هل انتهى التحالف الإيراني الفرنسي غير المعلن في لبنان، والذي كان يتقاطع على تسمية المرشّح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بترشيح من “الثنائي الشيعي” وتسويق فرنسي من أميركا وأوروبا إلى السعودية و”اللجنة الخماسية”؟
في زيارته إلى لبنان، كان لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مواقف “حادّة” اتجاه فرنسا. إذ قال بالحرف الواحد متوجّها إلى الرئيس الفرنسي: “أنصح السيّد (إيمانويل) ماكرون بالتركيز على الوضع داخل فرنسا بدلاً من الاهتمام بمسائل التدخّل في دول أخرى”. وذلك بعدما اتّهم ماكرون إيران بعرقلة الحلّ السياسي في لبنان الأسبوع الفائت، وطالب طهران بتوضيح موقفها من الاستقرار في الجوار، خصوصاً أدوارها نحو لبنان وإسرائيل.
في الوقت نفسه، يبدو أنّ العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في طور التحسّن. فقد أكّد عبد اللهيان لـ”أساس” عن “استمرار الحوار غير المباشر” مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني،: “إيران لديها الإرادة السياسية التي تدفع كلّ الأطراف إلى العودة للاتفاق النووي”.
وكشف أنّ المسار الدبلوماسي مع الولايات المتحدة من أجل البرنامج النووي يمضي قدماً تحت سقف مُبادرة عُمانيّة أعلنَ عنها وزير الخارجيّة الإيرانيّ للمرّة الأولى. وأضاف: “الحوار غير المباشر بين طهران وواشنطن بشأن إطلاق سراح السجناء سيساعد في الحوار حول الاتفاق النووي”.
كذلك أعرب الوزير الإيراني الذي حطّت طائرته في بيروت على بعد ساعات من وصول طائرة الموفد الأميركي آموس هوكستين، عن اطمئنان وثبات للاتفاق الموقّع مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية.
ماذا يعني هذا؟
أكّد عبد اللهيان لـ”أساس”: استمرار الحوار غير المباشر” مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني
تبدّل ميزان القوى الفرنسي – الأميركي؟
تحليل ما قاله عبد اللهيان في الشأنين الأميركي والفرنسي، من العاصمة اللبنانية، يدفع إلى استنتاج أنّ موازين القوى والأدوار تبدّلت، وأنّه ما عاد لباريس ما كان لها، أو ما حاولت أن تأخذه منذ تفجير مرفأ بيروت وزيارة ماكرون في آب 2020، وما تعهّد به من السعي لتحسين ظروف لبنان السياسية والاقتصادية والنقدية.
يؤكّد ذلك أيضاً تشديده لـ “أساس” على استقرار ثلاثي قوامه طهران وواشنطن والرياض. وجاء تشديد عبد اللهيان مبعثراً متقطّعاً، وليس في سياق ردّ واحد على سؤال “أساس” عن العلاقة مع السّعوديّة وأميركا، وسؤال آخر طُرِحَ عن العلاقة مع فرنسا، وركّز على ثلاثة أمور:
ـ العلاقة مع السعودية على خير ما يرام مع التزام أكيد بالاتفاق الموقّع في بكين.
ـ إيجابية عُمانية تعزّز المسار الدبلوماسي الإيراني في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. وكشف لـ”أساس” عن مبادرة لسلطان عُمان هيثم بن طارق طرحها على الطاولة وتهدف إلى ما سمّاه “رفع العقوبات الظالمة عن إيران”.
ـ محاولة ضبط الدور الفرنسي في لبنان، الذي شهد ضموراً وارتباكات وتعثّرات عديدة ظهرت في تغيير مبعوثي باريس إلى بيروت، وهم ذوو طبائع وتوجّهات سياسية مُختلفة.
وإذا كان الشأن الرئاسي اللبناني حاضراً في زيارته، إلّا أنّ ذلك لا يحول دون البحث العميق عن تبدّلات قد تكون طرأت نتيجة تغيّرات عديدة حضرت خلال اليومين الماضيين وعنوانها تزامن زيارتَي هوكستين وعبد اللهيان، على الرغم من تشديد الأخير لـ “أساس” على أن لا ارتباط بين “المصادفتين” الدبلوماسيّتين.
كذلك أكّدت مصادر مطّلعة في بيروت وعواصم عربية معنيّة لـ”أساس” أنّ ما حصل لم يكن مُنسّقاً على الإطلاق، وأنّ صياغة التسويات بشأن لبنان تتمّ بعيداً عن أرضه: “لكنّ الأكيد أنّ لبنان عاد للظهور بوضوح على شاشات السياسة الدولية بالمنطقة ولأسباب أبعد من لبنان بوضعه الحالي. ذلك أنّ بيروت الآن تشكّل نوعاً من عودة أميركية وإيرانية للتفاهم على الاستقرار اللبناني بوضعه الحالي وعلى أمن إسرائيل من خلال إعادة بحث الترسيم البرّي المرجّح أن يرى مخرجاً، فضلاً عن أنّ لبنان قد يشكّل على محدودية فاعليّته السياسية الإقليمية ورقة انتخابية في الانتخابات الأميركية”.
المصدر الأميركي كشف لـ”أساس” أنّ الدعم الإيراني للحزب في لبنان لن يتوقّف، فهذا الحزب رأسمال إيراني
غزل مقنّع بين الأميركيّين والإيرانيّين
في معرض تأكيد قراءتها السياسية طلبت هذه المصادر العودة إلى بيان السفارة الأميركية عشيّة زيارة هوكستين، وإلى تغريدة السفير الإيراني في بيروت عبر منصّة إكس:
ـ تحدّث البيان الأميركي عن “متابعة الاتفاق التاريخي حول ترسيم الحدود البحرية”، وهو ما يفسّره مصدر دبلوماسي أميركي لـ”أساس” بالقول إنّه “اتفاق من أهمّ إنجازات الإدارة الأميركية حالياً وعلى أبواب الانتخابات الرئاسية”.
وأشار المصدر نفسه إلى وجوب التنبّه إلى أنّ هوكستين ليس موظّفاً رسمياً وافق مجلس الشيوخ على تعيينه، وإنّما هو مبعوث “ومندوب” الرئيس الأميركي جو بايدن. ولذلك يأتي ما يفعله في سياق إعادة الحزب الديمقراطي وبايدن إلى الإدارة عند إجراء الانتخابات الرئاسية.
ـ أمّا تغريدة السفير الإيراني فقد تضمّنت نصّاً دقيقاً وواضحاً جدّاً عن الضمانات الإيرانية لاستقرار لبنان من خلال القول إنّ “زيارة وزير الخارجية هي لتأكيد دور إيران في استقرار لبنان”.
تحدّث النصّان السياسيّان الأميركي والإيراني عن “استقرار” لبنان الذي ما لبثت انهياراته الداخلية تتراكم بعضها فوق بعض، “والمقصود بالاستقرار” هو منع الانفجار بين لبنان وإسرائيل. لكن هل هذا ممكن في ظلّ معطيات عديدة أبرزها:
ـ تصعيد تنامى أخيراً بسبب لائحة اغتيالات تريد تل أبيب تنفيذها في بيروت، وأوضحها وجّهه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري الذي قيل إنّه يقيم في لبنان.
ـ كيف السبيل إلى ذلك مع تصعيد أعنف قاده الأمين العام للحزب حين ردّ بأنّ استهداف أيّ فلسطيني أو لبناني أو سوري على الأراضي اللبنانية سيجابَه بما هو أشدّ وأقوى.
ـ وإذا كان ذلك مُمكناً، فما هي دلالات لقاء عبد اللهيان مع وفد ضمّ مسؤولين في فصائل فلسطينية مقرّبة من طهران، وبينها حركتا حماس والجهاد الإسلامي؟
إقرأ أيضاً: السّعوديّة: المبادرة العربيّة مقابل التطبيع
أوباما: الحزب رأسمال إيرانيّ
المصدر الأميركي كشف لـ”أساس” أنّ الدعم الإيراني للحزب في لبنان لن يتوقّف، فهذا الحزب “رأسمال إيراني على ما قال الرئيس الأسبق باراك أوباما ذات مرّة وفي لقاء مع قادة عرب، حتى إنّه دعا إلى التفاهم من دون المسّ بالرصيد”.
لكنّ المصدر لفت في الوقت عينه إلى وجوب قراءة جانب التهدئة الذي أعلنه عبد اللهيان من خلال قوله: “لا نيّة لإيران والسعودية التدخّل في شؤون لبنان، لكنّ للرياض رؤى بشأن قضايا المنطقة، وبينها لبنان”.
هذا الكلام الإيراني، بحسب المصدر الأميركي، “جديد ويجب أخذه على محمل الجدّ”. والأوضح في قوله هو أنّ “إيران بدّلت من سياستها وذهبت نحو الانفتاح في كلّ الإقليم وحتى مع واشنطن”. وهذا ما أعلنه بوضوح وزير الخارجية الإيراني في مؤتمره الصحافي في سفارة بلاده ببيروت، إذ قال: “نرحّب بعودة العلاقة مع السعودية، وهناك دول أخرى تتحاور معنا علناً وسرّاً لإعادة العلاقات”، مشيراً إلى أنّ جهود طهران السياسية والدبلوماسية تتركّز على “الانفتاح والتواصل” مع كلّ دول الإقليم.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@