في اتصال هاتفي قبل ما يقارب الأسبوعين أراد الرئيس الأميركي جو بايدن أن يذكّر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو بأنّ هناك مؤسّسات دولية تسعى إلى عدم حصول انتهاكات لحقوق الإنسان التي أصبح واضحاً أنّ حكومة إسرائيل لا تلتزم بها في حربها على غزة، وعدم تكرار المآسي التي حصلت في الحرب العالمية الثانية. وبالتالي على إسرائيل أن تحيّد الأبرياء أثناء العمليات العسكرية.
نتانياهو لم يتأخر بالرّد على بايدن فقال له: “إنّ الولايات المتحدة قد استعملت “القصف السجّاديّ” في قصف ألمانيا خلال الحرب العالمية بالقنابل الكثيفة وألقت القنبلة الذرّية على اليابان لمرتين”.
عاجله الرئيس بايدن قائلاً: “نعم صحيح، لكن هذا هو السبب في إنشاء كلّ هذه المؤسّسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، لضمان عدم حدوث ذلك مرّة أخرى”.
حقوق الإنسان وحماية الصحافيين والمسعفين وبروتوكولات الحروب كانت من ضحايا حرب غزّة التي تشهد خروجاً عن كلّ المعايير الإنسانية في خوض الحروب وعدم الالتزام بالقواعد، وذلك من كلا الطرفين، بداية مع حماس وأخذ رهائن من المسنّين والأطفال، وبعدها إسرائيل في حرب انتقامية لا تعترف بأيّ عرف أو قانون دولي تحت شعار حقّها بالدفاع عن نفسها.
العالم أمام استحقاق كبير يتمثل بإعادة إنتاج منظومة القوانين فيه التي ترعى حقوق الإنسان. ما يحصل اليوم في كل البقع المشتعلة في العالم يُهدّد الاستقرار الدولي
ضحايا حرب غزّة
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، نشأ إجماع عالمي أدّى إلى تشكيل مجموعة من القوانين الدولية وبروتوكولات حقوق الإنسان. صُمّمت هذه البروتوكولات لمنع تكرار مثل هذا الصراع المدمّر والحفاظ على كرامة الإنسان. ومع ذلك، تشير الأحداث الأخيرة، ولا سيما حرب غزّة وغزو أوكرانيا، إلى اتّجاه مقلق مفاده، تآكل هذا النظام الدولي القائم على القانون الدولي الذي وُضِعَ في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تقارير من مختلف منظّمات حقوق الإنسان تتحدّث عن انتهاكات للقانون الدولي، بما في ذلك الهجمات العشوائية واستهداف البنية التحتية المدنية، وتوثّق تجاهلاً مقلقاً لمبادئ اتفاقيات جنيف، ولا سيما في ما يتعلّق بحماية المدنيين في النزاعات المسلّحة. القوى العالمية الكبرى، بدلاً من العمل كراعية للمعايير الدولية، تجد نفسها إمّا متورّطة بشكل مباشر في هذه الصراعات أو تقدّم الدعم للأطراف المتنازعة، وبالتالي تقوّض القواعد ذاتها التي ساعدت في إنشائها. هذا الاتجاه ينذر بالخطر بشكل خاص لأنّه لا يتحدّى سلطة الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة فحسب، بل يشجّع أيضاً الدول الأخرى على التصرّف على نحو يتجاهل المعايير الدولية.
مآلات تآكل القانون
إنّ تآكل احترام القانون الدولي له عواقب بعيدة المدى:
1- تقوّيض الاستقرار العالمي.
2- تغذية الصراعات الدولية والإقليمية.
3- نشوب أزمات إنسانية كبيرة.
شهدت حرب غزّة سوابق يصعب تجاهلها في أيّ نزاع مستقبلي، ولتجنّب تكرارها أصبح هناك ضرورة لإعادة ترميم النظام الدولي وعمل المؤسّسات الأممية بشكل يعيد لها المصداقية عبر إيجاد آليّات لمعاقبة المخالفين بعيداً عن مصالح الدول الكبرى.
ليست حرب غزّة صراعاً قديماً وتاريخياً وحسب، بل هي من أعراض أزمة أكبر تتمثل بإضعاف النظام الدولي. إذا استمرّت الأمور في هذا الاتجاه دون رادع، إنّ العالم يخاطر بالانزلاق مرّة أخرى إلى عصر قد يكون فيه الحقّ وحقوق الناس وحياتهم ثانوية بالنسبة إلى المصالح الجيوسياسية.
إقرأ أيضاً: السودان الكبير مشرذم بين جيشين
العالم أمام استحقاق كبير يتمثل بإعادة إنتاج منظومة القوانين فيه التي ترعى حقوق الإنسان. ما يحصل اليوم في كل البقع المشتعلة في العالم يُهدّد الاستقرار الدولي، حيث لا استقرار دون قانون يحترمه الجميع ولا قانون دون مساواة الجميع تحت سقفه. الإفلات من العقاب آفة من شأنها أن تقضي على كل القوانين والشرائع؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@