“مواجهة هجمات المتمرّدين الحوثيين المتطوّرة بشكل مذهل للحركة البحرية في البحر الأحمر وشمال بحر العرب وغرب المحيط الهندي مهمّة صعبة لن تنجح فيها عملية “حارس الازدهار” Prosperity Guardian المتعدّدة الجنسيات للقوات البحرية المشتركة، التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أخيراً، ما لم تتضمّن الاستعداد لضرب الدولة الراعية إيران وما لم تتوسّع لتشمل السعودية والإمارات العربية والمزيد من دول العالم، إضافة إلى القطاع الخاصّ البحري”.
هذه خلاصة مقال كتبه القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي “NATO”، جيمس ستافريديس، الذي يتوقّع أن تستمرّ التوتّرات والهجمات الحوثية بالتصعيد في البحر الأحمر، مدفوعةً إلى حدّ كبير بـ”الثيوقراطية الإيرانية”. واعتبر أنّه إذا لم تتمكّن هذه القوّة المتعدّدة الجنسيات من حماية الشحن التجاري بالكامل في هذه المنطقة، فسيكون من الضروري شنّ ضربات مباشرة على المتمرّدين اليمنيين والأصول الإيرانية.
يجب أن يكون هناك صورة استخبارية متكاملة تماماً في عملية “حارس الازدهار”. فالمساحة البحرية التي يجب تغطيتها واسعة بشكل ملحوظ
خبير “قراصنة” و”هجمات”: القصف هو الحلّ
ستافريديس، وهو أيضاً أميرال متقاعد من البحرية الأميركية، كما أوضح في مقال نشره موقع “بلومبرغ”، “يعرف هذه المياه جيّداً، بالإضافة إلى عمليات الانتشار العديدة، كقائد لمدمّرة صواريخ موجّهة وكعميد في سرب مدمّرة”، حيث قاد مجموعة هجومية من حاملات الطائرات في المنطقة كأميرال خلفي بنجمة واحدة. وعندما كان قائداً عسكرياً لحلف الناتو في أوائل عام 2010، أنشأ فرقة عمل لمحاربة القراصنة الصوماليين قبالة القرن الإفريقي. ويعتقد استناداً إلى تجاربه هذه أنّ “هذه المهمّة الجديدة ستكون ناجحة، شريطة أن تحترم القوّة بعض المبادئ الأساسية”. وهو يدعو إلى الآتي:
– أوّلاً، يجب فهم ما الذي يدفع إلى هذه الزيادة في هجمات المتمرّدين الحوثيين الذين تشجّعهم وتدرّبهم طهران ويزعمون أنّها للردّ على الهجمات الإسرائيلية ضدّ حماس في قطاع غزة، بينما التفسير الأرجح هو أنّهم يثبّتون نقاط ضعف تمكّن إيران من شنّ هجمات مستقبلية ضدّ المصالح الغربية، وهو ما قد يؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط الذي سيستفيد منه الإيرانيون ويزيد الضغوط الغربية على إسرائيل لحملها على خفض هجماتها في غزة.
لذلك على الولايات المتحدة وشركائها الاستعداد لتنفيذ ضربات هجومية ضدّ أهداف على اليابسة باستخدام صواريخ توماهوك أو طائرات هجومية من حاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور”، التي تقوم الآن بدوريّات في خليج عُمان. ومثل هذه الضربات مشروعة بموجب قانون الحرب، ويجب أن تستهدف البنية التحتية للحوثيين في جنوب شبه الجزيرة العربية. وإذا لم يكن لها تأثير مهدّئ على أنشطة الحوثيين، فسيكون من المناسب تماماً ضرب الدولة الراعية إيران، وخاصة بنيتها التحتية البحرية في شمال المحيط الهندي والخليج، وكذلك منصات النفط والغاز ومرافق الموانئ وسفن الدوريات التابعة للحرس الثوري الإسلامي. يجب السعي إلى تجنّب المزيد من التصعيد، لكنّ على الحوثيين وطهران أن يفهموا أنّ هناك ثمناً حقيقياً يجب دفعه.
على الولايات المتحدة وشركائها الاستعداد لتنفيذ ضربات هجومية ضدّ أهداف على اليابسة باستخدام صواريخ توماهوك أو طائرات هجومية من حاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور”، التي تقوم الآن بدوريّات في خليج عُمان
– ثانياً، يجب أن يكون هناك صورة استخبارية متكاملة تماماً في عملية “حارس الازدهار”. فالمساحة البحرية التي يجب تغطيتها واسعة بشكل ملحوظ. ويكمن مفتاح النجاح هنا في المراقبة الواسعة النطاق من خلال معلومات الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار البعيدة المدى، وهي أجهزة تقوم معظم الدول بتشغيلها لتسجيل المعلومات. لكنّ المفتاح سيكون التنسيق بين الشركاء الجدد: إذ يجب إدخال كلّ هذه البيانات إلى مركز قيادة فرقة العمل، الذي قد يكون في مقرّ الأسطول الخامس الأميركي في المنامة بالبحرين. والفرقة منشأة حديثة لا تتمتّع فقط بقدرات استخبارات الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، لكن أيضاً بالذكاء البشري ومراقبة الهواتف الخلوية والتحليلات المفتوحة المصدر والكثير من تدفّقات البيانات المتحالفة التي تُجمع جميعها معاً. وقد أُتيحت للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الفرصة لممارسة هذا النوع من التعاون خلال ذروة عمليات القرصنة الصومالية، على الرغم من أنّ الخصم هناك أسهل بكثير من الحوثيين.
ضمّ السعودية والإمارات
– ثالثاً، يجب على الولايات المتحدة توسيع دائرة حلفائها وشركائها. لم يرتبط السعوديون رسمياً بعد بعملية “حارس الازدهار”، لكنّهم أعضاء أساسيون نظراً لشبكتهم الواسعة من القواعد البحرية على البحر الأحمر. أمّا دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم ترتبط بعد أيضاً، فهي تمتلك سفناً حربية عالية الأداء وقدرات قوية لجمع المعلومات الاستخبارية. المشكلة هي أنّ لدى البلدين الخليجيَّين آراء متباينة حول كيفية التعامل مع مشكلة الحوثيين: تدعو الإمارات إلى عمل عسكري قويّ ضدّ المتمرّدين، بينما تريد الرياض نهجاً أكثر دقّة. يجب إقناع الدولتين بتنحية هذا الخلاف جانباً والتعامل مع الأزمة المباشرة. ويمكن أيضاً إشراك الاتحاد الأوروبي مباشرة في فرقة العمل: فقد كانت لديه مهمة نشطة لمكافحة القرصنة، وهي عملية أتالانتا، منذ عام 2008.
– رابعاً، تتعلّق الأهداف بالشحن التجاري إلى حدّ كبير، لذلك ستحتاج الولايات المتحدة إلى التعامل مع القطاع الخاصّ على نطاق أوسع، وذلك من خلال العمل مع أكبر شركات الشحن، مثل “ميرسك” و”إم إس سي” و”بريتيش بتروليوم”، التي أوقفت جميعها عمليّاتها مؤقّتاً في البحر الأحمر. التعامل يجب أن يكون من خلال “المنظمة البحرية الدولية”، التي هي وكالة تابعة للأمم المتحدة ومقرّها لندن، وكانت خلال عمليات مكافحة القرصنة قبل عقد من الزمن بمنزلة منظّم رئيسي للتعاون بين القطاعين العامّ والخاصّ.
إقرأ أيضاً: أكاديميّ بريطانيّ: قتل مدنيّي غزّة “عقيدة” قتاليّة إسرائيليّة
ويخلص ستافريديس، الذي يشغل حالياً منصب العميد الفخري لكلّية “فليتشر للقانون والدبلوماسية” في “جامعة تافتس” إلى القول إنّ “مواجهة المتمرّدين الحوثيين المدرّبين جيّداً والمسلّحين جيّداً والموجّهين من قبل إيران ستكون أمراً صعباً، لكنّ عملية “حارس الازدهار” التي تبني على الدروس المستفادة من مكافحة القرصنة في الصومال وتكيّفها مع التهديدات الجديدة، هي خطوة في الاتجاه الصحيح”.
* تأسّست القوات البحرية المشتركة (The Combined Maritime Forces) عام 2002 من 38 دولة هي: أستراليا، البحرين، بلجيكا، البرازيل، كندا، الدنمارك، جيبوتي، مصر، فرنسا، ألمانيا، الإمارات، اليونان، الهند، العراق، إيطاليا، اليابان، الأردن، كينيا، كوريا الجنوبية، الكويت، ماليزيا، هولندا، نيوزيلندا، النروج، عُمان، باكستان، الفلبين، البرتغال، قطر، السعودية، سيشيل، سنغافورة، إسبانيا، تايلند، تركيا، اليمن، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة.
يقع مقرّ هذه القوات في القاعدة البحرية الأميركية في البحرين، وتهدف بحسب موقعها الرسمي إلى دعم النظام الدولي القائم على القواعد ومكافحة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر والخليج، وتعزيز الأمن والاستقرار عبر نحو 3.2 ملايين ميل مربع من المياه الدولية، التي تشمل بعضاً من أهمّ ممرّات الشحن في العالم.
* تأسّست فرقة العمل المشتركة (CTF 153)، التابعة للقوات البحرية المشتركة، في 17 نيسان 2022، ومهمّتها، بحسب الموقع نفسه، ضمان الأمن البحري الدولي وبناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. وكانت بقيادة مصر قبل أن تتسلّم قيادتها الولايات المتحدة الأميركية في حزيران الماضي.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا