فلسطين تقاتل… وإيران تنتصر

مدة القراءة 5 د


شيءٌ من الانتصار على إسرائيل تحقّق. لا ريب في ذلك. صورة الدولة التي لا تُقهر، تهشّمت. إسرائيل اليوم أقرب ما تكون إلى توصيف الأمين العام للحزب، وممثّل الخامنئيّة على “الساحة” اللبنانية، حسن نصر الله.

لنقُل “الجبهة اللبنانية” لا “الساحة اللبنانية”، ما دامت إيران ترفع فلسطين وتحريرها عنواناً عريضاً لها، تندرج تحته جبهات تبعد عنها -أي عن فلسطين- أكثر ممّا تبعد إيران نفسها ربّما، وما دام في هذه الجبهة اللبنانية لا توجد قوى خارجية وإقليمية لها ثقل يؤخذ في الحسبان.

ربّما هذا ما كان في خلفيّة حاصري المقاومة من الجبهة اللبنانية، في الحزب لا غير، مطلع تسعينيات القرن الماضي، وفي أوج سيطرة الجيش السوري على لبنان.

شيءٌ من الانتصار على إسرائيل تحقّق. لا ريب في ذلك. صورة الدولة التي لا تُقهر، تهشّمت. إسرائيل اليوم أقرب ما تكون إلى توصيف الأمين العام للحزب، وممثّل الخامنئيّة على “الساحة” اللبنانية، حسن نصر الله

دول أم جبهات؟

ما تمّ بالتوافق والتراضي في الجبهة اللبنانية، بين الإيرانيين والسوريين، تمّ في غيرها من الدول-الجبهات، وإن بغير تراضٍ ولا توافق. ثمّة توجّه إيراني كشف عن وجهه في كلّ الدول العربية التي وطأها الإيرانيون وهم يصدّرون “ثورتهم”.

لا تريد إيران دولاً قائمةً بذاتها ولذاتها في الإقليم “الإيراني”، الممتدّ على امتداد القضية الفلسطينية، من حدودها الغربية وصولاً إلى اليمن حتى اللحظة. تريد جبهات متنوّعة التهديدات، جبهات عدّة لا جبهة واحدة.

جبهات عديدة وكثيرة كلمة سرّها “توحيد الساحات”، الشعار الذي أطلقه الأبرز بين رجال إيران في الإقليم، أي نصر الله. تهديد ووعيد من الحوثي في اليمن، ومثله من الحشد الشعبي في العراق، وتلويح بتدخّل وتحرّكات خجولة في الجبهة السورية متعدّدة الوظائف، وكلام تخطّى التهديد والوعيد في الجبهة اللبنانية.

لكن حتى الآن، الأيادي على القلوب، لا على الزناد، علماً بأنّ قرار الحرب والسلم في تلك الدول لم يعد في أيدي أنظمتها الرسمية التي تقاتل في فلسطين ربّما منذ ما قبل نكبة الـ1948. وهذا ما عوّدتنا إيران عليه منذ وصول “الشيطان الأكبر” وحلفائه إلى حدودها مع أفغانستان، ثمّ إلى العراق، وهما جاراها الأقربان.

جبهة حسينيّة… فأين الحسينيّون؟

وحدها الجبهة الفلسطينية المفتوحة أصلاً منذ عام 1948، تقاتل، وحدها مشتعلة من دون سائر الجبهات الأخرى. وحدها تعاني الأمرّين، وتُذبح ويُقطَع عن سكّانها الماء. إنّها جبهة “حسينيّة” بامتياز وفق العقيدة الإيرانية، ومن دون ناصر ينصرها.

فلسطين تقاتل إحقاقاً للحقّ في دنيا العرب والإسلام. يحدث هذا كلّ عامين أو ثلاثة، لكنّه هذا العام يأخذ بُعداً أوضح:

ـ ثمّة من يموّل ويدرّب ويقدّم الخدمات اللوجستية والأمنيّة والعسكرية كافّة، وينأى بنفسه. يفعل في فلسطين، تماماً كما فعل في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

ـ ثمّة من يقاتل بلحم حيّ ليس لحمه، وبدم طازج ليس دمه. لا ينزل “حديدان” إلى الميدان، إلا عندما توضع الطاولات وتُصفّ الكراسي، ويأتي مفاوضو الدول الكبرى.

ما دامت إيران ترفع فلسطين وتحريرها عنواناً عريضاً لها، تندرج تحته جبهات تبعد عنها -أي عن فلسطين- أكثر ممّا تبعد إيران نفسها ربّما، وما دام في هذه الجبهة اللبنانية لا توجد قوى خارجية وإقليمية لها ثقل يؤخذ في الحسبان

منذ اتفاقات تطبيع العلاقات تحت الطاولة وفوقها، وإيران تموّل أصحاب القضية الفلسطينية، وأصحاب القضايا الفئوية في العالم العربي، من لبنان إلى اليمن. تمدّهم بالسلاح والعتاد والأموال إذا توافرت. وتدعمهم لفظياً بأشدّ العبارات والشعارات ثوريةً، لكنّها تبقى بعيدةً.

تفعل إيران ما تفعله حيناً نصرةً لأهل اليمن، فتقوّض الدولة اليمنية وتنزع منها قرار الحرب والسلم، فيفتح الحوثيون جبهة الخليج العربي، وأحياناً نصرةً لأهل العراق، فتحول دون قيام دولة فيه، وتتركه لأنصارها من الحشد الشعبي منهبةً اقتصاديةً وطاولةً تفاوضيةً كلّما حُشرت. ومرّةً من لبنان، حيث تناصر أنصارها المحرومين سابقاً والمستضعَفين حالياً، ومرّةً من سوريا حيث تناصر النظام المستضعَف فيها، ضدّ الغالبية الساحقة من السوريين.

وبيوتنا نحن؟  

حسناً، إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، كما لا ينفكّ يردّد ممثّل السياسة الإيرانية في الجبهة اللبنانية، حسن نصر الله. المقاومون الفلسطينيون أثبتوا ذلك، وإن أظهر دعمَه العالمُ الذي يقف خلف إسرائيل وبجانبيها وأمامها ويمدّ لها جسراً جوّياً من كلّ شيء.

لكن ماذا عنّا؟ هل بيوتنا أقوى من بيت العنكبوت ذاك؟ هل عندنا بيوت أصلاً؟ إذا قرّر أمير الجبهة اللبنانية، الأمين العامّ للحزب، نقل شعاره من خطاباته إلى أرض المعركة، بطلب إيراني أعلى، ففي أيّ بيت نحتمي؟ الدولة، وقد نزع منها قرار السلم والحرب والمال والاقتصاد والثقافة وحال دون الاجتماع فيها؟ أم نحتمي بالمجتمع الذي مزّقه إرباً إرباً حتى لا يكاد يتضامن فيه فرد أو جماعة مع “حاضنته”؟ أم نتّجه إلى الملاجئ التي بناها وهو يحفر تحت الأرض وفوقها؟ وأيّ اقتصاد سيتحمّل أعباء “نخوة” و”شهامة” قد يرفع لواءهما في أيّ لحظة، لئلّا نقول مغامرة؟

إقرأ أيضاً: أميركا تفاوض إيران وتترك غزّة لإسرائيل

كلّ التضامن مع الفلسطينيين عموماً، وأهل غزّة خصوصاً، في ما يتعرّضون له من هجمة وحشية وإبادة. لُقّنت منذ الطفولة أن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، لكن ماذا بعد المعركة؟ إلى أين تمضي بنا طهران، ولم يعُد أمامنا بحر ولا وراءنا؟

لمتابعة الكاتب على تويتر: jezzini_ayman@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…