سيكون هناك آلاف الضحايا من الجانبين قبل أن تتمّ معرفة عدد الجثث السياسية والنتائج السياسية المترتّبة على العمليات التي باغتت فيها “حماس” إسرائيل بشكل غير مسبوق، معيدةً التذكير بحرب الغفران منذ خمسين عاماً.
لجان تحقيق إسرائيلية
الفشل الاستخباري الإسرائيلي في إحباط عملية عسكرية بحجم العملية التي نفّذتها حماس، من المؤكد أن تدفع ثمنه رئاسة الأركان والاستخبارات العسكرية وربّما الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتانياهو، لكن بعد نهاية جولة طويلة من العمليات العسكرية. من المؤكّد أنّه سيكون هناك لجان تحقيق واستقالات داخل المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيلية. أصبح واضحاً أنّ الاعتماد على التقنيات الحديثة لجمع المعلومات الاستخبارية غير كافٍ لإحباط عمليات تقودها مجموعات مسلّحة مدرّبة محقونة بأيديولوجية دينية، وسيكون من الضروري العودة إلى جمع المعلومات بالطرق التقليدية. بدورها ستلقي الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية بعض اللوم على الأجهزة الأمنيّة الفلسطينية التي كانت تنسّق معها لمنع الفصائل الفلسطينية من شنّ عمليات ضدّ إسرائيل، وهذا ستكون له تداعيات سلبية على السلطة الفلسطينية وأبي مازن الذي سيشهد تهميشاً أكثر ممّا هو عليه الآن. سيستفيد نتانياهو مؤقّتاً من الوضع الحالي. الانقسامات الداخلية نتيجة التعديلات القضائية التي أدخلتها حكومة اليمين المتطرّفة وفجّرت الوضع الداخلي، سيتمّ تأجيلها إلى ما بعد حالة الحرب التي أعلن نتانياهو أنّ إسرائيل دخلتها. لكنّ المعارضة الداخلية ستعود إلى لوم نتانياهو على إضعاف إسرائيل نتيجة الانقسامات الداخلية، معتبرةً أنّ هذا ما شجّع حركتَي حماس والجهاد الإسلامي على شنّ عمليات عسكرية غير مسبوقة. ستنتقل الاتّهامات السياسية المتبادلة إلى الولايات المتحدة حين يبدأ الجمهوريون بإلقاء اللوم على إدارة بايدن التي تخوض انتخابات رئاسية لعدم وقوفها إلى جانب إسرائيل وعدم التشدّد مع إيران الداعم الأساس لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي. وستكون هناك انتقادات موجّهة إلى الاستخبارات الأميركية التي لم تلتقط أيضاً أيّ إشارات توحي بأنّ “حماس” تستعدّ لعملية بهذا الحجم وإلّا كانت تشاركتها مع الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية.
سيكون هناك آلاف الضحايا من الجانبين قبل أن تتمّ معرفة عدد الجثث السياسية والنتائج السياسية المترتّبة على العمليات التي باغتت فيها “حماس” إسرائيل بشكل غير مسبوق
موقف الغرب
سارعت العواصم الغربية التي انتقدت حكومة اليمين المتطرّفة في إسرائيل إلى إدانة عمليات حركة حماس “الإرهابية” وإعلان دعمها لإسرائيل. جدّد الرئيس الأميركي بايدن الدعم “الصلب” و”الثابت” لإسرائيل في اتصال مع نتانياهو، وحذّر أيّ طرف معادٍ لإسرائيل من استغلال الوضع. ليس دعم البيت الأبيض لإسرائيل بجديد، لكنّ عواطف بايدن أثناء شجب العملية قد تكون محاولة منه لاحتواء نتانياهو وتجنّب ذهاب إسرائيل إلى عمليات عسكرية قد تؤدّي إلى حرب إقليمية، وتحديداً إذا قرّرت إسرائيل القيام بعملية عسكرية ضدّ إيران في حال تبيّن أنّ إيران لم تقدّم دعماً مادّياً وعسكرياً فقط، بل كان لها دور في تنفيذ العملية. ومن الطبيعي أن يحاول نتانياهو استغلال الوضع للحصول على مكتسبات من واشنطن كانت إدارة بايدن تتردّد بالاستجابة لها، ومنها ذخائر متطوّرة قد تستعملها إسرائيل لضرب أهداف نووية في إيران والوصول إلى رصد استخباري أميركي وصور رصد مرئي في الوقت الفعليّ.
جاء انفجار الوضع بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد مرور أسبوعين على تصريحات عن قيام شرق أوسط جديد، لكنّ الواقع أنّ المنطقة تعود إلى الشرق الأوسط التقليدي وتعقيداته بعيداً عن اتفاقيات التطبيع والصفقات التجارية.
مصير التطبيع
يتساءل الخبراء والمحلّلون عن مصير الاتفاق السعودي الإسرائيلي الذي كان متوقَّعاً بعد موجة التفاؤل التي تلت تصريحات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ونتانياهو عن تقدّم في المفاوضات. من الصعب الآن المضيّ بعملية تطبيع، واحتمال تجدّد المفاوضات بعد هدوء العمليات العسكرية يتوقّف على حجم الضحايا في الجانب الفلسطيني وما قد ينجم عن ذلك من ردود فعل في العواصم العربية المتعاطفة مع الفلسطينيين. في هذه الأثناء يتمّ الحديث مع الأطراف العربية التي يمكن أن تلعب دوراً في التوصّل إلى وقف إطلاق نار ومفاوضات لإطلاق الأسرى الإسرائيليين. وهنا تعود إسرائيل وواشنطن إلى معسكر السلام التقليدي لا إلى دول اتفاقية “أبراهام”. مصر هي المخوّلة لعب دور في التواصل مع الفلسطينيين، وأمّا قطر فهي جاهزة لبدء مفاوضات تبادل الأسرى والسجناء لما لها من علاقات وثيقة مع “حماس” واتصالات مع إسرائيل.
إقرأ أيضاً: غطاء نوويّ شامل لدول الخليج؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@