي الذي أطلق النار على الشابّ نائل الجزائري، متآمراً على الاستحقاق الرئاسي في لبنان.

لكنّ أحداث باريس قد تؤثّر على مبادرة إيمانويل ماكرون اللبنانية ومهمّة لودريان.

يبقى الأهمّ ما سمعه الأخير في بيروت، وما رافقه ولاقاه بعد عودته إلى بلده وبلدته. فبين المحطّتين كان كلام صريح جدّاً، ومباشر جدّاً، حتى إنّه ترك بعض ذهول جعل الفرنسيّين يسألون تكراراً: ماذا تقصدون؟ وعلى ماذا تعتمدون؟

                                ************************************

حتى نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن لودريان قد التقى فعليّاً أيّاً من المسؤولين عن مهمّته أو الذين أوكلوه بها.

غادر موفد ماكرون بيروت يوم السبت الفائت. وصل باريس. أجرى اتّصالين هاتفيَّين سريعين. الأوّل بالإليزيه ليبلغ الرئيس بعودته. والثاني بوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي تحدّث معها باقتضاب عن مهمّته. وذلك قبل أن ينهي مكالمتَيْه بأنّه ذاهب إلى بلدته، لوريان، في الغرب الفرنسي، لينكبّ على كتابة تقريره عن جولته اللبنانية الطويلة.

غير أنّ أجواء باريس حافلة بالكلام عن المسألة اللبنانية.

 لودريان كان قد سمع في بيروت، ومن جهات وازنة في المعارضة، ما مفاده: لا يهوّلنّ علينا أحد. لا من الداخل ولا من الخارج. نحن لم يعُد لدينا ما نخسره

يقولون إنّ جلسة 14 حزيران أعادت تصحيح التوازنَين المفقودين، في بيروت، كما في باريس. صحيح أنّها لم تنتخب رئيساً. لكنّ الصحيح أيضاً أنّها أظهرت أنّ الأمر غير مستحيل. لا بل إنّها فتحت الباب لانتخاب ممكن لرئيس جديد خلال أسابيع.

يتوقّف مراقبو العاصمة الفرنسية طويلاً عند التوازن الثابت الذي ظهر في برلمان 14 حزيران، والذي بات واضحاً أنّه توازنٌ غير قابل للتبدّل لصالح أحد طرفَيْ المعركة.

لكنّ الأهمّ هو تبدُّل المواقف التي أعقبت تلك الجلسة. ليس تفصيلاً أن يعلن محمد رعد: “نعترف بأنّه لا نحن نستطيع أن نأتي بمرشّح من دون تعاونهم، ولا هم يستطيعون أن يأتوا بمرشّحهم من دون تعاوننا (…) والحلّ أن نجلس ونتفاهم ونُقنع بعضنا بعضاً (…) ونرحّب بأيّ دور مساعد، سعودي أو فرنسي أو قطري أو ألمانيّ أو من تشاؤون”. وهو كلام رصدته باريس بارتياح كبير.

بعدئذٍ رُصد كلام آخر لافت جدّاً أيضاً لرعد نفسه عن أنّ حزبه يلتزم اتفاق الطائف: “ولا يريد تعديل أيّ حرف منه”.

“ليس لدينا شيء نخسره”

غير أنّ لودريان كان قد سمع في بيروت، ومن جهات وازنة في المعارضة، ما مفاده: “لا يهوّلنّ علينا أحد. لا من الداخل ولا من الخارج. نحن لم يعُد لدينا ما نخسره. ذهبت مدّخرات شعبنا. وها هم أبناؤنا يذهبون. لا شيء بعد نخاف عليه أو منه. رجاءً ضعوا في حساباتكم أنّنا ثابتون في الموقف الذي نقوله لكم، ومستعدّون للذهاب فيه إلى الأخير وحتى الآخر”.

حتى إنّ أكثر من مسؤول فرنسي كان حاضراً في لقاءات لودريان سأل: “ما المقصود بهذا الاستعداد؟”. فكان الجواب المطمئن بأنّ المقصود هو اللجوء إلى كلّ الوسائل السلمية الديمقراطية التي تتيحها القوانين وآليّات العمل السياسي في أيّ بلد سيّد حرّ.

ماذا نريد؟

بكلّ بساطة نريد رئيساً يحفظ بلدنا ويشكّل خطوة أولى لإعادة بناء دولته ثقافةً ومفهوماً وواقعاً.

لا رئيس يجعل لبنان محكوماً من الحزب. لأنّ هذا مستحيل.

ولا رئيس يدفع لبنان إلى حكمٍ ضدّ الحزب. لأنّ هذا مستحيل بالقدر نفسه.

اكتفى الفرنسيون بهزّ الرأس وإيماءات من نوع الموافقة ولكن…

في باريس كان الكلام اللبناني المحاصِر للدوائر الفرنسية المهتمّة بلبنان أكثر حتى إنّه جرت مكاشفة ومصارحة:

نعرف أنّ لدى باريس مصالح. ونفهم اعتبارات “توتال” والتنقيب في الجنوب واستثمارات اتفاق الترسيم. ونعرف حكاية شركة آل سعادة مع مرفأ بيروت وبريد “ليبان بوست” وموانئ النفط المقترحة وغيرها…

لكن نسألكم أين سيقيم أناسكم المعنيّون بهذه الاستثمارات؟

يقال إنّ لودريان سجّل على مفكّرته موعدين أوّليَين لعودته إلى بيروت: 17 تموز أو 24 منه. والحسم بينهما متوقّف على وقت الإليزيه للنقاش والانطلاق مجدّداً

بيروت.. صومال لا ليبيا

لن يبقى لبنان إذا لم نصل إلى تسوية رئاسية عادلة متكافئة سويّة متوازنة وفعّالة.

نموذج ليبيا المقسّمة فوق دمارها، وحيث مصالح أوروبا “شغّالة” مع الطرفين على الرغم من زوال البلد، لا يصحّ في بيروت.

بيروت بلا التسوية المطلوبة، ستكون صومال لا ليبيا. ولن تتمكّنوا من وطء أرضها.

لا نتوسّل دعماً أو رعاية أو وصاية أو حتى نصيحة.

بل نحن من ننصح باريس. من أجلها ومن أجل شعبها الذي نحبّ والذي يعاني اليوم. ومن أجل مصالحها الوطنية ومن أجل قِيَمها التي نتشاركها.

نناشدكم أن تعتبروا من تجاربكم لا غير.

ميتران كان أكبر المدافعين الأوروبيين عن حلّ فلسطيني عادل… فكان نصيبه عملية دراكار و58 مظلّياً فرنسياً قضوا في بيروت…

شيراك كان عروبيّاً أكثر من بعض العرب.

فكانت له أزمة كلّ رهائن فرنسا في لبنان: ميشال سورا وجان بول كوفمان وميشال برييان وجان مارك سروسي وروجيه أوك ومارسيل كارتون ومارسيل فونتين ورفاقهم… خلال رئاسته للحكومة الفرنسية، ثمّ كان له اغتيال رفيق الحريري خلال رئاسته الجمهورية الفرنسية.

ساركوزي أقنع ميشال عون بأنّه سيكون “صانع ملوك” فتنازل ورعى الدوحة. هولاند صدّق أنّ اللعبة انتهت فاتّصل بفرنجية مهنّئاً.

ومع الاثنين وبعدهما صار عدد الأسرى الفرنسيين لدى نظام طهران أكبر من رهائن “الشيطان الأكبر” نفسه هناك: سيسيل كولر، جاك باري، فريبا عادلخاه، بنجامين برييار، برنارد فيلان ولوي أرنو … وهؤلاء المعلنون وحسب.

لا لزوم للعودة أكثر إلى التاريخ. مع أنّ عودة كهذه ضروريّة لاحقاً.

المهمّ، رجاءً لا تجرّبوا بعد.

رحمةً بأبناء بلدكم.

أوقفوا الأوهام وبراءة المراهقة السياسية وما يكاد يلامس الطفوليّة في فهم بلدنا ومنطقتنا…

الذين اطّلعوا على جوجلة لودريان، نقلوا أنّ الرجل بات يفكّر وفق ثلاثة تصوُّرات:

إذا كان هنك من يصرّ على معادلة رئيس للحزب مقابل رئيس حكومة للآخرين، فليذهب إلى حوارات ثنائية لتسهيل ذلك. حوارات لبنانية – لبنانية مباشرة وبلا رعايات خارجية. من نوع فرنجية – باسيل، فرنجية – جعجع، باسيل – الحزب أو حتى جعجع – الحزب.

أمّا إذا كان هناك من يفكّر بتعديل في النظام، فلينتظر نضوج كلّ ملفّات المنطقة ومساراتها. وليستعدّ لسنوات من الشغور ومن انهيارات الشغور وتفجّراته.

يبقى إذا كان هناك من يفكّر بتسوية رئاسية عن حقّ، فليذهب إلى تفعيل خماسيّة باريس، مع بعض الدعم الإقليمي والدولي.

إقرأ أيضاً: لودريان اليائس: لا حلّ إلّا بتعديل النظام

يقال إنّ لودريان سجّل على مفكّرته موعدين أوّليَين لعودته إلى بيروت: 17 تموز أو 24 منه. والحسم بينهما متوقّف على وقت الإليزيه للنقاش والانطلاق مجدّداً. فالرجل مستعجل لأنّه يدرك أنّ ثمّة صلاحيّة زمانية لمهمّته وأفكاره قد لا تتعدّى نهاية الصيف. بعدها لا شيء يحول دون المجهول.

للمصادفة، “توتال” يُفترض أن تبدأ تنقيبها في أيلول. علّه يكون تنقيباً مزدوجاً عن نفط، وعن حلّ.

لمتابعة الكاتب على تويتر:  JeanAziz1@

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…