رزان يحيى
عنيدة، متمردة، ومشاكسة. الشيخة لميا هي صغيرة البيت والأقرب إلى قلب والدها. إنها الثائرة في ثورة حُرِّم على نسائها أن يكنَّ جزءاً من التغيير عبر الممارسة. من وجهة نظر دينية، القدر آتٍ لا محالة والإنسان فيه مسيّر وليس مخيّراً. فليس “حلالاً” الوقوف في وجه القدر. وكيف الحال إذا دخلت تاء التأنيث على المعادلة؟
لكن للميا مفهوم ثوريّ للدّين: “ممارسات الإنسان هي التي تحدّد المصير المقرّر سلفاً”. تعدّ “الشيخة” نفسها جسراً لسير القدر، وما “هو مرسوم في السماء نكتبه نحن على الأرض”. شكّل يوم 17 تشرين محطة لتمارس لميا قناعاتها الثورية التي لم تغب عنها منذ الصغر، ولكن هذه المرة بنضج وتحد أمام أعين مجتمع وبيئة لا يرحمان.
إقرأ أيضاً: لينا بوبس.. “أم الثورة”
نشأت لميا في منزل ملتزم احترم تمرّدها، لا بل اعتبره نضجاً ووعياً لمحيط وبيئة يحتاجان إلى من يحثّهما على المبادرة. بلورت السنين المدرسية الأولى شخصيتها، ولاسيما بعد انتقالها من مدرسة دينية قريبة من المنزل ترتادها مع إخوتها، إلى مدرسة بعيدة ليست مصبوغة بلون واحد.
البداية كانت صعبة، لكن ما لبثت أن تبلورت الاستقلالية وتبلور معها رفض النمط الموحّد. ومن الطرائف المدرسية التي تذكرها، في المرحلة المتوسطة تحديداً، عندما كان يُمنع على الطلاب ارتداء الأقمشة الملوّنة حتى تحت الثياب. لم تقنعها الفكرة، فكسرت النظام اللامنطقي وصبغت شعرها باللون الأحمر. لم يكن ذلك مألوفاً عند الملتزمين دينياً حتى في هذه السنّ.
لاحقاً، بدأت ثورتها تتبلور حقوقياً ومطلبياً. لم تقبل الانتساب إلى جامعة خاصة، لكون العلم حقّاً.
مواجهات في الساحة
على دوار عاليه – طريق خط الشام الدولية، نزل المنتفضون. اعتبرتها لميا فرصة لتكون جزءاً ملموساً من الثورة. سابقاً، كانت “روحها” تشارك في تظاهرات العاصمة بيروت، لكنّ “جسدها” كان يقبع في منزلها في عاليه إلى أن حانت الفرصة.
توجهت “الشيخة” إلى الشارع. شاركت كغيرها من المنتفضين في وسائل التعبير كلها. قطعت الطريق. هتفت ضد السلطة ونظام رأس المال. جابت شوارع عاليه في المسيرات المطلبية. باتت الساحة الصورة الجامعة للفئات المختلفة. بجرأتها، كسبت لميا حبّ المنتفضين في الساحة. رأوا فيها صورة المرأة التي لا يثنيها عائق عن ممارسة حقوقها كافة بين الإيمان والنضال.
الدين عادل ولا يرضى بالسكوت عن الظلم. واليوم بعد مضي أربعة أشهر، لن أرضخ
وفي الساحة نفسها، ارتفعت الحناجر الرافضة لوجود نموذج لميا في الشارع، رغم اعتبار كثر أنّ نموذج لميا كان إغناء للثورة في منطقة تنتمي الى طائفة الموحدين الدروز، علماً أن الشيخة حافظت على “التزامها” لكونها “لا تمثل نفسها في الثورة، بل طائفة تنبع منها معتقداتها وإيمانها”.
تسأل لميا: “لماذا يظنّ الناس أنهم يستطيعون إبداء رأيهم بوجودي أو عدمه في الشارع؟ هل يجرؤ هؤلاء على محاسبة شيخ بوجوده، أو يعود الأمر فقط إلى أنني فتاة؟”. تضيف: “المشاركة في الثورة فعلٌ واجب، فالدين عادل ولا يرضى بالسكوت عن الظلم. واليوم بعد مضي أربعة أشهر، لن أرضخ. لن أخذل صديقاتي الملتزمات اللواتي ينقلن صوتهن بواسطتي”.
في الخيمة
عندما تعدّت سلطة أمر الواقع على الخيمة في عاليه، أدركت لميا مجدداً أهمية زيّها الديني. فهي، رغم كل البلطجة، لا يقترب المعتدون منها، لأن ذلك “ليس حلالاً”، فكانت الموثّقة الأكبر لعملية التعدّي.
تواظب لميا على ارتياد الخيمة. المهندسة المعمارية ترى أن الخيمة مساحة تحدّ لنظام اتّبع تنظيماً مدنياً مخطّطاً ليبعد الناس بعضها عن بعض، فأقصى القرى والمدن من المساحات العامة. من هنا، كانت الخيمة ثورة بحدّ ذاتها. تحرص الشيخة على البقاء فيها محصّنة ضد كل الأقاويل والشائعات التي تطالها.
اعتادت أن تتجاهل القيل والقال منذ اتخذت سكناً جامعياً في دير القمر في السنوات الجامعية الأولى. اليوم، تعرف لميا أهمية وجودها، وإشكاليته. وأكثر من أي وقت مضى، تعرف أنّ الطريق والساحة والخيمة هي أماكنها المناسبة.