عام الحديد والنار


لقد كان عاماً مليئاً بالحديد والنار. خارطة الحريق كبيرة في عام 2023 من السودان القلق على مصيره المتقاتل على هويّة أمّة تبحث عن غدها إلى أذربيجان حيث أسطورة أرتساخ لم تجد من أبنائها من يتبنّاها. بيان يتيم أصدره الجيش الأذريّ تكفّل بدفع آلاف الأرمن للهروب من الإقليم دون قتال، مروراً بأوكرانيا حيث الحريق العصيّ على الثلوج بعدما عاصر فصلين من الخريف والشتاء دون أن تكون للنهاية معالم يمكن تلمّسها، وصولاً إلى إفريقيا السمراء حيث موسم طرد الفرنسيين منها بسلسلة من الانقلابات والاحتجاجات التي لم تخلُ من الرصاص والنار، فالحدود السورية الأردنية والغارات الجوّية المكافحة للمخدّرات، فليبيا المتمسّكة بوحدتها على الرغم من رغبات التقسيم بين بنغازي وطرابلس الغرب، دون أن تغيب إدلب عن البال والغارات التي لم تتوقّف ضدّ مخيّمات النازحين ومستشفيات المانحين من قبل طائرات النظام وراعيه الروسي، وانتهاء بغزة ومعها جنوب لبنان.
غزة 7 أكتوبر حيث تتجلّى صورة الحديد والنار، حكاية مجازر اعتقدت البشرية أنّها لن تراها بعد الحرب العالمية الثانية، ومعها جنوب لبنان والمصطلحات المستحدثة من قواعد الاشتباك إلى استراتيجية الإشغال وعدّاد الضحايا إلى ارتفاع عند نهاية كلّ يوم.

عام 2023 عام الحديد والنار. هو عام يختصر كلّ تاريخنا في هذه المنطقة وحكاية كلّ الأجيال التي ما عرفت سنة في عمرها ملؤها السلام

عام 2023 أطلقنا عليه في “أساس” عام “الحديد والنار”. وربّما أكبر الشواهد أنّ العالم كلّه كان يبحث دون جدوى عن وقف لإطلاق النار في كلّ تلك العواصم، لكن لم تفلح وساطة أو مبادرة في تكريس وقف واحد لإطلاق النار. أفضل الإنجازات كانت هدنة مؤقّتة لإدخال رغيف أو قارورة مياه أو لمعالجة جريح ودفن بعض الجثث في الخرطوم، ودارفور، ودرنة في شرق ليبيا، وبادية الشام وشمال سوريا وجنوب لبنان، ودائماً دائماً في عسقلان وخان يونس وجباليا ومخيّم الشاطئ وعند معبر رفح معبر العجز والآلام.
عام 2023 عام الحديد والنار. هو عام يختصر كلّ تاريخنا في هذه المنطقة وحكاية كلّ الأجيال التي ما عرفت سنة في عمرها ملؤها السلام.
2023 اسم عام يصلح عنواناً لحكايتنا ليس لأنّنا نحبّ الحديد والنار ولا لأنّنا نهوى الحروب والدمار، فنحن شعوب توّاقة إلى الحياة. قال فينا محمود درويش قبل عشرات السنوات بيتاً من الشعر يختصر كلّ شيء حين قال وقد صدق في ما قال: “نحن نحبّ الحياة إن استطعنا إليها سبيلاً”.

إقرأ أيضاً: 2024 عام “وجع الوجع”!!

اعتباراً من يوم الغد تنشر “أساس” سلسلة من المقالات التي ترسم خارطة الحديد والنار. سيكتب كبيرنا عماد الدين أديب عن الخليج العربي الساعي إلى إطفاء النيران، ويكتب محمد قواص من لندن عن غزّة وآلامها والبحث عن سبيل يُطفئ النيران. أمّا سمير صالحة من تركيا فيكتب عن عام تركيّ له قدمٌ في المياه الباردة وقدمٌ أخرى في المياه الساخنة تراقب وقائع الاشتعال. أمّا الزميل أمين قمّورية فيكتب عن الأمّة السودانية وعامها المليء بالتطوّرات، وكذلك يفعل نايف سالم كاتباً عن الكويت والاستقرار فيها، ومولانا رضوان السيّد يقرأ حراك الإسلام السياسي في عام الحديد والنار، إضافة إلى سلسلة من الحوارات تغطّي كلّ الأخبار دون أن نغفل شخصيّة العام في العالم وعند العرب وداخل حدود الوطن القلق المحتار لعلّها تكون خارطة واضحة لكلّ ما حدث وصار في عام نودّعه وننتظر العام الجديد بمزيد من الحديد والنار.

مواضيع ذات صلة

فلسطين 2024: المتاهة الجديدة للفلسطينيين..

خانة السنوات الشداد في روزنامة الفلسطينيين طافحة تتدفّق خارج حدود الموازين، ونصيبهم في أعوام الخير شحيح نادر، تحجبه عقود طويلة من احتلال بغيض نغّص حياتهم…

2023: موسم الهجرة الفرنسية من إفريقيا

يشبه المأزق الفرنسي في إفريقيا اليوم، المشكلة التي واجهتها المملكة المتحدة من قبل في دول الكومنولث، مع شيوع السردية المشكّكة في مستقبلها. فهل تشكّك فرنسا…

أوكرانيا بين الحظّ العاثر واللعنات الثلاث

لم تسِر سفن الحرب الأوكرانية في العام المنصرم كما يشتهي فولوديمير زيلينسكي. الهجوم المضادّ الذي شنّته كييف ضدّ القوات الروسية في الدونباس لم يحقّق أيّاً…

عام الحديد والنار

أطلقنا في “أساس” على العام 2023 اسم “الحديد والنار”. هو عام يختصر كل تاريخنا في هذه المنطقة وحكاية كل الاجيال التي ما عرفت عاماً من…