فرنسا تكتشف لبنان “الحزب”

مدة القراءة 5 د


المشكلة في غاية البساطة والتعقيد في آن. هناك بلد اسمه لبنان بات تحت هيمنة “حزب الله”، أي إيران. هذا ما كشفه بالملموس، الّا اذا كانت لا تزال هناك من أوهام لدى البعض، الفشل في تشكيل حكومة مصغّرة تقتصر على اختصاصيين برئاسة مصطفى أديب. حكومة تستطيع القيام بالإصلاحات المطلوبة.

إقرأ أيضاً: “الحياد” شرط لإعادة تأسيس لبنان

تعتبر هذه الإصلاحات شرطاً لا مفرّ منه من أجل الحصول على مساعدات ودعم عربي ودولي يُبقي لبنان على رجليه. ولكن هل يهمّ “حزب الله”، ومن خلفه إيران، تفادي الانهيار الكامل للبلد؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ لا وجود لمثل هذا الهمّ لدى إيران أو لدى الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني ينفّذ ما تطلبه إيران منه. وهذا ما يفسّر ذلك الإصرار على وزارة المال في ظلّ معادلة في غاية البساطة. تقوم هذه المعادلة على أنّه لا يمكن لوزير للمال تسمّيه “أمل” و”حزب الله” القيام بأيّ إصلاحات من أيّ نوع. لا حاجة إلى خبراء عالميين للتأكّد من ذلك.

سيكتشف الرئيس الفرنسي كلّ يوم أكثر أنّه يتعاطى مع وضع لبناني يتميّز بحال من الفراغ السياسي على أعلى المستويات

جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت بـ”أفكار بسيطة” كما قال الجنرال شارل ديغول قبل رحلته إلى منطقة المشرق. قال ديغول وقتذاك: “إني أطير إلى هذا الشرق المعقّد بأفكار بسيطة”.

جاء ماكرون بـ”أفكار بسيطة” إلى هذا البلد الذي تحوّل فجأة إلى كتلة عُقد. في أساس “الأفكار البسيطة” الفرنسية حكومة اختصاصيين مصغّرة وإصلاحات في العمق على كلّ المستويات تنهي النظام القائم حالياً الذي يستند إلى “السلاح يحمي الفساد والفساد يغطّي السلاح”.

سيكتشف الرئيس الفرنسي كلّ يوم أكثر أنّه يتعاطى مع وضع لبناني يتميّز بحال من الفراغ السياسي على أعلى المستويات. استطاع “حزب الله” ملء هذا الفراغ بعدما فرض مرشّحه رئيساً للجمهورية، وهو موقع مسيحي، وبعدما صار يسمّي رئيس مجلس الوزراء السنّي. ما الذي يمكن أن يحمله عن التراجع الآن عن كلّ هذا التقدّم الذي حقّقه في مجال الإمساك بلبنان وكلّ الخيوط فيه… من قصر بعبدا في ظلّ “العهد القوي”، إلى السراي الحكومي التي أوصل إليها شخصاً لا يطيقه جيرانه في الحيّ السنّي الذي يقيم فيه اسمه حسّان دياب. أمّا الرئاسة الثالثة، رئاسة مجلس النوّاب، فأمرها حسم منذ سنوات طويلة، منذ معركة إقليم التفّاح بين “أمل” و “حزب الله”.

لعلّ أخطر ما في الأمر الآن أنّ على فرنسا إعادة اكتشاف لبنان، ومعنى أن يكون سلاح “حزب الله” على الطاولة في كلّ وقت، فيما توجد إدارة أميركية لا يهمّها مصير لبنان. في السنوات القليلة الماضية، كانت في واشنطن مدرستان في ما يخصّ كيفية التعاطي مع لبنان. تنادي المدرسة الأولى بمراعاة الوضع الخاص للبنان وتفادي فرض أيّ عقوبات عليه نظراً إلى أنّه مغلوب على أمره، فيما تنادي المدرسة الثانية، التي انتصرت، بترك البلد لمصيره من منطلق أنّ “حزب الله” هو لبنان، ولبنان هو “حزب الله”.

لن تتخلى إيران عن لبنان بسهولة. لم تستثمر كلّ هذه السنوات في “حزب الله” من أجل الوصول إلى حكومة اختصاصيين في لبنان يحظى رئيسها بغطاء سنّي، هو غطاء رؤساء الحكومة السابقين

المشكلة في لبنان واضحة. هذا ما لم يفهمه أولئك الذين نزلوا إلى الشارع ابتداء من 17  تشرين الأوّل 2019. كانت لدى المواطن العادي مطالب عادلة ومحقّة. لكنّ لا معنى لكلّ هذه المطالب ما دام هناك بلد بكامله تحت سيطرة “حزب الله” وسلاحه الذي لا يهمّه ما إذا كانت بيروت مدينة مفعمة بالحياة أو مدينة يلفّها السواد، وغارقة في البؤس والتخلّف.

من الواضح أنّ هناك سوء تقدير فرنسياً لمدى إصرار “حزب الله”، ومن خلفه إيران، على الإمساك بكلّ تفصيل لبناني. ينسحب سوء التقدير هذا على كيفية التعاطي مع إيران. ظهر ذلك جليّاً من خلال المقال الذي كتبه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية. تضمّن المقال انتقادات واضحة للسياسة الفرنسية، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر باعتراض فرنسا على تمديد الأمم المتحدة لقرار منع وصول السلاح إلى إيران… أو التمييز بين الجناحين العسكري والسياسي لـ”حزب لله”. لم يتردّد بومبيو بدعوة فرنسا إلى “الوقوف مع الحرّية وليس مع طهران”. كذلك، لم يتردّد في وصف إيران بأنّها “الدولة التي تقود الإرهاب في العالم” كما أنّها “المصدر الأوّل لعدم الاستقرار في المنطقة”.

ليس معروفاً هل لدى فرنسا ما تضغط به على إيران من أجل تشكيل حكومة فعّالة تعكس استيعاباً لأبعاد الكارثة التي حلّت بالبلد بدءاً بوصول ميشال عون إلى قصر بعبدا في خريف العام 2016 وصولاً إلى مسلسل التلحيم، أو التلغيم، الذي بدأ بتفجير ميناء بيروت الذي تلته عملية تلحيم أخرى لإحراق كلّ الوثائق التي تكشف ما الذي دخل إلى الميناء في السنوات الأخيرة. يبدو أنّ المسلسل لن يتوقف بعد إحراق المبنى الذي صمّمته المهندسة العراقية الراحلة زها حديد في وسط بيروت.

لن تتخلى إيران عن لبنان بسهولة. لم تستثمر كلّ هذه السنوات في “حزب الله” من أجل الوصول إلى حكومة اختصاصيين في لبنان يحظى رئيسها بغطاء سنّي، هو غطاء رؤساء الحكومة السابقين. كلّ ما تريده هو حسّان دياب آخر. كلّ ما تريده هو أن يكون لبنان مجرّد ورقة في مفاوضات تجريها يوماً مع الإدارة الأميركية وليس فرنسا. لبنان، بالنسبة إلى إيران، ليس سوى ورقة لن تدع إيمانويل ماكرون ينتزعها منها، خصوصا في ظلّ “العهد القوي” والأكثرية التي يتمتّع بها الحزب في مجلس النوّاب. يتمتع الحزب أي إيران، بأكثرية نيابية، حسب قول قاسم سليماني (قائد فيلق “القدس” الذي اغتاله الأميركيون) بعيد إجراء انتخابات السادس من أيّار 2018 بموجب ذلك القانون العجيب الغريب الذي ليس معروفاً بعد كيف كان يمكن لأيّ فريق لبناني يمتلك حدّاً أدنى من المنطق الموافقة عليه!  

 

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…