قمّة مصر: علاج من الجذور وحلّ تاريخيّ… بدولتين

مدة القراءة 7 د


غالباً ما كانت تُقرأ المعارك والحروب في هذه المنطقة من عناوينها لاستنتاج مسارها ونهايتها ونتائجها. غير أنّ عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لهذا العام قلبت المعادلات السياسية رأساً على عقب وفتحت أبواب مرحلة ضبابية تصعب قراءة مراحلها المقبلة.
في السابع من أكتوبر 2023 قلبت أحداث غزّة العالم وليس فقط الإقليم. ثمّ جاءت مجزرة المستشفى المعمداني لتكون نقطة تحوُّل حاسمة في الصراع. فهو ليس صراعاً عسكرياً أمنيّاً سياسياً فقط، بل هو معركة إعلامية يتسابق عليها المتقاتلون.
بعد قصف المستشفى عمّت التظاهرات مدن العرب وأوروبا تضامناً مع غزّة. وصلت دماء أطفال غزّة إلى قلب الولايات المتحدة حيث تجمّع يهود داخل الكونغرس واعتصموا رفضاً للعدوان على غزّة.
اشتعلت في عواصم أوروبا صفّارات الإنذار السياسية أيضاً، في الساحات والمطارات، وتعدّدت أعمال القتل على خلفية دينية سياسية. لم تعُد الحرب في غزّة فقط، بل تمدّدت إلى العالم الذي سيجتمع قادته في القاهرة غداً السبت بحثاً عن حلّ سياسي سبق أن طُرح منذ أعوام، بدءاً من اتفاق أوسلو (1994) وصولاً إلى المبادرة العربية للسلام في بيروت (2002)، وكانت إسرائيل أوّل من رفضه. فكيف سيواجه العرب الزلزال الذي أحدثته “حماس” في غزّة وأعادت به القضية الفلسطينية بنداً أوّل في جدول أعمال العالم بعدما كانت قضية منسيّة؟

قمّة إقليميّة دوليّة: لحلّ سياسيّ للقضيّة الفلسطينيّة
يوم دعا الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إلى عقد قمّة إقليمية دولية لم تكن إسرائيل قد ارتكبت مجزرتها في المستشفى المعمداني بعد، بل كان يجري الإعداد لقمّة رباعية كان مقرّراً أن تُعقد في عمّان مع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيسين المصري والفلسطيني في ضيافة الملك الأردني.
أُجهض هذا اللقاء بفعل قصف المستشفى وجرى التنسيق بين هذه الدول نفسها عن بعد.

تقول مصادر مسؤولة في الجامعة العربية إنّه بين مسار الحرب ومسار السلم سنختار مبادرة السلام، على أن تكون السلطة الفلسطينية المخوّلة إجراء المفاوضات

قالت مصادر سياسية أردنية لـ”أساس” إنّه لم يكن هناك أيّ خيار للملك الأردني سوى أن يلغي القمّة الرباعية، “لا سيما مع اشتعال شوارع العالم العربي تنديداً بالضربة الإسرائيلية”. غير أنّ ذلك لم يمنع استكمال مسار الإعداد لقمّة ستُعقد السبت في القاهرة على مستوى رئاسي.
مصادر “أساس” أكّدت أنّ “لبنان وسوريا وفلسطين وإسرائيل غير مدعوين على القمّة على اعتبار إنّهم طرف في الصراع، وفي اللحظة الأخيرة وجهت دعوة إلى فلسطين، غير أنّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش كان قد اتصل برئيس الحكومة نجيب ميقاتي وأبلغه عن أنّ هدف القمة الأول هو وقف اطلاق النار”.
وستحضر دول القرار المعنيّة إلى مصر للعمل على لملمة تداعيات الانفجار في غزّة:
– الدولُ الخمسُ الدائمةُ العضويّةِ في مجلس الأمن، أي الولاياتُ المتحدة الأميركيةممثلة بوزير خارجيتها، فرنسا، بريطانيا، روسيا والصين.
– بالإضافة إلى إسبانيا وألمانيا والنروج والأمينِ العامّ للأمم المتحدة.
– ودول مجلس التعاون الخليجي.
-إلى جانب الأردن والعراق وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا.
– وبالطبع تركيا.
وعلى جدولِ أعمالِ قِمّةِ السبت:
– وقفٌ فوريٌّ لإطلاق النار.
– إيصالُ المساعداتِ ومنعُ التهجير من القطاع إلى سيناء.
– إدانةُ التعرّضِ للمدنيين من الجهتين.
– تفعيلُ المباردةِ العربية للسلام التي أُقرّت في قمّةِ بيروت عام 2002.

حسام زكي: إدانة قتل المدنيّين من الطرفين
يقول الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في حديث تلفزيوني إنّه لا حلّ للقضية الفلسطينية سوى حلّ الدولتين، على أن تكون قمّة القاهرة باب معالجة المشكلة من جذورها، وليس فقط المعركة الآنيّة، أي أنّ الحلّ يجب أن يكون على مستوى تاريخي، وليس لوجستياً أو سياسياً آنيّاً.

تشير مصادر دبلوماسية متابعة لأعمال القمّة في القاهرة العاصمة الإدارية إلى أنّ هذا البند سيُعتبر أساسياً ومنطلقاً للمطالبة بوقف العدوان وإدخال المساعدات وإخراج الأجانب عبر معبر رفح

لكن قبل ذلك، ستعمل القمّة على معالجة الوضع المتفاقم في غزّة. وفي معلومات “أساس” أنّ جدلاً ونقاشاً يدوران في أروقة الجامعة العربية حول البنود التي أُقرّت في اجتماع وزراء الخارجية منذ أسبوع في القاهرة. ويفترض أن تكون المقرّرات نفسها موضوعة على طاولة يوم السبت.
واحد من المقرّرات الإشكالية هو بند “إدانة قتل المدنيين من الجهتين”. يعلّق زكي على هذا البند قائلاً إنّ النقاش انطلق من وقع صور عملية 7 أكتوبر على العالم وعمليات الخطف التي قامت بها “حماس”، وبالتالي راعى هذا البند الاحتجاج العالمي على الصور المنشورة، فكان مخرج جامعة الدول العربية أن تدين “قتل المدنيين”، سواء أكانوا إسرائيليين أو فلسطينيين.
تشير مصادر دبلوماسية متابعة لأعمال القمّة في القاهرة العاصمة الإدارية إلى أنّ هذا البند سيُعتبر أساسياً ومنطلقاً للمطالبة بوقف العدوان وإدخال المساعدات وإخراج الأجانب عبر معبر رفح.

حلّ الدولتين: أيّ دولة فلسطينيّة؟
تقول مصادر مسؤولة في الجامعة العربية إنّه بين مسار الحرب ومسار السلم “سنختار مبادرة السلام، على أن تكون السلطة الفلسطينية المخوّلة إجراء المفاوضات”.
بالتوازي، لا تبدو هذه السردية منطقية بالنسبة إلى محور الحركات المقاومة، وعلى رأسها إيران. وتتحدّث مصادر سياسية إيرانية لـ”أساس” قائلة إنّ مسار السلام انطلق منذ اتفاق أوسلو يوم وافق الجميع بمن فيهم السلطة الفلسطينية الضعيفة يومها واعترض الإسرائيلي فسقط الاتفاق مباشرة.
يختلف اليوم وضع المقاومة الفلسطينية التي لم تعد ضعيفة، بل هي في ذروة قوّتها ويحميها محور متماسك. فما الذي سيجعل مسار السلام سالكاً إذا اعترضت عليه الفصائل المتقدّمة فلسطينياً اليوم؟
تُضاف هذه الإشكالية إلى واقع آخر لا يقلّ تعقيداً: فما هي أراضي الـ67؟ وهل إسرائيل مستعدّة للذهاب إلى هذا الحلّ في أيّ مفاوضات سلام؟ و”عن أيّ دولة نتحدّث؟”، كما سأل وليد جنبلاط.
لا مؤشّرات توحي بذلك على الرغم من كلّ الكلام عن قرار دولي اتُّخذ بتصفية سياسية وعسكرية لحركة حماس في غزّة، والاستعداد لانسحاب بنيامين نتانياهو من المشهد الإسرائيلي مقدّمة لاعتبار أنّ أيّ اتفاق في هذا الصراع سيُقصي اليمين لمصلحة الاعتدال من الجهتين.
ستُعقد قمّة القاهرة وسط شكوك ليس في إمكانية تحقيقها أيّ تقدّم في مسار الحلّ السياسي وحسب، بل في مساعدة حقيقية لغزّة بعدما عجزت كلّ جلسات مجلس الأمن عن انتزاع قرار وقف النار لإدخال المساعدات الإنسانية فقط.

إقرأ أيضاً: فرصة القرن أو حربه الكبرى: نتانياهو.. ومفاتيح الحرب والسلام

لبنان: لا حرب…؟
يقول مصدر إعلامي إيراني لـ”أساس” إنّ موقف الرئاسة الإيرانية وقول وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إنّ “الوقت بدأ ينفد” في ظلّ استمرار العدوان على غزّة ليسا سوى “موقف في معادلة الردع في المنطقة، مثلهما مثل وصول حاملات الطائرات الأميركية”. ويضيف أنّ “المقاومة في غزّة حاضرة وقادرة على الصمود ولا تحتاج إلى تدخّل من الحزب أو إيران”. ويخلص إلى أن “لا إرادة لتوسيع الحرب في المدى المنظور لأنّ أيّ حرب متى حان وقتها ستكون حرباً كبرى لا حرباً كحرب تموز مثلاً. ولذا لا جدوى من فتح معركة يمكن أن تكون مدمّرة للبنان، لكن لا تدمّر ولا تمحي إسرائيل من الوجود”.
يراقب هذا المحور المسار العربي المواكب لأحداث غزّة، معتبراً أنّ “مسار السلام وإن عملت عليه عواصم العالم كلّها يبقى ناقصاً وغير قابل للتنفيذ من دون موافقة الحركات المقاومة التي تقدّمت التمثيل الفلسطيني ومن دون وقف جرائم الحرب الإسرائيلية التي لا تأبه لأيّ مسار سلام بل تسعى دائماً إلى تهجير أهل غزّة إلى سيناء وأهل الضفّة إلى الأردن”.
لكن في لبنان: “لا حرب… لأنّه لا داعي لها”.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…