تتحضّر مدينة طرابلس لتكون العاصمة الثانية للبنان قولاً وفعلاً في حال تعرّض العاصمة بيروت لأي اعتداء إسرائيلي، وهو أمر لا يمكن استبعاده مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية يومياً.
مرفأ طرابلس: قاعدة استيراد وإجلاء
على الرغم من أنّ الثقة تبدو معدومة بالدولة ومؤسّساتها، إلا أنّ ذلك لا يحجب النشاط المكثّف داخل أروقة الدولة. ومنها محافظة الشمال حيث تتلاحق الاجتماعات، وترتفع وتيرة الاستعدادات، ولا سيما مع إمكانية تحوّل طرابلس إلى عاصمة ثانية “قولاً وفعلاً” في حال جرى قصف العاصمة بيروت.
نقطة الارتكاز في هذا التحوّل هو مرفأ طرابلس، الذي يشهد منذ سنوات عمليات تطوير مستمرّة، وينصبّ الاهتمام والتركيز عليه ليكون بديلاً لمرفأ بيروت إذا ما تعرّض الأخير للاستهداف. ومن المعروف أنّ لبنان يعتمد على استيراد أغلب احتياجاته من الخارج، ويختلف الوضع حالياً عن التجارب التي عاشها لبنان سابقاً، وآخرها حرب تموز 2006، من ناحية صعوبة الاعتماد على الاستيراد برّاً من سوريا بسبب العقوبات المفروضة عليها، وهي التي تعتمد أساساً على لبنان لتلبية احتياجاتها.
يقول مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر في حديث إلى “أساس” إنّ “مرفأ طرابلس في حال جهوزية مرتفعة من النواحي اللوجستية بمعزل عن الأجواء الحالية، إذ تتوافر فيه قاعة مسافرين، وخطوط بحرية ثابتة تتطوّر باطّراد”. ويؤكّد تامر، الذي يتولّى أيضاً منصب مدير عام النقل البرّي والبحري، أنّ “جاهزية مرفأ طرابلس تسري على كلّ المرافئ اللبنانية، مع اختلاف القدرات التقنية، وأيّ مرفأ يتعرّض للحصار أو القصف سيكون هناك مرفأ جاهز بديل عنه. فالتحضيرات تتمّ من أجل ضمان عدم توقّف خطوط الإمداد أو انقطاع سلاسل التوريد”.
في هذا الإطار تشير معلومات خاصة بـ”أساس” إلى أنّ الدول الغربية ستعتمد على مرفأ طرابلس كمركز رئيس لإجلاء رعاياها، خاصة حملة الجنسيات المزدوجة، أي اللبنانيين الذين يحملون جنسيات أخرى ولم يتركوا البلاد إنفاذاً للتحذيرات المتوالية. وحسب المعلومات فإنّ السلطات الفرنسية لديها قناعة، ترتكز على معطيات ميدانية، بأنّ مرفأ طرابلس سيكون خارج أجندة الدمار الإسرائيلية، وذلك بعكس تقديرات الأجهزة الأمنيّة اللبنانية.
فندق جديد في خدمة النازحين
عند حصول مناوشات على الحدود مع فلسطين المحتلّة، جرى تفعيل لجنة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة الشمال، التي يرأسها المحافظ وتضمّ كلّ الأجهزة الإدارية والأمنّية. وانبثقت منها لجنة مصغّرة برئاسة أمينة السرّ العامّة للمحافظة إيمان الرافعي، وهي قائمقام زغرتا، وتتولّى في الوقت عينه تسيير أمور بلديّتَي الميناء والقلمون المنحلّتين، بتكليف من وزير الداخلية والبلديات. وحسب المراقبين، فقد نجحت الرافعي في ترك بصمة إيجابية من خلال تمكّنها من تفعيل عمل بلدية الميناء، بعد ركود طويل الأمد نتيجة الشدّ والجذب السياسيَّين اللذين أسقطا مجلسين منتخبين على التوالي.
تضمّ هذه اللجنة المصغّرة ممثّلاً عن وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وعن قوى الأمن الداخلي، فضلاً عن ممثّل لـ”UNDP” هو بمنزلة حلقة وصل بين المنظمات الدولية والأممية ولجنة إدارة الكوارث. وتفيد الرافعي بأنّ العمل حالياً منصبّ على تحضير مراكز إيواء في ظلّ استمرار المدارس والثانويات بالعمل وعدم إمكان استخدامها، وأنّه “بعد مراسلة البلديات تمّ وضع 10 مراكز للإيواء في المحافظة من البترون إلى المنية، بينها مركزان في مدينة طرابلس”. الأوّل هو أوتيل المعهد الفندقي في الميناء، وهي المرّة الأولى التي يجري فيها تداول اسم هذا الفندق، الذي لا يزال شاغراً تماماً من أيّ لوازم لوجستية، وكان من المفترض أن تجري عملية تلزيمه منذ سنوات، إلا أنّ الشلل البيروقراطي الذي ضرب أروقة مؤسّسات الدولة بفعل الأزمة الاقتصادية حال دون ذلك. ويلائم هذا الفندق الاحتياجات الحالية، ولا سيما مع وجود مطبخ كبير يعود في الأصل للمعهد الفندقي.
أمّا الثاني فهو في محلّة أبي سمرا، ضمن مركز يُستخدم قسم منه لعلاج الإدمان، بالشراكة بين جمعية خاصة ومؤسسة الجيش. هذا المركز جرى تصميمه على طريقة قرى “SOS”، ويضمّ 6 مبانٍ صغيرة منفصلة، وُضعت أربعة منها كمراكز إيواء مؤقّتة في تصرّف لجنة إدارة الكوارث والأزمات. تقول السيدة إيمان الرافعي في حديث إلى “أساس”: “حتى اللحظة لا توجد حركة نزوح جماعي نحو الشمال، ونحن كلجنة معنيون بتأمين العوائل التي لا تتوافر لديها قدرات مادّية تخوّلها الحصول على مسكن”.
التنسيق والتشبيك
على الرغم من ارتفاع أعداد النازحين، إلا أنّ المعلومات المتوافرة تشير إلى عدم وجود حركة نزوح فردي أو جماعي نحو مدينة طرابلس. ثمّة بعض الأشخاص الذين يتمتّعون بقدرات مالية، قاموا باستئجار منازل في البترون وزغرتا وإهدن، إنّما دون الإقامة فيها، حيث غالبيّتها لا تزال فارغة. ويندرج ذلك ضمن إطار التحوّط لتطوّر مجريات الأمور على الجبهة الجنوبية.
تشير الرافعي إلى عمل اللجنة على ثلاثة أمور في الوقت الحالي:
– الأول هو التجهيز اللوجستي من خلال “العمل على إدارة مراكز الإيواء من خلال منصّة تحت إشراف الصليب الأحمر اللبناني، ضمن غرفة عمليات إدارة الكوارث في سرايا محافظة الشمال، والتي جرى تجهيزها بمختلف اللوازم اللوجستية من إنترنت وخلافه، وهي على تنسيق دائم مع الأقضية والقائمقاميات التي بدورها ستشكّل خلايا أزمات”.
حسب الرافعي فهذه المنصّة “ستضمّ قاعدة بيانات لكلّ الجمعيات الراغبة في الإسهام بالعمل الإغاثي، وماهية الخدمات التي يمكن أن تقدّمها، ومدى قدراتها، وذلك لتسهيل تأمين متطلّبات مراكز الإيواء، والحؤول دون حصول تضارب في العمل”.
– الثاني هو تجهيز الموارد البشرية “من خلال العمل على حصول المتطوّعين على تدريبات في الإسعاف والإغاثة وإدارة مراكز الإيواء، بعدما أبلغتنا بعض الجمعيات عن وجود الكثير من المتطوّعين لديها”. وفي هذا الإطار، أعلنت الرابطة الثقافية في طرابلس عن وضع قاعاتها بتصرّف الدفاع المدني والصليب الأحمر وجهاز الطوارئ والإغاثة، من أجل إقامة دورات تدريبية للمتطوعين.
– أمّا الثالث فيتعلّق بالتجهيزات: “نعمل على تحضير قاعدة بيانات بالمعدّات والتجهيزات المتوافرة من أجل تأمين الصيانة لها، والوقود اللازم، عبر الجمعيات غير الحكومية، مثل آليّات الدفاع المدني والبلديات”. وتختم الرافعي: “الإمكانيات ضئيلة جداً وخاصة لدى البلديات، لكنّ دورنا هو خلق التنسيق المطلوب بين مؤسّسات الدولة والإدارات المحلية، ومختلف أركان العمل الإغاثي، من المجتمع المحلّي والمنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومية، من أجل إعداد خطط يمكن تطبيقها وفق التطوّرات الميدانية، على أن تكون هناك خطّة جاهزة لكلّ سيناريو على حدة”.
إقرأ أيضاً: خطّة الحزب للنزوح والإيواء: أسطورة عكارية؟
تكتسب عمليات الإعداد هذه أهميّة كبرى في ظلّ معلومات تشير إلى وجود تخوّف لدى الحزب من قيام إسرائيل دون مقدّمات بتنفيذ ضربة فجائية في الضاحية الجنوبية لبيروت ذات الاكتظاظ السكاني الهائل، وهو ما قد تنجم عنه موجة نزوح هائلة تجاه الشمال.
[VIDEO]