كيف انقلب العالم العربي على الحزب (1/2): شبكة مافيا وتهريب بلا قضية

مدة القراءة 10 د

 

بقلم ليزي بورتر Lizzie Porter، مجلة بروسبكت Prospect

 

قال لي جواد في بناية سكنية في بيروت: “لم أكن أعرفه حقاً كجندي في حزب الله”. اتسمت نظرته بشيء من التركيز الشديد ما جعل ملامحه تحتدم معاً. “عرفته كأخ، أقنعني ذات مرة أن آكل أظافري لأنه من شأن ذلك أن يجعل قدمي تنمو في معدتي – لقد كان أكبر ممازح ومخادع على الإطلاق. كان حقاً روح المنزل. خيّمت سحابة رمادية في منزلنا منذ … ”

لا تزال وفاة شقيقه في سوريا عام 2014، أثناء مهمة قتالية مع جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية، تؤذي جواد (اسم مستعار). حدث ذلك بعد أشهر فقط من قراره هو نفسه عدم الانضمام إلى الحزب السياسي والميليشيا المدعومين من إيران. يتذكّر بوضوح لحظة رفضه: “تحدّثت إلى أخي الشهيد الذي كان حياً في ذلك الوقت، وقلت له قد لا تناسبني هذه الحياة”. قال لي: “لا بأس، لكني أشعر بخيبة أمل”. بعد تلك المحادثة، لم نعدّل مواقفنا. لم نتحدّث عن الموضوع مرة أخرى. آخر شيء قاله لي هو، “’ أشعر بخيبة أمل’، لكنّ الأمر ما زال نوعًا ما يرنّ في رأسك”.

إقرأ أيضاً: لبنان يحتاج تغييراً وليس حكومةً أخرى فاسدة

كانت خسارة جواد إحدى نتائج شبكة معقدة من الحزن الشخصي، والعنف، والجيوبوليتيكا، والمنافسات الإقليمية والتحالفات الملائمة التي شكّلت – وتشكّلت من خلال – تدخل حزب الله في سوريا. على الرغم من انحسارها من شاشات التليفزيون الغربية، إلا أنّ الحرب السورية ستكمل عقداً من الزمن بحلول آذار/ مارس من العام المقبل. لقد أودت الحرب بحياة مئات الآلاف، وأجبرت الملايين على ترك منازلهم. لقد زعزعت استقرار المنطقة، وأحدثت تحدّيات هائلة للحكومات التي تتعامل مع اللاجئين. مع استحواذ مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ونموذجهم المتطرّف من الإسلام السني على عناوين الأخبار، كان دور حزب الله في الصراع قيد البحث. لكن لولا تدخله المسلّح في سوريا – التوقيت غير واضح على نحوٍ دقيق، لكن جثث المقاتلين كانت تعود إلى لبنان في وقت مبكر من عام 2012 – فلم يكن من المرجّح أن ينجو نظام الأسد. درّب حزب الله قوات مدعومة من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان وتولّى قيادتها، عبر الحدود العراقية السورية. قد لا تكون انتهاكات الحزب للقانون الإنساني في النزاع مروّعة بشكل علني مثل تلك التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها حقيقية، وباقترانها مع دعم ديكتاتور مكروه، فقد أدّت إلى نفور كثير من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين المتعاطفين مع الحزب سابقًا.

 

حزب الله الشجاع

تأسّس حزب الله في سهل البقاع شرق لبنان رداً على الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. بقي لبنان محتلاً من قبل إسرائيل حتى عام 2000. منذ البداية، كانت المجموعة مدعومة من قبل الحرس الثوري الإيراني، القوة العسكرية التي أنشأها آية الله الخميني بعد ثورة 1979. في اللغة العربية، يعني Hezbollah حرفياً “حزب الله”، وهو مشتق من آية قرآنية تعد بالسيطرة لمن يكون مع الله. منذ ذلك الحين، تطوّر الفصيل إلى آلة سياسية، ولديه في البرلمان حالياً 13 نائباً.

بالنسبة لكثير من الأفراد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن حزب الله الذي يقاتل إلى جانب نظام الأسد – المتهم على نحوٍ موثوق بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك الهجمات بالأسلحة الكيماوية – قد شوّه صورته المزروعة على أنه “مقاومة” تتحدّى إسرائيل.

سرعان ما بدأت الآراء تتغيّر بشأن حزب الله في جميع أنحاء المنطقة. في المقابلات الـ 19 التي أُجريت من أجل هذا المقال، وصف سوريون ولبنانيون وفلسطينيون مشاعر القلق المتزايدة تجاه الحزب – وأحياناُ ما قبل تدخلها السوري

قبل الحرب، تقبّل  كثير من السوريين هذا التوصيف. من لم يكن مهتمّاً بالسياسة، فعل ذلك بشكل سلبي. اعتنق آخرون بشكل إيجابي فكرة أنّ حزب الله قوة معادية لإسرائيل. غيث الحلاق البالغ من العمر 35 عاماً، تحدّث معي من شمال إيطاليا حيث فرّ بعد تجنيده في الجيش السوري، فقال إنه يتذكّر خلال طفولته كيف كانت صور قادة حزب الله موجودة في كلّ مكان في سوريا. في بعض الأحيان، كانت صور عائلة الأسد – السلالة الديكتاتورية التي حكمت سوريا منذ سيطرة حافظ الأسد على البلاد في عام 1970 – تتضمّن صور ابنه بشار إلى جانب حسن نصر الله، زعيم حزب الله. قال لي غيث: “أعتقد أنّ الذروة كانت في عام 2000 عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ما منح حزب الله شعبية كبيرة”.

لقد أعرب الكثير من الفلسطينيين عن إعجابهم بمعارك حزب الله ضدّ إسرائيل. وتوضح مروة فطافطة، الناشطة والباحثة الفلسطينية، قائلة: “أتذكّر أننا كنا ملتصقين بقناتهم التلفزيونية المنار 24/7”. ومع عدم وجود دولة خاصة بهم، كان الفلسطينيون “مرتاحين وسعداء للغاية لدرجة أنه كان هناك أخيراً ذلك الفاعل غير الحكومي القادر على الوقوف ضدّ إسرائيل وحماية أرضه باستخدام المقاومة المسلّحة. كان هناك فعلياً عمل مقابل الخطاب الفارغ”، الذي ربط كثير من الفلسطينيين بينه وقيادتهم.

 

مقاومة المقاومة

لكن سرعان ما بدأت الآراء تتغيّر بشأن حزب الله في جميع أنحاء المنطقة. في المقابلات الـ 19 التي أُجريت من أجل هذا المقال، وصف سوريون ولبنانيون وفلسطينيون مشاعر القلق المتزايدة تجاه الحزب – وأحياناُ ما قبل تدخله السوري.

في مايو 2008، استولى مقاتلوه على وسط بيروت بالقوة، بعد اقتراح من الحكومة اللبنانية لوقف شبكات الاتصالات الخاصة بهم. في ذلك الوقت، كان غيث الحلاق يشاهد الأحداث في العاصمة اللبنانية من حلب في شمال سوريا، حيث كان يدرس تكنولوجيا المعلومات في الجامعة. سيطروا على الشوارع والساحات، ومنعوا الناس من الخروج والتظاهر. يتذكّر “لقد كان سلوكًا سيئًا”. “بالنسبة لي، كانت هذه نقطة التحوّل. بدأت أرى الجانب الآخر من حزب الله”.

في بيروت، فتاة شيعية من الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله، تبلغ من العمر 14 عاماً، سأسمّيها لمياء، التقت بأختها الكبرى بعد المدرسة. “أتذكّر أختي التي التقطتني وقالت لي: إنهم يقتلون بعضهم البعض”، وكانت تبكي. أتذكّر كيف كان الملثّمون طوال طريق العودة إلى المنزل، يوقفون السيارة لمعرفة ما إذا كانوا يسمحون لنا بالمرور أم لا، وكان الأمر مخيفًا للغاية”. (طلبت لمياء، البالغة من العمر الآن 26 عاماً، عدم الكشف عن هويتها لأنها قلقة من انتقاد حزب الله علناً). “أعتقد أنه بعد ذلك، أصبحوا خصوماً في لبنان بالنسبة لي. لم يؤذوني بشكل مباشر، لكنهم شكّلوا تهديداً كبيراً لي”.

خيبة الأمل لا تتوقف في لبنان وسوريا. قال عمر شعبان، مدير مركز بال ثينك Pal-Think للدراسات الاستراتيجية ومقره غزة: “توقّف العديد من الفلسطينيين عن دعم حزب الله. الأمر لا يتعلّق بالشيعة أو السنة – بل إنّ حزب الله كان يساعد نظاماً لا يحبه الكثير من الفلسطينيين..”

بعد ثلاث سنوات (من حادثة 7 أيار)، اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك سوريا. مع المظاهرات، جاءت آمال الحرية وسيادة القانون والعدالة بعد سنوات من حكم الديكتاتوريين المسنّين. لكن عقب قمع قوات الأمن السورية للانتفاضات الشعبية في جميع أنحاء البلاد، بدأ حزب الله بتقديم المشورة لنظام الأسد. وسرعان ما أرسل مقاتليه لدعمه – وهم مقاتلون أشدّ شراسة من جنود الجيش السوري – وفي ربيع 2013، قاد الحزب عمليات بهدف الاستيلاء على بلدة القصير التي كان يسيطر عليها الثوار على الحدود السورية اللبنانية. وعلى الرغم من قوته العسكرية، سيُقتل بعض مقاتليه في المعركة، مثل شقيق جواد. لم يصدر حزب الله أيّ أرقام رسمية عن الضحايا، لكن تقديرات مستقلة قدّرت عدد قتلاه في سوريا بأكثر من 1100.

بدأت لمياء برؤية النتائج على أرض الوطن. جنازات مقاتلين سقطوا وراء الحدود مع تطويق شوارع بأكملها، بينما تسير المواكب في أنحاء المدينة. وأوضحت: “فجأة كانت هناك مدافن جماعية، ولم يكن يعرف أحد بعد علانية أنهم كانوا يقاتلون في سوريا”. “أتذكّر أنني تساءلت في ذلك الحين” من أين يأتي كلّ هؤلاء الموتى؟ لا أفهم”. أفضت الجنازات إلى مقبرة بيروت المخصّصة لمقاتلي حزب الله والمعروفة باسم” حديقة السيدة زينب “، على اسم أخت الإمام الحسين، أحد أكثر الشخصيات تبجيلًا في الإسلام الشيعي. كانت حماية الضريح الكبير للسيدة زينب في دمشق من الثوار السنة المعارضين للأسد، أحد الأسباب الرئيسية التي طرحها حزب الله لتسويغ تدخله في سوريا، واصفاً إياه بأنه “الدفاع المقدّس”. المبرّرات الأخرى هي حماية الشرق الأوسط والإسلام من إسرائيل ومن الولايات المتحدة ومن السنة، كما من ممالك الخليج المحافظة سياسياً، وجميعهم يناهضون الأسد. وألقت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله باللوم على هذه الدول في تشكيل “مشروع أميركي سعودي تكفيري”. التكفيري مصطلح ازدرائي يُطلق على الثوار السنة بمن في ذلك أفراد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يسيطر في أوج نشاطه، على مناطق من سوريا والعراق. لقد حجب الخطاب الطائفي “معنا أو ضدّنا”، كيف كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، يقصف داعش، مع حلفاء عراقيين وسوريين.

قال حسين، قائد وحدة في حزب الله، في إشارة إلى الثوار السنة: “نحن لا نحاربهم بسبب هويتهم، لكننا نحارب مشروعهم الإسرائيلي الأميركي”. “يقولون إننا من جئنا إلى أراضيهم، لكننا في الواقع نحارب مشروعهم، لا نحاربهم”.

لكن ليس كلّ الشيعة اللبنانيين مقتنعين بالأسباب الدينية للصراع. يرى البعض أنّ حزب الله يستخدم التوصيف الطائفي لإسكات الانتقادات. وقالت لمياء: “إنهم يستخدمون هذه [الذريعة الدينية] على نحوٍ عدائي كبير”، مضيفة أنّ تأويلات حزب الله للتشيّع لا تمثّل عقيدتها. “الآن إذا كنت لا توافق على قتال حزب الله في سوريا، فأنت لا توالي الإمام الحسين. وعلى الفور، أنت لست مؤمناً صالحاً. أنت لست شيعياً صالحاً، فأنت كذلك لست مسلماً صالحاً.”

عبر الحدود، انقلب السوريون الذين كانوا معجبين بحزب الله عليه. من بينهم أحمد (اسم مستعار)، عمره الآن 32 عاماً. وهو عاش تحت الحصار الذي فرضه حزب الله وقوات النظام السوري على بلدة مضايا الجبلية منذ قرابة عامين. قال لي أحمد من تركيا، حيث فرّ بعد رفع الحصار في نيسان / أبريل 2017: “قبل الحرب كنت معهم تماماً، كنت أظنّ أنهم يقاتلون ضد القمع والظلم، لكنهم ليسوا كذلك”. دور حزب الله في حصار مضايا – التي كانت تحظى بشعبية لدى السياح من دمشق المجاورة، لهوائها النظيف وتلالها المزروعة بأشجار الفاكهة – وُثّق على نطاق واسع من قبل منظمات حقوق الإنسان. وجاء في تقرير شاركت في كتابته عام 2016 منظمتا أطباء من أجل حقوق الإنسان والجمعية الطبية السورية الأميركية: “شدّدت الحكومة السورية وقوات حزب الله المتحالفة معها الحصار حول البلدة، مما أدّى إلى تهجير السكان إلى منطقة جغرافية أصغر من أيّ وقت مضى”.

خيبة الأمل لا تتوقف في لبنان وسوريا. قال عمر شعبان، مدير مركز بال ثينك Pal-Think للدراسات الاستراتيجية ومقره غزة: “توقّف العديد من الفلسطينيين عن دعم حزب الله. الأمر لا يتعلّق بالشيعة أو السنة – بل إنّ حزب الله كان يساعد نظاماً لا يحبه الكثير من الفلسطينيين..”.

تقول مروة فطافطة: “إنّ تدخل حزب الله في سوريا جعل الكثير من الناس يتساءلون عمن تمثّل الجماعة حقًا: “كانت [الحرب السورية] اختباراً حقيقياً لفهم ما إذا كان هذا التضامن مع الفلسطينيين – هل هو فعل حقيقي، هل هو تضامن حقيقي مع قضية اجتماعية وسياسية عادلة؟” سألت بنبرة خطابية. “أم كان نوعاً من الخطاب الذي يساعد في دفع الأجندة السياسية لجهات فاعلة معيّنة، وبما يخدم دعايتهم الخاصة، ويضفي مزيداً من الشرعية عليهم في نظر شعوبهم وفي عيون الآخرين، مثل الفلسطينيين؟”.

 

لقراءة النص كامل اضغط هنا

 

مواضيع ذات صلة

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…