طرابلس تحضّر مرفأها بدل بيروت.. وخشية من “اليد الحزبية”

مدة القراءة 5 د


بعد الكارثة التي ضربت بيروت ودمّرت الجزء الأكبر من مساحة مرفئها، برزت الحاجة إلى تأمين استيراد المواد والبضائع عبر مرفأ طرابلس، الأمر الذي دفع إلى البحث في إمكانات المرفأ وقدرته على استيعاب هذه العملية الواسعة النطاق. وطرحت أسئلة حول امتلاكه البنية التحتية اللاّزمة لتوفير خدمات الاستيراد للبنان، وأسئلة عن المنطقة الاقتصادية الخاصة التي كان يفترض إنجازها منذ عقود، لكنها لا تزال صخراً على شاطئ البحر.

مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر قال لـ”أساس” إنّ سدّ الفراغ صعب لأنّ خدمات مرفأ بيروت تغطّي كلّ لبنان. لذلك، فإذا أردنا الاستعانة بمرفأ طرابلس لتأمين الثغرات الطارئة، سنحتاج إلى قراراتٍ سريعة وخارج النطاق التقليدي على قاعدة التعاون بين المرفأ والوزارات المعنيّة بالأمن الغذائي وبقية الأجهزة الكفيلة بتحقيق هذه الغاية.

إقرأ أيضاً: “ماس كهربائي” إسرائيلي في مرفأ بيروت؟

وأضاف تامر أنّ لدى مرفأ طرابلس الجهوزية للاستجابة إلى متطلّبات الاستيراد اللبناني في المرحلة الانتقالية، موضحاً أنّ طاقة المرفأ تصل إلى خمسة ملايين طن من البضائع، يتمّ حالياً العمل بطاقة مليوني طن منها، أي بأربعين في المئة من طاقة العمل.

وأكّد تامر أنّ أكبر البواخر في العالم قادرة على أن تدخل مرفأ طرابلس الذي يصل عمق حوضه إلى 12.5 أمتار أي أنه ينقص عن مرفأ بيروت بنصف متر فقط. كما أنّ رصيف مرفأ طرابلس الخاص بالحبوب باستطاعته استقبال السفن الضخمة كون عمق حوضه يصل إلى 15 متراً.

بالإمكان الاستعانة بالأرض العائدة لمشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة التي ليس فيها بُنية تحتية، لكن يمكن توفيرها بقرار سريع وحاسم، لأننا بحاجة إلى المناطق الخلفية

أما على مستوى الحاويات، فإنّ المرفأ قادر على استيعاب 300 ألف حاوية في السنة، بينما يجري العمل حالياَ بـ80 ألف حاوية سنوياً، أي أنّ العمل لا يزيد عن 25 % من طاقة عمله.

أما من الناحية اللوجستية، فلفت تامر إلى أنّ هناك نقطة ضعف في مرفأي بيروت وطرابلس، وهي تتمثّل في “المنطقة الخلفيّة”. فاستيراد الكميات الكبيرة من البضائع يحتاج إلى منطقة تخزين غير متوفّرة، يمكن للمستودعات القائمة في المرفأ أن تسدّ جزءً من الحاجة إليها: “لكننا مضطرّون للاستعانة بالمستودعات الخاصة القريبة من المرفأ أو تلك الموجودة بين مرفأي طرابلس وبيروت، مثل البترون وجبيل وجونية، لتوفير الأمن الغذائي وتأمين ما يحتاجه اللبنانيون من مستلزمات حيوية.

وقال تامر إنه بالإمكان الاستعانة بالأرض العائدة لمشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة التي ليس فيها بُنية تحتية، لكن يمكن توفيرها بقرار سريع وحاسم، لأننا بحاجة إلى المناطق الخلفية، وخلال 20 يوماً يمكن إنشاء مستودع لتخزين البضائع.

ويلفت مصدر اقتصادي إلى وجهٍ آخر من أوجه القصور في الدولة اللبنانية المتجسّد بإدارة المنطقة الاقتصادية الخاصة بطرابلس، التي تولّت رئاستها الوزيرة السابقة ريّا الحسن منذ العام 2015 حتى تاريخ تسلّمها وزارة الداخلية في الحكومة الأخيرة للرئيس سعد الحريري. فهي لم تجد التسهيلات والدعم المالي واللوجستي إلا من غرفة تجارة طرابلس ومن جميع نواب طرابلس، إلاّ أنّ كلّ الطرق الأخرى في الدولة كانت مغلقة أمام مشاريع المنطقة الخاصة التي تظهر اليوم وكأنّها أشبه بصحراء قاحلة. ولو أنّها أُنجزت، لكان مرفأ طرابلس يلبّي حاجة لبنان ويأخذ دوره على مستوى المنطقة.

تبقى إشكاليّة مضمرة في سياق الحديث عن الدور المنتظر من مرفأ طرابلس في المرحلة المقبلة، وهي وجود مخاوف جدّية من أن تمتدّ “اليد الحزبية” إليه للتعويض عن خسارة الرصيف الخاص والمعبر الخاص الذي كانت تسيطر عليه في مرفأ بيروت

وفي إطار “التضامن الاقتصادي” مع بيروت، وفي خطوة من شأنها توفير الوقت والمال، أعلن رئيس غرفة التجارة والصناعة والتجارة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي وضع كلّ الإمكانات بتصرّف بيروت الجريحة، وبتصرّف كلّ الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال والتجار الوكلاء البحريين. وأعرب عن استعداد الغرفة لتقديم كلّ ما لديها من مكاتب وصالات وحاويات ومستودعات لاستخدامها من دون مقابل، لتوفير فرص الاستمرار في العمل الذي من شأنه أن ينقذ لبنان. وأعلن أنّ غرفة طرابلس ستكون على تماسّ مباشر وتعاون وثيق مع المرفأ لتقديم كلّ ما أمكن من خدمات، داعياً أصحاب الطاقات والهيئات والمنظمات، الوطنية منها والدولية، للوقوف الى جانب الشعب اللبناني في هذه الكارثة، وللتنسيق والتعاون لتسهيل تقديم الخدمات المطلوبة.

تبقى إشكاليّة مضمرة في سياق الحديث عن الدور المنتظر من مرفأ طرابلس في المرحلة المقبلة، وهي وجود مخاوف جدّية من أن تمتدّ “اليد الحزبية” إليه للتعويض عن خسارة الرصيف الخاص والمعبر الخاص الذي كانت تسيطر عليه في مرفأ بيروت. ذاك الذي عجزت إدارته على مدى عقود عن تشغيل آلة الكشف (السكانر) فيه. وبسببه جرى تشويه صورة مرفأ العاصمة، بعد أن تحوّل إلى معبر استيراد باسم “الجهاد” يشمل كلّ أنواع البضائع المشكِّلة للاقتصاد الموازي.

يجاهر أبناء طرابلس بهذا الهاجس لأنّ ما جرى في بيروت لا يمكن تفسيره برواية السلطة، وسواء كان ما جرى عدواناً إسرائيلياً أو عدواناً محلياً، فإنّ النتيجة واحدة. لذلك تتداول الأوساط الطرابلسية بكثير من الهدوء والتحفظ ما يمكن فعله لحماية مرفأ طرابلس ومنع تحويله، مع المدينة، إلى ساحة استهداف إضافية في عهدٍ لم يعد ممكناً فيه استبعاد أي كارثة أو خراب.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…