لم يخفِ انزعاجه أحد نواب “قوى المعارضة”، من الذين وقّعوا بيان الـ31 ضدّ رسالة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان. كان أغلب ظنّه أنّ العدد سيكون أكبر من 31 وأشمل سياسياً. وبرأي آخرين أنّ استعداء الشيعة في البيان – الردّ، وتجاهل هواجس السنّة، جعل البيان “مسيحي” أكثر مما يجب، في حين كان يجب أن يكون “وطنياً”. لكن لا مجال للعودة إلى الوراء: هناك قرار سياسي صدر!
للوهلة الأولى بدا البيان الحادّ كأنّه يعلن شبه انقلاب يقوده هؤلاء في مواجهة الحزب وحلفائه، أو كأنّه في صدد الدعوة إلى عصيان مدني وما إلى هنالك من خطوات تصعيدية. أوحى المعارضون بوجود حالة انقلابية داخل البرلمان من شأنها أن تعيد توزيع الأدوار بما يخدم توجّهاتها. فقد رفعت قوى المعارضة سقف خطابها السياسي “إنشائياً”. وأصل البيان هو جواب على السؤالين “الفرنسيين” الرئاسيين، بتسع نقاط “لبنانية”. سؤالان وجّههما لودريان خطياً من خلال السفارة الفرنسية في بيروت إلى 38 نائباً في البرلمان اللبناني.
لكن هل يمكن لهذا الردّ أن يشكّل إعلاناً صريحاً عن مواجهة صريحة ومعلنة ضدّ فرنسا؟ وهل ولدت كتلة سياسية عنوانها 31 نائباً، هم “من تبقّى” من 59 نائباً لنتخبوا المرشّح جهاد أزعور في جلسة 14 حزيران الرئاسية؟
أين واشنطن والعرب؟
يقرأ متابعون أنّ الردّ من خلال بيان على هذا المستوى من التصعيد، هو “كلمة سرّ” أميركية عربية، أرادت أن تضع حدّاَ للمبادرة الفرنسية التي تثابر على إعادة اختراع نفسها مرّةً بعد مرّة. ما يعني أنّه لم يبقَ من المسار الرئاسي سوى الحوار الوحيد بين جبران باسيل والحزب، الذي يمكن أن ينتج رئيساً “في الداخل” على قاعدة الأكثرية النيابية. أو أن يرضى الحزب بالذهاب من الحوار مع باسيل إلى “تقاطع” مع المعارضة من أجل الوصول إلى رئيس توافقي، أو تقاطع باسيل مع المعارضة بالتفاهم مع الحزب.
مصادر من قوى المعارضة قالت لـ”أساس” إنّ نوعاً من الاحتدام السياسي نشأ بين الأفرقاء الموقّعين بعد تباين سياسي عميق أظهرته القراءة السياسية “المبتورة” لكيفية التعاطي مع لبنان الذي يقع الآن في مهبّ الريح
لكنّ الأكيد أنّ 31 نائباً وقفوا للمرّة الأولى ككتلة متراصفة معلنين فتح باب المواجهة سياسياً ونيابياً. وفي ذلك أيضاً ردٌّ على حوار باسيل الحزب. وهؤلاء هم نواة الكتلة ذاتها التي انتخبت ميشال معوّض سابقاً. وإذا استمرّ تبلورها وحظيت برعاية وعناية خارجية وداخلية، قد تتحوّل إلى كتلة ضاغطة أو “بيضة القبّان”. لكنّها ليست “تقريرية”.
فالكتلة بقراءة سياسية “هي بلوك نيابي قائم يتقاطع مع نفسه حسب المصالح ولا يستطيع تحقيق ما هو أبعد من ذلك، فما الذي سيحقّقه هذا العدد من النواب، في حين للثنائي الشيعي وحده عدد موازٍ تقريباً من النواب ولم يستطع وحده أن يحدث خرقاً رئاسياً”.
تقول مصادر سياسية متابعة لملفّ “الكتلة” الجديدة: “لم يعد بالإمكان إنتاج رئيس إلا وفق قاعدة من اثنتين، إمّا رئيس بالأكثرية النيابية وإمّا التوافق الوطني”.
لكن في المقلب الآخر من يقلّل من “وزن” هذه الكتلة: “في الشكل هي عبارة عن مجموعة تلتقي على النكايات السياسية وأنشئت بفعل المزايدة السياسية بين القوات والكتائب، ولكلاهما مختلف عن الآخر في السياسة. وعلى خلفيّة الأزمة ستتكشّف مواقف الأطراف ونواياهم ومحدودية إمكاناتهم. هناك حزب في نيّته التحوّل إلى ميليشيا ليتصدّى، وهو الكتائب، فيما الآخر رهانه على تطوّرات وأحداث خارجية، وهو ما صرّح به رئيس القوات أخيراً”.
إرباك قوى المعارضة
مصادر من قوى المعارضة قالت لـ”أساس” إنّ “نوعاً من الاحتدام السياسي نشأ بين الأفرقاء الموقّعين بعد تباين سياسي عميق أظهرته القراءة السياسية “المبتورة” لكيفية التعاطي مع لبنان الذي يقع الآن في مهبّ الريح”. والسؤال الأساس هنا بحسب هذه المصادر: “ماذا يعني أن يتمّ الحوار الثنائي أو الثلاثي مع الحزب بعد الانتخابات وليس قبلها؟ في حين أنّ البلد بحاجة إلى حوار داخلي بين مختلف القوى السياسية حتى لو استثنت الحزب من هذا الحوار. فقد حاولت المعارضة الحوار فأنجبت مرشّح تقاطعات أحرقته سياسياً أولاً بسبب طبيعة التوصيف وليس آخراً بسبب الارتكاز على ما تريده سياسياً لجهة الاستراتيجية الدفاعية وكيفية تقوية الجيش بما يجعله قادراً على القيام بمهامّ الدفاع الوطني في لحظة سياسية لم يتمّ فيها التوقيع حتى على هدنة وليس اتفاقية تطبيع”. تضيف هذه المصادر: “في لحظة مؤاتية أيضاً يوجد خلاف حقيقي وجدّي على مستوى الترسيم البرّي من الناقورة حتى تلال كفرشوبا”.
تقول مصادر سياسية متابعة لملفّ “الكتلة” الجديدة: لم يعد بالإمكان إنتاج رئيس إلا وفق قاعدة من اثنتين، إمّا رئيس بالأكثرية النيابية وإمّا التوافق الوطني
عداوات داخليّة وضبابيّة خارجيّة
ينتقد أحد أعضاء المعارضة الذين صاغوا ودقّقوا بيانها، في حديث مع “أساس”، “العجلة السياسية والتورّط بسرعة الردّ. كانت هناك مشكلة أساسية في النصّ السياسي، إذ إنّه ركّز على لامركزية إدارية مالية تستفزّ أعداء أكثر ممّا تستفزّ أصدقاء لها، ذلك أنّ المسلمين المتمسّكين بالطائف كما نحن نتمسّك باللامركزية الإدارية التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني. أمّا الحديث عن اللامركزية المالية فهو يعيد البلد إلى السبعينيات”.
بهذا المعنى، وبحسب المصدر: “فقد خاطبت الرسالة غرائز المسيحيين وخوفهم الأقلّوي واستبعدت الشراكة مع السُّنّة فيما استنفرت عداوة شيعية ما كان لها من ضرورة، فالشيعة وإن كانوا جماعة دينية فهم ليسوا تياراً سياسياً منعقد اللواء للحزب”. رغم أنّ هناك بعض النواب السنّة من أصحاب “الحيثية” وقّعوا، هم وضاح الصادق وأشرف ريفي وفؤاد مخزومي وبلال الحشيمي…
إقرأ أيضاً: رسائل لودريان فرنسية أم من اللجنة الخماسية؟
الخصم في الرسالة – الردّ، بحسب المصدر: “هو سلاح الحزب وحتى الحزب نفسه وليس البيئة الشيعية برمّتها”. وقال: “أسوأ ما حصل في هذه الرسالة أنّها تعاطت مع الشأن السياسي الوطني وكأنّ الأمر بين شيعة وموارنة في حين أنّ البلد مكوّن من 18 طائفة، غير العلمانيين والمدنيين”.
وردّاً على سؤال، يبدي أكثر من نائب من قوى المعارضة إيمانهم بتكتّلهم بينما يشكّك آخرون في إمكانية النجاح في قلب موازين القوى داخل البرلمان وخارجه. يمكن اختصار دور هذه “الكتلة” برفع البطاقة الحمراء في وجه أيّ اندفاعة فرنسية تتلاقى مع تطلّعات الحزب وحلفائه.