“غزوة جنين”: عملية سياسية وليست عسكرية

2023-07-06

“غزوة جنين”: عملية سياسية وليست عسكرية


ليست غزوة مخيّم جنين، التي استعمل فيها الاحتلال طائراته وصواريخ مضادّة للدروع، ودفع فيها بـ150 آليّة عسكرية ودبّابة إلى داخل المخيّم ومحيطه، سوى تعبير عن الفشل الإسرائيلي المتوارث في فهم عقلية الشعب الفلسطيني ومدى تصميمه على التضحية من أجل حرّيته واستقلاله. والأهمّ، هي ليست عملية عسكرية، بقدر ما هي سياسية.

ظهر ذلك حين تفقّد نتانياهو قوّاته على تخوم المخيّم. وأعلن من هناك أنّ “حلم الدولة الفلسطينية يجب أن يتمّ القضاء عليه بإضعاف السلطة الفلسطينية في الحدّ الأدنى وجعلها تنهار في الحدّ الأقصى”. 

مفردات نتنياهو اختلفت عن مفردات العسكر. ففي حين سمّى العملية “بيت وحديقة”، استخدم الجيش تعبير “غزوة جنين”، وأعلن أنّها “بلا سقف زمني”، ولم يعتبرها “عملية عسكرية”.

بالنسبة للجنرالات الإسرائيليين، جرى التخطيط لعملية مخيّم جنين والإعداد لها استخباريّاً طوال عام بهدف توجيه ضربة إلى كبار المسؤولين في “كتيبة جنين” وإلى مركز عمليّاتهم، تشبه الضربة التي وُجِّهت في نابلس ضدّ “عرين الأسود”. واتُّخذ القرار النهائي بالقيام بالعملية بعد تفجير عبوة ناسفة بمركبة “النمر” قبل أسبوعين، وإطلاق الصواريخ من جنين. لكنّ الأهمّ أنّ العملية بالنسبة للجنرالات تبقى محدودة، وليست كما وصفها نتانياهو “السور الواقي 2”.

مفردات نتنياهو اختلفت عن مفردات العسكر. ففي حين سمّى العملية “بيت وحديقة”، استخدم الجيش تعبير “غزوة جنين”، وأعلن أنّها “بلا سقف زمني”، ولم يعتبرها “عملية عسكرية”

في واقع الأمر تحرّك الجيش الإسرائيلي وفق أسلوب “الاستفزاز والردّ” من أجل جرّ أكبر عدد من المسلّحين إلى الخروج ومواجهته، ثمّ تصفيتهم أو استسلامهم. وتفضي الخطة إلى سدّ طرق الهروب ومنع تمركُز المسلّحين في مكان آخر في الضفّة الغربية. لكنّ هذا الجيش فشل في استدراجهم إلى الانكشاف رغم الاشتباكات من مسافة صفر.

وليس الانسحاب بعد يومين داميَيْن سوى تعبير عن خوف الجنرالات الإسرائيليين من التورّط في مستنقع عسكري وخسارة عشرات الجنود. فحرصوا على تجنّب الوصول إلى نتائج عكسية، بحيث تولد نَواة مقاومة على غرار “كتيبة جنين” في مناطق أخرى بالضفّة.

الفشل الميداني.. وحقوق الإنسان

في اليوم الثاني والأخيرة من العدوان، فتّشت قوات الاحتلال البيوت في مخيّم جنين. وأكّد شهود عيان أنّ قوات الاحتلال ووحدات النخبة قامت بالتنقّل بين منازل المواطنين من خلال حُفَر أحدثتها بالجدران، وذلك خشية وقوع جنودها في كمائن واستهدافهم بعبوات ناسفة، فيما تحصّن المقاومون الفلسطينيون، كما نقل مراسل القناة 13 الإسرائيلية، في قلب مخيّم جنين وتركوا الوحدات الإسرائيلية أمام خيارات صعبة: إمّا البقاء في المواقع التي سيطروا عليها في محيط المخيّم والانتظار، أو المجازفة بالدخول إلى العمق.

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أدان العدوان الإسرائيلي وأعلن إنّ “3,000 فلسطيني فرّوا بين عشيّة وضحاها من المخيّم بعد موجة ضربات جوّية إسرائيلية مميتة…”. وشكا من أنّ “حجم العملية المستمرّة للقوات الإسرائيلية، بما في ذلك استخدام الضربات الجوّية المتكرّرة، إلى جانب تدمير الممتلكات، يثير مجموعة قضايا خطيرة في ما يتعلّق بالقواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومنها حماية واحترام الحقّ في الحياة”.

في هذا السياق لم يتوقّف اليمين الإسرائيلي منذ أشهر عن التحريض على مخيّم جنين ووصفه بأنّه “عاصمة للمقاومة”، وتزامن ذلك مع دعوات جديدة أطلقها قادة اليمين، الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما، زعموا أنّ إسرائيل بحاجة إلى عملية مكثّفة، ليس فقط في جنين، بل في كلّ الضفّة، لأنّ الوضع يزداد سوءاً مع ارتفاع عدد الهجمات، وادّعوا أنّ معجزةً فقط تمنع وقوع قتلى مستوطنين كلّ يوم بعدما باتوا على طرق الضفّة الغربية “مثل البطّ في ميدان الرماية”.

إقرأ أيضاً: تبادل الأدوار بين المستوطنين والجيش الإسرائيليّ

يستطيع رئيسهم وثالثهم بنيامين نتانياهو أن يسجّل لنفسه إنجازاً آنيّاً بشنّه حرباً على جنين سمّاها “بيت وحديقة”، قتلت 12 فلسطينياً بينهم أربعة أطفال، وأوقعت مئات الجرحى، واستولى خلالها على سلاح وعبوات ناسفة ومعدّات قتالية، وكشف عن أنفاق ومعامل بدائية لإنتاج المتفجّرات والصواريخ، غير أنّ ذلك لن يجلب الأمن للإسرائيليين، بل بالعكس، لن يترك للفلسطينيين من خيار آخر سوى السلاح.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…