لا يُحتمل


نظرة متأنّية لعموم ما يحدث في عالم اليوم، وعالمنا العربي هذه الأيام، تؤكّد أنّ معايشة تفاصيل هذا الكوكب الظالم وهذا الزمن الرديء وهؤلاء البشر المتألمين تخلق بداخلك حياة “لا تُحتمل”!
لا يُحتمل عالم يحكم فيه سماسرة الحروب والاضطرابات.
لا يُحتمل وجود غرف مظلمة في العواصم الكبرى يُخطَّط فيها لإبادة ثلث سكّان العالم.
لا يُحتمل أن يكون كلّ القادة الذين يملكون الضغط على الزرّ النووي وإخفاء كلّ البشر في لحظات شخصياتٍ لا يوثق برجاحة عقلها السياسي أو يوثق بضميرها الإنساني.
لا يُحتمل أن يتعامل قادة العالم مع بقيّة العالم على أنّهم كعكة قابلة للتقسيم تمهيداً للالتهام.
لا يُحتمل أن يكون اليورانيوم، والغاز، والنفط، والفوسفات والذهب، والفضّة، والقمح، والأرزّ، والصمغ، والحديد، والقطن، والكروم، هي المحرّك الأوّل لاحتلال الكبار الصغار في هذا العالم.
لا يُحتمل أن تكون هناك 3 دول تتحكّم بـ90% من ثروات العالم، ودولة واحدة تتحكّم بـ68% من الكتلة النقدية المتداوَلة.
لا يُحتمل أن تكون كلّ دول العالم، عدا واحدة، مطالَبة بضمان عملتها لتحديد قيمتها، بينما تملك الدولة الوحيدة الطابِعة للدولار الحقّ في وجود عجز لديها يساوي ثلث مديونيّات العالم.
لا يُحتمل أن يكون كلّ محتوى وتفاصيل حياتنا ومعاملاتنا وأسرارنا الخاصة محفوظة في خوادم رقميّة لكبار شركات الهواتف العالمية.

لا يُحتمل أن يموت الملايين في حروب أهلية من أجل خلاف قبلي أو طائفي أو مذهبي

القتل والحريّة
لا يُحتمل القتل على الهويّة الطائفية، والاعتقال على نوعيّة الرأي.
لا يُحتمل تسويد شاشات التلفزيون وبياض صفحات الرأي، وقطع الألسنة في الإذاعات وغياب حقّ الاحتجاج أو المناقشة.
لا يُحتمل التفكير الطائفي، والسلوك المذهبي، والعقل الديني، والسلوك الطبقي، والموقف العنصري.
لا يُحتمل تجاهل المهمّشين والفقراء والذين يعيشون تحت خطّ الكفاف والعوز من دون أن تتوافر لهم الاحتياجات الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان.
لا تُحتمل المعارضة من أجل المعارضة التي تشيطن كلّ إنجاز حقيقي وكلّ سلوك طيّب.
لا يُحتمل قطع الألسنة لكلّ مطالبة محقّة بالإصلاح، ولكلّ تساؤل محقّ عن مصدر الثروة وعن دوافع بعض المقرّرات.
لا يُحتمل أن يموت الملايين في حروب أهلية من أجل خلاف قبلي أو طائفي أو مذهبي.
لا يُحتمل أن يموت ملايين من الأبرياء حتى يحافظ أيّ حاكم على مقعده في الحكم، وليذهب الناس إلى الجحيم.
لا يُحتمل أن يبقى لبنان بلا رئيس وبلا حكومة.
لا يُحتمل أن يبقى السودان في حرب أهلية لمجرّد خلاف شخصي على سلطة بين رجلين.
لا يُحتمل أن يضيع اليمن ويتحوّل إلى دولة تعيسة بسبب إصرار طائفة على إجبارها على التحوّل إلى طائفة ومذهب مستحدَث من الخارج له دوافع شريرة.
لا يُحتمل أن تضيع القضية الفلسطينية بسبب جنون تطرّف ديني أو ميوعة وفشل سلطة حاكمة.
لا يُحتمل أيّ اكتواء من هم تحت خطّ الفقر بلهيب أسعار السلع الأساسية.
لا يُحتمل أن لا يجد أب ثمن دواء لطفلته، ولا تجد أرملة قوت يومها، ولا يجد معوّق جهازاً يساعده على المشي.

حكومة لبنان الظالمة
لا يُحتمل أن تستولي الحكومة في لبنان على أموال البنك المركزي، ويستولي المركزي على أموال البنوك، وتستولي البنوك على جنى عمر الناس المودعين في مؤامرة ثلاثية اشتركت فيها البنوك والمركزي والحكومة.
لا يُحتمل أن تزيد نسبة هجرة الشباب في بعض الدول إلى أكثر من 40%.
لا يُحتمل أن يكون الاغتيال المعنوي وتشويه صور الإصلاحيين هو أسلوب حياة.
لا يُحتمل أن يفضّل بعض الناس أن يموتوا غرقاً في مراكب الهجرة غير الشرعية على سواحل المتوسط بدلاً من الحياة على أراضي بلادهم.

لا يُحتمل أن ينتصر الفساد في كلّ أركان السلطة في العراق، وتصبح عاصمة الرشيد أكثر بقعة من بقاع الأرض تهريباً للأموال المنهوبة من الشعب المسكين.
لا يُحتمل أن تكون سمسرات السلاح والمخدّرات وغسل الأموال القذرة مصدر الثروات الرئيسي في كثير من عواصمنا العربية.
لا يُحتمل أن يكون الفساد الإداري في الحصول على التراخيص والأذون وتزوير الأوراق والمعاملات أسلوب حياة.
لا يُحتمل أن يوصف كلّ صاحب مال أو ثروة بأنّه لصّ مصّاص لدماء الشعوب.
لا يُحتمل أن يتمّ استخدام الإرهاب الديني بكلّ أطيافه فزّاعةً يتمّ بها تبرير الإجراءات الاستثنائية وتقييد الحرّيات في سوريا والعراق ولبنان.
لا يُحتمل أن تكون أراضٍ عربيّةٌ محتلّةً من إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وقوى التحالف الدولي، ودُمّرت بالحرب، وفي الوقت نفسه تحتفل بأعياد الاستقلال الوطني.
لا يُحتمل أن نفبرك أرقام الموازنات العامة والإيرادات أمام الشعب صاحب المصلحة الوحيدة فى معرفة حقائق ثرواته.

الكذب في الإعلام
لا يُحتمل تحوُّل نشرات الأخبار الحكومية إلى وصلة غنائية للكذب والمديح وتزوير الحقائق.
لا يُحتمل هؤلاء الذين ما يزالون يحكمون على البشر حسب الدين أو المذهب أو الطائفة أو الجنس أو الجنسيّة أو المنطقة أو العائلة أو الثروة أو الطبقة أو اللون أو العرق.
لا يُحتمل هؤلاء الذين لا يؤمنون بأنّ كلّ قضية قابلة للنقاش، وأنّ كلّ شخص كائناً من كان قابلٌ للمساءلة.
لا يُحتمل ألّا يكون هناك من لا يعمل بما قاله الله في كتابه الكريم: “إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم”، أي أنّ العلوّ والكرامة والتقدير للتقوى وحدها.
لا يُحتمل هؤلاء الذين لا يرون ولا يشعرون بكلّ ما يحدث في الحياة مع أنّه مؤامرة كبيرة.
لا يُحتمل أن ينكشف الجهاز الصحّي عند أوّل وباء أو أوّل فيضان أو أوّل زلزال.

إقرأ أيضاً: زلزال المغرب: هزّة أرضيّة فقط أم هزّة للاستقرار؟

لا يُحتمل أن يموت الناس تحت الأنقاض أو السيول جرّاء بطء وصول المساعدات الإنسانية الملقاة في الموانئ والمطارات.
لا يُحتمل أن تصبح الحياة في كثير من بلادنا مثل ابتلاع شفرة حادّة كلّ صباح.
لا يُحتمل أن تعيش وفق ما وصف الشاعر الأمير عبد الرحمن بن مساعد في قصيدة: “لا يُحتمل نصف الفراق” في عالم لا يُحتمل أن يكون نصفه الأوّل موتاً ونصفه الثاني احتضاراً.
فعلاً لا يُحتمل!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…

إسرائيل… انبهار وقلق

تصلح مشروع فيلم هوليوودي بعنوان “إعصار البيجر”. مع أنها جريمة حرب مكتملة الشروط، تستحق أن تدرج كقضية أمام محكمة العدل الدولية، وكدليل يضاف إلى ملف…

لبنان ضحيّة المفهوم الخاطئ للانتصار!

يُخشى تحوّل لبنان ضحيّة أخرى للمفهوم الخاطئ للانتصار، وهو مفهوم رائج لدى قسم كبير من الأنظمة السياسية في المنطقة. ليس مفهوماً إلى الآن كيف يمكن…

“علوّ اليهود في الأرض”.. كيف نواجهه؟

“إعصار البايجر” هو النقطة الفاصلة في هذه الحرب، الإسنادية في شكلها، الاستنزافية في جوهرها. هو ليس تفصيلاً بسيطاً، بل رأس الجبل من تجويف خطير لخطاب…