كثيرة هي الرسائل الدبلوماسية التي تلقّاها الحزب للاستفسار عن وضعيّته العسكرية وموقفه تجاه الحرب الإسرائيلية التي تُشنّ على غزّة في فلسطين المحتلّة. لم تبقَ دولة غربية، سواء الفرنسيون أو غيرهم، إلا وأرسلت عبر أصدقاء مشتركين مراسيل تستفسر عن تصوّر الحزب للموقف ممّا تشهده غزّة. لم تكن تحذيرات بل هي طلب تطمينات بعدم انخراطه بالحرب الدائرة. في بعض الأحيان كانت الاستفسارات تأتي للحزب بالتواتر وعبر أجهزة الدولة الرسمية والعسكرية مقرونة بتحذيرات من أنّ دخوله الحرب سيعرّض لبنان لحرب قاسية العواقب ولن يجد من يدافع عنه أو يساعده في إعادة إعمار ما ستهدّمه الحرب. كانت لهجة الفرنسي كما الأميركي الأشدّ قسوة. فوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لم تجد ضيراً في تهديد رئيس الحكومة من مغبّة دخول الحزب دعماً للفصائل الفلسطينية. وحذّرت السفيرة الأميركية لدى زيارتها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون من حرب لن تُحمد عقباها إذا تدخّل الحزب طرفاً في المعركة.
رسائل تطلب تطمينات
وسّعت فرنسا دائرة اتصالاتها، فزار سفيرها هيرفيه ماغرو نظيره سفير إيران في لبنان مجتبى أماني الذي كتب عبر منصّة إكس يقول إنّ “غزّة احتلّت صدارة البحث، وقد أوضحت أنّ السياسات الداعمة للكيان الصهيوني تضرّ بالمنطقة، وأنّ الجهود الدبلوماسية الرامية إلى منع توسّع الحرب ودخول آخرين يجب أن تتركّز على منع الكيان من مواصلة قصفه الوحشي قبل الانتقال إلى خطوات لاحقة”. المقصود بالآخرين هنا تدخُّل الحزب على وجه التحديد. كانت لافتةً بالشكل والمضمون زيارة سفير فرنسا لنظيره الإيراني متوسّطاً باسم بلاده عدم دخول الحزب في الحرب الدائرة. قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ لقاء السفيرين يندرج “في إطار الجهود التي تقوم بها فرنسا التي تلعب دور حاملة رسائل للجانب الإيراني وللحزب الذي زاره مستفسراً”.
كثيرة هي الرسائل الدبلوماسية التي تلقّاها الحزب للاستفسار عن وضعيّته العسكرية وموقفه تجاه الحرب الإسرائيلية التي تُشنّ على غزّة في فلسطين المحتلّة
شروط الإيراني
تحدّث السفير الإيراني في تغريدته عن مسألتين أساسيّتين: اعتبر في الأولى أنّ من الضروري وقف القصف على غزّة قبل الحديث عن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين أو بحث أية مواضيع أخرى، واشترط في الثانية وقف التصعيد في غزّة لتلبية طلب الفرنسيين عدم دخول أطراف آخرين الحرب، وهذا الموقف سبق أن عبّر عنه أكثر من مسؤول إيراني وصولاً إلى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي حذّر في خطابه الأخير من أنّ المنطقة بأسرها على برميل بارود وربطها بالسلوك الإسرائيلي ووقف التصعيد في غزّة وتوسعة إسرائيل لرقعة العمليات. ولم تمرّ ساعات على تصريحات المسؤولين الإيرانيين حتى تحدّث الإعلام الإسرائيلي عن وقوع هجمات متزامنة في لبنان وقطاع غزّة ليثبت تحريك غرفة العمليات المشتركة التي بدأت تنفيذ عملياتها في أكثر من منطقة، ومنها خان يونس ورام الله والضفة قريباً، فضلاً عن عمليات ضدّ القوات الأميركية في العراق وسوريا.
جاءت فرنسا تطلب علناً عدم تدخّل الحزب في الحرب التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين. وهو طلب فُسّر من قبل محور الممانعة على أنّه محاولة يسعى إلى تحقيقها الجانبان الفرنسي والأميركي بهدف “الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية من دون تدخّل الحزب. غير أنّ مصير الحزب بات مرتبطاً بمصير حركة حماس”. وهذا الطلب لا يجده الجانب الإيراني منطقياً، ولن يسعى إلى تحقيقه، ذلك أنّ الحزب لا يرى نفسه مضطرّاً إلى إعطاء تطمينات لأيّ جهة، ولن يسمح بأيّ شكل من الأشكال بإضعاف “حماس” لأنّ دوره سيحين بعد النيل منها. يتعمّد الحزب في هذه الفترة اعتماد استراتيجية “الغموض البنّاء”، فلا يرى نفسه مضطرّاً إلى تطمين الإسرائيلي وهو العامل على تسخين جبهة الجنوب على امتداد خطّ الحدود مع فلسطين المحتلّة. يتقصّد الحزب إشغال إسرائيل بالوضع على الحدود مع لبنان كي لا تتفرّغ للداخل الفلسطيني. وإبقاء الإسرائيلي في حالة من التوتّر والقلق هو هدف بحدّ ذاته، فكيف لا يسعى إلى تحقيقه.
إقرأ أيضاً: الحرب الشاملة: الحزب أصبح جاهزاً
الحزب لن يطمئن
لا يطمئن الحزب ولا يودع سرّه العسكري في عهدة أيّ جهة خارجية أو داخلية، وضمناً الحكومة اللبنانية. فهل يمكن له أن يبدّد قلق الإسرائيلي وهو يراه متهيّباً للموقف وفي حال من الاستنفار؟ التحذيرات التي وُجّهت للحزب ولم يأخذها في الاعتبار استنفر لأجلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والخارجية اللبنانية، وسعيا عبر القنوات الدبلوماسية إلى إقناع إسرائيل بعدم الاسترسال في حربها كي لا يكون لبنان في صلبها. تقول مصادر عسكرية في محور الممانعة إنّها “مسألة أيام وتتوضّح الصورة أكثر، فإذا استمرّت إسرائيل بتصعيدها فالأمور قد تتّجه نحو التصعيد”. لكنّ السؤال للمصادر عينها يقول: هل الحزب في وارد فتح جبهة ثانية في الجنوب تتسبّب بمزيد من الدمار والتهجير؟ وفي حال تدخّل الحزب فما الذي سيحصده في معركة لن تحقّق أيّ نتيجة استثنائية. فغزّة التي دمّرها الاحتلال لم تعد بحاجة إلى المؤازرة، والمقاومة في داخلها تملك قدرة الاستمرار في المعارك لأشهر طويلة. عامل اطمئنان الممانعة أنّ الإسرائيلي قد لا يتهوّر فيفتح معركة مع الحزب، لكنّ الإيراني يرى أنّ الاحتمالات مفتوحة على التصعيد الذي سيتسبّب به حتماً الإسرائيلي للتغطية على هزيمته في غزّة.
قد يكون التصعيد رهن ساعات أو يستمرّ الوضع على حاله لأسابيع، وربّما لأشهر، ما بين تصعيد وتصعيد مقابل، تجنّباً لحرب يتجنّب وقوعها أطراف كثر.