“كيمياويّ” الغوطة: أوباما لم يُخطىء… بل ظُلِمَ

مدة القراءة 6 د


هل فعلاً أخطأ الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قبل 10 سنوات، في 21 آب 2013، حين امتنع عن معاقبة بشّار الأسد على استخدامه السلاح الكيمياوي في غوطة دمشق وقتله ألف شخص اختناقاً بغاز السارين؟

هذا السؤال طرحته مجلّة “إيكونوميست” في عددها الأخير، مذكّرة القرّاء بأنّ ما فعله أوباما أهمّ بكثير من “العقاب”: “صفقة إخضاع سوريا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية من أعظم الإنجازات في مجال منع انتشار هذا النوع من السلاح في القرن الحادي والعشرين”. هذا لأنّ هذه الصفقة دمّرت 1,300 طنّ من الأسلحة والموادّ الكيمياوية الأوّلية، أي ما يكفي لشنّ أكثر من 1,800 هجمة على الغوطة، و1,200 طنّ من الذخيرة، إلى جانب هدم 27 مصنعاً لإنتاج السلاح الكيمياوي، بتشجيع من روسيا، وبمساعدة دولية ومساعي منظّمة حظر الأسلحة الكيمياوية، بعدما كانت سوريا تملك برنامج السلاح الكيمياوي الأكثر تقدّماً في الشرق الأوسط، الذي أسّس لردع أيّ هجوم عسكري تقليدي من إسرائيل.

استمرّ النظام السوري باستخدام الكلور في هجماته، ومن بينها هجوم مميت للغاية في عام 2018 ردّ عليه الرئيس السابق دونالد ترامب، خليفة أوباما، وبريطانيا وفرنسا بوابل من صواريخ كروز

أضافت المجلّة أنّه لو كان هدف أوباما منع سوريا من استخدام غاز الأعصاب، فقد نجح في ذلك بشكل يفوق التوقّعات. إذ بعد أسابيع قليلة من الهجوم الكيمياوي على الغوطة، تقدّمت روسيا بخطّة لاستقدام مفتّشين دوليين يشرفون على تفكيك برنامج الأسلحة الكيمياوية في سوريا، فكانت الصفقة التاريخية.

على الرغم من ذلك استمرّ النظام السوري باستخدام الكلور في هجماته، ومن بينها هجوم مميت للغاية في عام 2018 ردّ عليه الرئيس السابق دونالد ترامب، خليفة أوباما، وبريطانيا وفرنسا بوابل من صواريخ كروز. ثمّ شنّ الأسد ثلاث هجمات أخرى بغاز الأعصاب تسبّبت بأضرار أقلّ بكثير من تلك التي وقعت في الغوطة.

لماذا انهارت مصداقيّة أوباما؟

لكن إذا كان معظم برنامج السلاح الكيمياوي في سوريا قد فُكّك، فلِمَ أصبحت مصداقية أميركا على المحكّ؟

وفقاً لكيرين يارهي-ميلو، وهي عميدة كليّة الشؤون الدولية والعامّة في جامعة كولومبيا الأميركية، فإنّ للخيارات السياسية جمهوراً بعيداً كلّ البعد عن أهدافها المحدودة. وكان الجمهور في حالة أوباما من المتشكّكين منذ البداية في قراره حين قال بعد هجوم 2013: “أيّ تحرّك أو استخدام للأسلحة الكيمياوية هو خطّ أحمر بالنسبة لنا”، فتوقّع العالم ردّاً قويّاً من الإدارة الأميركية.

لكن بدلاً من أن يشنّ أوباما هجومه على الفور، قرّر أن يطلب من الكونغرس أن يصوّت ثمّ يوافق على عدم اتّخاذ أيّ إجراء في حال تدخّل روسيا وإشرافها على نزع السلاح الكيمياوي في سوريا. ولهذا اعتبر معارضوه أنّ “عدم معاقبته للأسد يومها قوّضت مصداقية أميركا، وما تزال عواقب ذلك مشهودة حتى يومنا هذا”.

في كانون الأول 2012 وآذار 2013، اتّهم أوباما الأسد باستخدام أسلحة كيمياوية ضدّ شعبه. في المرّة الأولى وصف هذه الأسلحة بأنّها “غير مقبولة على الإطلاق”، وفي المرّة الثانية قال إنّها “تغيّر قواعد اللعبة”، فازدادت حدّة التوقّعات بتدخّل عسكري أميركي. إلّا أنّه بعد مرور ثلاثة أسابيع على مجزرة الكيمياوي في الغوطة، ضرب مصداقيّته بنفسه حين قال: “لم أحدّد خطّاً أحمر، بل العالم هو من وضع هذا الخطّ”.

في كانون الأول 2012 وآذار 2013، اتّهم أوباما الأسد باستخدام أسلحة كيمياوية ضدّ شعبه. في المرّة الأولى وصف هذه الأسلحة بأنّها “غير مقبولة على الإطلاق”، وفي المرّة الثانية قال إنّها “تغيّر قواعد اللعبة”، فازدادت حدّة التوقّعات بتدخّل عسكري أميركي

أفغانستان والعراق وإيران

في هذه الأثناء كان أوباما يقود سياسة الخروج من الشرق الأوسط، لكنّه غاص في مستنقع أفغانستان والعراق. وأمّا القرار الأميركي القائم على مبدأ “أخذ زمام المبادرة” في ليبيا بهدف إزاحة الرئيس معمّر القذافي، بناء على طلب من بريطانيا وفرنسا، فقد انتهى بفوضى عارمة.

من جهة ثانية، اعتبر بعض القادة في الخليج وإسرائيل أنّ سعي أوباما إلى عقد اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي “تنازلاً مبالَغاً فيه”. وبالإضافة إلى الحكم على سياساتهم، أضافت يارهي ميلو: “يكتسب القادة أيضاً سمعة تعكس قدرتهم على تنفيذ تهديداتهم والوفاء بوعودهم”.

بيد أنّ سمعة أوباما أُلحقت به ظلماً وعدواناً، برأي سايمون، “لأنّه بدأ في عام 2013 بعملية واسعة لتدريب ودعم قوات الثوار في سوريا، فكانت تلك العملية أهمّ بكثير من أيّ ضربة عقابية لما جرى في الغوطة. وقد أكّد أوباما أنّه لم يندم على قراره مطلقاً، إذ في عام 2016 ذكر أنّ “قصف أحدهم فقط لإثبات الرغبة بقصفه ليس إلّا السبب الأسوأ لاستخدام القوّة”. وهو محقّ تماماً، إذ عندما قصف ريتشارد نيكسون كمبوديا وفيتنام خلال سبعينيات القرن الماضي، اعتقاداً منه أنّ الدول النامية لا بدّ أن تنهار مثل لعبة الدومينو، تكبّد بسبب ذلك خسارة الكثير من الأرواح من دون أن ينقذ سمعة أميركا”.

مراجعة “الحكم” على أوباما

تدعو “إيكونوميست” إلى “مراجعة هذا الحكم على أوباما”. إذ على الرغم من أنّه لا خلاف على تراجع مصداقية الغرب خلال العقد الماضي، فإنّ إطلاق وابل من صواريخ كروز على الأسد لم يكن لينقذ الموقف ولن يحمي الشعب السوري من هجمات أخرى بغاز الأعصاب. غير أنّ “الخطّ الأحمر الأوباميّ” الذي بات يُذكَر للتدليل على فشل تاريخي، يثير التساؤل عن مدى مصداقية القادة: “كادت تلك التصريحات أن تفجّر قنبلة على الفور”، يقول ستيفين سايمون، المسؤول السابق في إدارة أوباما.

كان خطأ أوباما، بحسب “إيكونوميست”، أنّه أراد أن يلعب على الحبلين: “فقد ساعدت صياغة الخطّ الأحمر في تعزيز جديّة التحذير الأميركي عندما بدا أنّ الأسد يفكّر في استخدام غاز الأعصاب لإرهاب شعبه. لكن بعد وقوع المجزرة، بدا ردّ الفعل ضئيلاً”.

إقرأ أيضاً: ثلاثون عاماً على أوسلو

كان ثيودور روزفلت، الرئيس السادس والعشرون للولايات المتحدة، ينصح القادة والرؤساء: “تحدّثوا بهدوء لكن احملوا عصا كبيرة”. أمّا أوباما فاستبدل العصا بـ”الجعجعة”، فدفع الثمن غالياً.

في الختام، نجح أوباما في معركة الملفّ الكيمياوي، لكن طغت على المشهد حقيقة تراجع مكانة أميركا في الشرق الأوسط. وهي اختارت ذلك. تجسّد ذلك بوضوح مع صعود نجم “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش” بما هو أحد مصادر العنف التي بثّت الفوضى والاضطراب في سوريا. وتفاقم هذا الوضع مع تدخّل رجل آخر لمعالجة الأمور في سوريا بمباركة أوباما، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عزّز سيطرته على سوريا فسخّف مزاعم أميركا بأنّها “الشرطي الذي يحفظ أمن العالم بأسره”، وهذا ما شجّعه لاحقاً على إرسال جيشه ليحتلّ أوكرانيا.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

“إيكونوميست” عن “تجارة النّفط السريّة التي تموّل حروب إيران” (1/2)

ما هو النظام الذي من خلاله تبيع إيران نفطها بطريقة سريّة، وتقبض ثمنه، وتوزّعه على ميليشياتها، خارج النظام المصرفي الدولي؟ وكيف تستطيع إدارة هذه العملية…

فريدمان: وفاة السّنوار لحظة تاريخيّة لحلّ الدّولتين

يرى المحلّل والكاتب السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ “وفاة زعيم حماس يحيى السنوار. تتيح إمكانية اتّخاذ أكبر خطوة نحو حلّ الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ…

فريدمان: ماذا يقول بيرنز لرئيس الاستخبارات الإيرانيّة؟

لماذا لا ترسل واشنطن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيل بيرنز للقاء نظيره الإيراني على أرض محايدة في مسقط، عاصمة عُمان، مع استراتيجية حقيقية للدبلوماسية…

لابيد يدعو لإنشاء جيش جديد في الجنوب

يعتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أنّ “الحرب المستمرّة بين إسرائيل والحزب هي فرصة، وربّما الأخيرة، للبنان ليصبح دولة طبيعية مرّة أخرى”. لكنّ ذلك يتطلّب…