بعد إصدار المحقّق العدلي فادي صوان أربع مذكرات توقيف وجاهية بحق مسؤولين أمنيين في مرفأ بيروت بينهم الضابط المسؤول في أمن الدولة الرائد جوزف النداف، انتقلت معركة العونيين ضد مدّعي عام التمييز غسان عويدات إلى مرحلة أكثر تقدماً.
النداف، برأي العونيين، هو الذي حذّر من انفجار نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت قبل شهرين، وخابر المدّعي العام على هذا الأساس، متسائلين “عن سبب توقيفه”.
إقرأ أيضاً: بعد تفجير بيروت: وزراء الأشغال والعدل ووزير المال أمام القضاء
لكنّ قرار صوان، وفق المتابعين لملف التحقيقات في المرفأ، جاء في إطار التأكيد على قرار عويدات بالادّعاء عليه، كما باقي المسؤولين الأمنيين، ما يثبّت وجود مسؤولية ما يتحمّلها هؤلاء.
عملياً، وضع “التيار الوطني الحر” نفسه في مواجهة مفتوحة مع مدّعي عام التمييز في سياق حملة الدفاع العونية عن مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ومدير عام الجمارك بدري ضاهر، والضغط لإطلاق سراح الأخير.
الحملة بدأت بمحاولات سابقة لنقل ملف تفجير المرفأ من القضاء العادي إلى عهدة القضاء العسكري، وقبل ذلك التصويب على عويدات للدور الذي كان له في التشكيلات القضائية، تلك التي رفض رئيس الجمهورية توقيعها. كذلك على خلفية الصراع المفتوح بينه وبين مع مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون.
وبالتزامن مع بدء القاضي صوان تحقيقاته في قضية انفجار المرفأ، خاض العونيون معركة المطالبة بتنحّي عويدات عن الملف والتحقيق معه في القضية. ووصل الأمر الى حدّ تبنّي خبر التنحّي ونشره في وسائل محسوبة على “التيار الوطني الحر”، ما دفع عويدات إلى نفي الخبر. كما تسرّبت معلومات في وسائل إعلام “التيار” عن توقيف ناشطين عونيين وزّعوا مناشير ضد عويدات محمّلين إياه المسؤولية المباشرة عن الجريمة، وقد أرفقوا المناشير بصورة عويدات مع هاشتاغ “لًحَّم الباب”!.
تؤكد المعلومات أنّ القاضي عويدات راودته فكرة التنحّي لوجود علاقة قربى تجمعه بوزير الأشغال الأسبق غازي زعيتر، لكنّ الحملة المنظّمة والمسيّسة التي تعرّض لها من قبل “التيار” دفعته إلى اتّخاذ قرار بعدم التنحّي
لكنّ مصدراً أمنياً أكّد لـ”أساس” أن “لا توقيفات حصلت في صفوف الناشطين العونيين بسبب هذه المناشير”. وفق المعلومات، هؤلاء تواروا عن الأنظار وأقفلوا خطوطهم. فيما جرت تدخلات مباشرة من قبل رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل والوزير السابق سليم جريصاتي لمنع توقيفهم والاستماع إلى إفادتهم.
ويتحدّث العونيون في حملتهم عن إجراءات اتّخذها جهاز أمن الدولة في إطار التحذير من الكارثة، متّهمين القاضي عويدات والنائب العام التمييزي القاضي غسان خوري بالإهمال والتقصير، ويطالبون بمحاسبتهما. وقد ترجم هذا التوجّه أيضاً من خلال الاعتصام الذي نظّمه “التيار” يوم الثلاثاء حين علًت أصوات تطالب بالتحقيق مع عويدات.
ويُرجّح استمرار تنازع المسؤوليات، مع توجّه القاضي صوان إلى فتح تحقيق في اتهامات ضد بدري ضاهر بأنّه أتلف ملفات تعود إلى ما قبل عام 2010 حين كان لا يزال في دائرة المانيفيست، وهو أمر اكتُشف خلال سحب الجيش كافة المعلومات والداتا من السيرفر بعد حصول انفجار المرفأ. وفي سياق موازٍ، يبرز الاخبار الذي تقدّم به شادي دياب ومحمد بياسة لجانب النيابة العامة التمييزية ضد وديع عقل مسؤول مكافحة الفساد في “التيار الوطني الحر” وضد النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بجرائم “تحقير النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات والسلطة القضائية، وإفشاء سر تحقيقات وصرف نفوذ وخدمة خط سياسي وتعريض السلم الأهلي للخطر والتسبب بأعمال شغب وهدر المال العام”.
وتؤكد المعلومات أنّ القاضي عويدات راودته فكرة التنحّي لوجود علاقة قربى تجمعه بوزير الأشغال الأسبق غازي زعيتر، لكنّ الحملة المنظّمة والمسيّسة التي تعرّض لها من قبل “التيار” دفعته إلى اتّخاذ قرار بعدم التنحّي لأكثر من سبب، يلخّصها العارفون بالآتي: “ملف التحقيقات في قضية المرفأ بكامله، بات اليوم في عهدة المحقّق العدلي، ولا دور لمدّعي عام التمييز حتّى في إطار الموافقة أو عدم الموافقة على إخلاءات السبيل أو الاستنابات القضائية”.
ويضيف هؤلاء: “يمكن للقاضي عويدات أن يدلي بإفادته كشاهد أمام المحقّق العدلي. وهذا الأمر لا يشكّل سبباً لدفعه إلى التنحّي إلا إذا قدّم شهادته أمام المحكمة”.
وحتى الآن، وفق المعلومات، لم يتّخذ القاضي صوان قراره بالاستماع إلى وزراء الأشغال والمال والعدل والدفاع السابقين والحاليين المعنيين بالقضية، ولم يتبلّغ أيّ منهم إشعاراً بالحضور. وبما أنّ الاستماع إلى الوزراء المعنيين هو خارج صلاحية النيابة العامة التمييزية، فسيتولى الأمر القاضي صوان. من دون أن يُعرف حتى الآن مسار القضية في حال ثَبت وجود مسؤولية يتحمّلها وزير أو أكثر في هذا الملف.
أما لناحية الاستماع إلى قضاة، تحديداً مدعي عام التمييز، وفي حال الملاحقة أو تبيّن وجود جرم جزائي، فإنّ القرار يعود إلى مجلس الوزراء لتأليف لجنة أو هيئة تحقيق خاصة تحقّق مع مدّعي عام التمييز. وهو الأمر الذي يشمل أيضاً رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس مجلس شورى الدولة في حال وجود الجرم الجزائي نفسه.
التحقيق، وفق المصادر، يهدف إلى تحديد من له صلة بالدعوى العامة، ومن ليس له صلة بها، وتحديد ما إذا كانت الأدلة المتوافرة تؤدّي إلى الظنّ بثبوت الفعل الجرم
أما إجراء التنحي عن قضية فتحكمه الفقرة الخامسة من المادة 120 من “قانون أصول المحاكمات المدنية”، التي تشير إلى أنه على القاضي أن يعرض تنحّيه عن القضية إذا كان قد سبق له أو لأحد أقاربه أو أصهاره، لغاية الدرجة الرابعة، أن نظر بالدعوى قاضياً أو خبيراً أو محكّماً أو كان قد أدّى شهادة فيها.
وتوضح مصادر قضائية بارزة إنّ “عبارة النظر بالدعوى الواردة في الفقرة الخامسة تعني وجود دعوى قيد النظر أمام قاضي حكم، وقد سبق أن أدّى أمامه قريب القاضي شهادة في جلسة علنية باعتبار أنّ هذه الشهادة تكون عادة مؤثرة في نتيجة الدعوى. ففي هذه الحالة فقط، يمكن أن تشكّل هذه الشهادة سبباً للشكّ بحيادية القاضي قريب الشاهد”.
وتضيف المصادر أنّ القضايا المعروضة على قضاة التحقيق لا تعتبر “دعاوى قيد النظر” بالمفهوم القانوني المعطى لها في قانون أصول المحاكمات المدنية، لأنّ”الشهادة التي تًؤدّى أمامهم في جلسات سرّية، مختلفة بمفهومها القانوني وبنتائجها عن الشهادة التي تُؤدّى في الجلسات العلنية أمام قضاة الحكم”.
فالتحقيق، وفق المصادر، يهدف إلى تحديد من له صلة بالدعوى العامة، ومن ليس له صلة بها، وتحديد ما إذا كانت الأدلة المتوافرة تؤدّي إلى الظنّ بثبوت الفعل الجرمي، وبنسبته إلى المدّعى عليهم أم لا. وعليه، ليس من الضروري أن تشكّل إفادات جميع الشهود المُستمع إليهم من قبل قاضي التحقيق أدلة لإثبات الدعوى العامة. هذا لأنّ قاضي التحقيق يهمل منها ما لاعلاقة لها بالجرائم المدّعى بها. وهكذا، لا يشكّل الاستماع إلى إفادة شاهد أمام قاضي التحقيق، أداءً للشهادة أمام قاضي حكم بمفهوم قانون أصول المحاكمات المدنية. ولا يُعتبر سبباً لعرض التنحّي من قبل قاضي النيابة العامة سنداً لأحكام الفقرة 5 من المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية.