في لحظة تشبه أحوال لبنان، حيث الصراعات على الهوامش والفتات، والنظرة الضيّقة والشخصية، بعيداً عن المصلحة العامة والضرورات الأمنية، فتح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي حرباً شعواء على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. واستعان بعلاقاته الإعلامية لتصوير عثمان في موقع التحالف مع الحزب ضدّه. وهو أمر في غاية الغرابة من وزير عيّن بعد “مقابلة عمل” مع جبران باسيل، ووافقت حارة حريك على اسمه، وهو على تنسيق يومي معها.
هكذا أنجز المولوي “حكاية” مظلومية عرضتها قناة “الحدث”. والهدف “الضيّق” هو الضغط على عثمان لدفعه إلى التراجع عن قرارات اتّخذها لسد الفراغات الإدارية.
أثارت التشكيلات وبرقية فصل الشعبة نوبة غضب كبيرة لدى وزير الداخلية فسارع للتصدّي لقرارات عثمان، ولا سيّما أنّ الأخير كان أرسل إلى وزير الداخلية مراسيم بالأسماء المقترحة لتعيين أعضاء مجلس القيادة
ما هي هذه القرارات؟
بدأت الحكاية مع برقية أصدرها اللواء عثمان بفصل شعبة المعلومات بصورة استثنائية عن رئاسة الأركان وربطها بالمدير العامّ. لكن المولوي اعتبرها عملية “خطّط لها الحزب للانقلاب على شعبة المعلومات ومنع وصول رئيسها العميد خالد حمود إلى مديرية قوى الأمن”. ولم يُعرف ما إذا رئيس الشعبة العميد خالد حمود انضمّ إلى المولوي، بعد قراءة البرقية باعتبارها موجّهة ضدّ طموحاته بخلافة عثمان في منصب المدير العام.
الفيديو في “الحدث” صنّف الضابطين جهاد أبو مراد وبلال الحجار باعتبارهما “تابعين لميليشيا الحزب”، فيما الأداة التنفيذية في هذا السيناريو الأقرب إلى الهلوسة هو عماد عثمان من خلال البرقية التي أصدرها. ثمّ كان “تصدّي وزير الداخلية لمشروع عزل العميد حمود عن شعبة المعلومات عبر كتاب أرسله إلى اللواء عثمان”.
بين حمّود وأبو مراد
في الوقائع كانت البرقية عبارة عن إجراء داخلي اتّخذه اللواء عثمان بناء على سابقة حصلت أيام اللواء بصبوص ويقضي بالتمهيد لتعيين مدير مكتبه العميد جهاد أبو مراد رئيساً للأركان بالوكالة إلى حين تعيينه بمرسوم بالأصالة. وما اعتُبر مخالفة قانونية فاضحة لدى فريق الوزير هو إجراء اتّخذه عثمان منعاً للتضارب بالتراتبيّة لأنّ رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود أعلى رتبةً من أبو مراد (يتولّى حمود نيابة رئاسة الأركان بالوكالة منذ آذار 2022). وشعبة المعلومات هي من ضمن الشُعَب الـ11 التابعة لرئاسة الأركان. ذلك أصدر عثمان برقية بضرورات الخدمة ألحق من خلالها شعبة المعلومات بمكتب المدير العامّ وفصلها عن رئاسة الأركان، وتزامنت البرقية مع إصدار عثمان تشكيلات شملت 23 ضابطاً.
نوبة غضب
أثارت التشكيلات وبرقية فصل الشعبة نوبة غضب كبيرة لدى وزير الداخلية فسارع للتصدّي لقرارات عثمان، ولا سيّما أنّ الأخير كان أرسل إلى وزير الداخلية مراسيم بالأسماء المقترحة لتعيين أعضاء مجلس القيادة.
“ناور” المولوي بالتأكيد أنّ عثمان لم يأخذ رأيه فيها ولم ينسّق معه، فيما تؤكّد المعلومات أنّ عثمان اجتمع مع المولوي ولاحقاً مع الرئيس نجيب ميقاتي وبحث معهما الأسماء المقترحة لقادة الوحدات في مجلس القيادة، ومن ضمنها تعيين العميد جهاد أبو مراد لرئاسة الأركان (موقع أرثوذكسي) وبلال الحجار (موقع سنّيّ) قائداً للمعهد.
فاتح عثمان المولوي أيضاً ببرقية إلحاق الشعبة إدارياً بالمدير العامّ لأنّ العميد حمود أعلى رتبة من العميد جهاد أبو مراد.
يقول مطّلعون إنّ عثمان ذكّر المولوي بأنّ سابقة حصلت حين كان الوزير نهاد المشنوق وزيراً للداخلية واللواء إبراهيم بصبوص مديراً عامّاً لقوى الأمن الداخلي، وحينذاك أصدر الأخير برقية ألحق من خلالها شعبة المعلومات التي كان يرأسها العميد عثمان آنذاك بالمدير العامّ لأنّه كان أعلى رتبةً من رئيس الأركان المعيَّن آنذاك العميد نعيم شمّاس. وهي برقية يرى فريق وزير الداخلية الحالي أنّها غير قانونية ويمكن الطعن بها ولا يمكن البناء عليها ببرقية مماثلة.
مع قرب إحالة قائد الدرك العميد مروان سليلاتي وقائد وحدة الإدارة المركزية العميد حسين خشفة إلى التقاعد فإنّ من يتسلّم مهامّ المدير العام بالوكالة هو قائد جهاز أمن السفارات العميد موسى كرنيب (شيعي) لأنّه الأعلى رتبةً
برقيّة عزل!
تنكّر وزير الداخلية لاحقاً على نحو مفاجئ لكلّ التفاهمات المسبقة وشنّ على عثمان. أمّا العميد حمّود فاعتبر أنّ برقية فصل الشعبة عن رئاسة الأركان وإلحاقها بالمدير العامّ تستهدفه شخصيّاً وتسعى إلى عزله وعدم تمكينه من أن يصبح مديراً عامّاً لقوى الأمن الداخلي بالوكالة في أيار المقبل لأنّه الأعلى رتبةً… هذا إذا استمرّت الأزمة القائمة.
مهّد وزير الداخلية للهجوم على عثمان بكتاب أرسله إلى الأخير اعتبر أن لا موجب لإصدار هذا التدبير، وأنّ البرقية مخالفة لأحكام القانون رقم 17 (قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي) والمرسوم 1157 (تحديد التنظيم العضوي لقوى الأمن)، وأنّ أيّ تعديل لهذه النصوص يتطلّب صدور قرار عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير وبعد استطلاع رأي مجلس القيادة واستشارة مجلس الشورى. وطلب من عثمان التراجع فوراً عن هذا التدبير والإفادة في مهلة أقصاها 48 ساعة.
لقاء مصارحة
على الرغم من لقاء المصارحة بين عثمان والمولوي بحضور ميقاتي، وفي منزله، ودخول أكثر من وسيط على الخطّ، تفاقمت الأمور أكثر بعد ردّ عثمان المقتضب على كتاب الوزير : “نفيدكم بأنّه ستتمّ معالجة هذا الأمر. علماً أنّه سبق أن تمّ ربط شعبة المعلومات بالمدير العامّ استثنائياً في السابق”.
بعدها نشرت قناة “الحدث” السعودية ليل الخميس تقريرها الذي صوّر عثمان “منفّذاً لرغبات الحزب من خلال محاولة عزل شعبة المعلومات”. فأتى الردّ مجدّداً من المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي التي أعربت عن أسفها للتقرير الذي بثّته قناة “الحدث” التلفزيونية اعتماداً على “مصدر كاذب وحاقد أراد قلب الحقائق بصورة عكسية وقصد تشويه سمعة هذه المحطة التي نحترم ولن نزيد”.
لماذا انجرّ حمّود إلى ملعب المولوي؟
يرى مراقبون أنّ العميد حمود الذي يظنّ أنّ بإمكانه في حال إحالة اللواء عثمان إلى التقاعد في أيار المقبل أن يتسلّم مهامّ المديرية بالوكالة إلى حين تعيينه بالأصالة من موقعه رئيساً للأركان بالوكالة لم يتنبّه إلى أنّ ثمّة برقية خدمة داخلية صادرة أيام المدير العامّ اللواء أشرف ريفي عام 2006 تفيد بأنّ من يتسلّم منصب المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي بالوكالة هو الضابط الأعلى من قادة الوحدات المعيَّن بمرسوم.
إقرأ أيضاً: هل يستبدل الحزب تحالفه مع فرنجيّة بعلاقته مع التيّار؟
لذلك مع قرب إحالة قائد الدرك العميد مروان سليلاتي وقائد وحدة الإدارة المركزية العميد حسين خشفة إلى التقاعد فإنّ من يتسلّم مهامّ المدير العام بالوكالة هو قائد جهاز أمن السفارات العميد موسى كرنيب (شيعي) لأنّه الأعلى رتبةً.
لكن في هذه الحال قد تنشأ أزمة تراتبية صداميّة، إذ إنّ رئيس شعبة المعلومات العميد حمود يسبق كرنيب بالأقدمية… فكيف يقبل الإمرة من ضابط أقلّ منه بالتراتبية؟ وهل يمكن أن يصل الأمر إلى حدّ وضعه بتصرّف وزير الداخلية بقرار من الأخير؟ وهذا غير وارد.
الذين يعرفون العماد عثمان منذ عشرات السنوات حين كان ملازم أوّل في سريّة حرس رئاسة الحكومة حتّى تسلّمه قيادة السريّة يؤكّدون أنّ السمة الغالبة على عثمان هي “العناد”. حتّى صار لقبه “العنيد” منتشراً بين زملائه. إلاّ أنّ هذه الصفة ترافقت دائماً مع التزامه بالنصوص القانونية التي يحفظها عن ظهر قلب، ممّا جعله عرضة دائمة للمقارعة مع الوزراء المتعاقبين على الداخلية. إلاّ أنّ أحداً من هؤلاء الوزراء لم يصل إلى ما وصله الوزير الحالي، “القاضي”، الذي ينطق باسم الشعب اللبناني..