يبدو أنّنا دخلنا “العهد القيصري” على حين غرّة، لكننا نرفض أن نعترف. الحكومة تناقش “قانون قيصر” الأميركي، تبحث في تبعاته ثم تنفض يدها منه وتقول “لا يعنيني”، إلا أنّ الوقائع على الأرض تقول خلاف ذلك. فهل بدأت المفاعيل بالظهور ابتداء من حركة الطيران السوري المدني باتجاه بيروت؟
دخل الأراضي اللبنانية عبر الحدود السورية عند نقطة المصنع، يوم الثلاثاء الفائت، 150 لبنانياً مقبلين من العاصمة دمشق. هؤلاء، إضافة إلى 150 آخرين وصلوا الأراضي اللبنانية أمس الخميس، كان يُفترض أن يعودوا جواً برفقة سوريين يحملون إقامات أوروبية، عبر مطار رفيق الحريري الدولي، على متن 3 طائرات تابعة لـ”الطيران السوري” تصل تباعاً. إلا أنّ مذكرة وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي، صباح الثلاثاء، أفادت بإلغاء الرحلات، في ما بدا وكأنّه إجراء يخصّ “قانون قيصر” الذي سيُخضع النظام السوري وكلّ من يتعاون معه، إلى عقوبات قد تبدأ الإدارة الأميركية بفرضها على المخالفين منتصف الشهر الحالي.
مديرية الطيران المدني في مطار رفيق الحريري الدولي كانت قد تلقّت، قبل نحو أسبوع، طلباً مصدره محطة “الطيران السوري” في بيروت، للموافقة على تنظيم 3 رحلات متتالية مقبلة من دمشق إلى بيروت (أيام الثلاثاء والأربعاء والجمعة) لصالح شركة “نخّال ترافل” للسياحة اللبنانية، وذلك لنقل سوريين يحملون إقامات أوروبية من بيروت إلى أوروبا بواسطة طائرات أخرى غربية، لأن الطيران السوري لا يمكنه التوجّه إلى هناك.
إقرأ أيضاً: قانون قيصر في لبنان: التهريب يعرقل مفاوضات “صندوق النقد”
المدير العام للطيران المدني بالتكليف فادي الحسن، نفى في اتصال مع موقع “أساس”، أن يكون الإلغاء سببه “قانون قيصر”، كاشفاً أنّ مالك الشركة السياحية، إيلي نخال الذي زاره قبل أيام، أخبره في حينه، أنّ الشركة “سيّرت رحلة واحدة لهذا الغرض، ولن تستمرّ في ذلك مستقبلاً” لأسباب لم يذكرها. الحسن رفض أن يكون للبنان علاقة بالقانون الأميركي، لكنّه استدرك بالقول، إن أقصى التزام لبنان في حال وُضع الطيران السوري على لائحة العقوبات الأميركية، سيكون “عدم تزويد هذه الطائرات بالوقود”، على غرار الطائرات الإيرانية (Mahan وIran air) التي تحطّ في مطار بيروت من دون تزويدها بالوقود عملاً بالعقوبات الاميركية التي تلتزم بها شركات الوقود.
إلا أنّ المادة 101 من “قانون قيصر” التي تحمل عنوان “العقوبات المتعلّقة بالبنك المركزي السوري والأجانب المنخرطين في تعاملات”، وهي تحدّد نوع هذه التعاملات وتذكر في واحدة من بنودها أنّ “بيع أو تزويد طائرات مدنية أو قطع غيار أو سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أساسية ذات صلة بتشغيل الطائرات أو شركات الخطوط الجوية لأيّ شخص أجنبي يعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية” يخضع للعقوبات.
معلومات خاصة حصل عليها “أساس” تفيد بأنّ الطائرات الإيرانية الخاضعة للعقوبات تحطّ في مطار رفيق الحريري الدولي بقوة الأمر الواقع، وليس في الشكل المعتاد الذي تقوم به شركات الطيران الأخرى. حتى عملية دفع الرسوم لمديرية الطيران المدني تحصل من خارج النظام الإداري المتعارف عليه في عالم الطيران (Ad hoc)، أي عند الضرورة، ومن خلال دفع الرسوم بالليرة اللبنانية وبفواتير تحمل اسم شركات طيران أو شركات سياحية وهمية، وكلّ ذلك لتجنّب عيون “منظمة الطيران المدني الدولي” (ICAO) و”اتحاد النقل الجوي الدولي” (IATA).
أضف إلى ذلك، أنّ الطيران الإيراني لا يخضع لنظام BHS أو BRS الخاص بتعقّب حركة المسافرين وأمتعتهم، لتصبح الطائرة الإيرانية متفلتة من أيّ رقابة ملاحية، مثل الـ”فان” الذي يستقلّه المواطنون بأريحية، بين العاصمة بيروت وضواحيها الجنوبية، ولعلّ هذا ما ينتظر الطيران السوري في مطار بيروت أيضاً.
مصدر في محطة “الطيران السوري” في لبنان، رجّح أن يكون مالكو شركة نخّال “خائفين” من كشف هذه التفاصيل في الصحافة وعبر وسائل الإعلام، وقال في المقابل إنّ المعلومات التي استقاها من إدارته في العاصمة دمشق، تحدّثت عن عوائق مالية تخصّ عدد الركاب القليل
مالك شركة “نخّال ترافل” إيلي نخّال، نفى بدوره في اتصال مع “أساس”، أن يكون له رحلات من سوريا إلى بيروت، قائلاً إنّ رحلاته متوقفة منذ أشهر بسبب جائحة كورونا، لكن حينما أخبرناه بما قاله الحسن، حمّل الموضوع لوكيل “الطيران السوري” في لبنان، مفترضاً أنّه “هو من طلب تسيير هذه الرحلات” وليس شركته، مذكّراً أنّ “قانون قيصر” سيبدأ العمل به منتصف هذا الشهر “ومن الآن إلى حينه قد تختلف الأمور”.
مصدر في محطة “الطيران السوري” في لبنان، رجّح أن يكون مالكو شركة نخّال “خائفين” من كشف هذه التفاصيل في الصحافة وعبر وسائل الإعلام، وقال في المقابل إنّ المعلومات التي استقاها من إدارته في العاصمة دمشق، تحدثت عن عوائق مالية تخصّ عدد الركاب القليل، والتي حالت دون تسيير الرحلات. لكن واحدة من اللبنانيين الـ150 العائدين عبر نقطة المصنع يوم الثلاثاء، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، كشفت لـ”أساس” أنها كانت متحمّسة للعودة جواً على متن واحدة من الرحلات الثلاث، لكنّ إلغاءها حال دون ذلك، ولهذا اضطرت أن تتحمّل “مضايقات عناصر التفتيش السوري” عند الحدود البرية، الذين باتوا “يظهرون تشدّداً غير مسبوق مع اللبنانيين ويحتجزونهم من دون سبب لساعات طويلة”.
المصدر نفسه (محطة “الطيران السوري”) كشف أيضاً أنّ الشركة (نخّال ترافل) قد تقدّمت مجدّداً بطلب لاستئجار طائرة سورية في العاشر من الشهر الحالي، بغية تسيير رحلة مشابهة لتلك الرحلات التي أُلغيت، وربما هذا ما يفسّر تركيز نخّال خلال حديثه معنا، على “مهلة منتصف الشهر” التي سيبدأ من بعدها تطبيق العقوبات بموجب “قانون قيصر”… لتتقاطع المعطيات كلها في المحصّلة، عند حقيقة واحدة تفيد باستحالة تجاهل إدارات الدولة والشركات اللبنانية لقانون “قيصر” الأميركي.