سلامة يفتح باب إعادة رسملة المصارف: هل يعيد الثقة؟

مدة القراءة 5 د


رسم مصرف لبنان أخيراً خارطة الطريق التي استقرّ عليها لإعادة هيكة القطاع المصرفي اللبناني، من خلال التعميم الوسيط رقم 567 الذي يهدف إلى وضع معايير مناسبة لإعادة رسملة القطاع، أي زيادة رساميله وإعادة تكوينها بعد احتساب خسائر الانهيار المالي الحاصل. وسيكون على المصارف اللبنانيّة أن تمتثل لهذه المعايير، تحت طائلة الخروج من السوق بحلول شهر شباط من العام المقبل، على ما أكّد حاكم مصرف لبنان نفسه. لكنّ عمليّاً، يبدو أنّ إعادة الرسملة وفقاً للمعايير التي وضعها حاكم مصرف لبنان في تعميمه الأخير ستكون مسألة صعبة على معظم المصارف اللبنانيّة، خصوصاً أنّ قيمة الرساميل المطلوب زيادتها في المحصّلة ستوازي 46% من رساميل القطاع الحاليّة.

إقرأ أيضاً: قرار استعادة الودائع: ماذا يخبّىء سلامة؟

فتعميم حاكم مصرف لبنان طلب من المصارف أن تزيد أموالها الخاصّة، أي رساميلها، بنسبة 20% قبل نهاية العام الحالي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ قيمة الرساميل الحاليّة تبلغ حوالي 22.1 مليار دولار، سيتبيّن لنا سريعاً أنّ القيمة المطلوب زيادتها إلى هذه الرساميل خلال الأشهر الثلاثة القادمة هي بحدود 4.42 مليار دولار. من ناحية أخرى، طلب مصرف لبنان من المصارف احتساب خسائر بنسبة 45% على سندات اليوروبوند التي اكتتبت فيها، وبنسبة 1.89% على توظيفاتها بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان، على أن يتمّ ذلك بشكل متدرّج خلال خمس سنوات. وبحسب دراسة سابقة للجنة الرقابة على المصارف، سيكون على المصارف اللبنانيّة تحمّل 5.75 مليار دولار من الخسائر في الرساميل نتيجة هذا الإجراء وحده، وهي رساميل ينبغي إعادة تكوينها لاحقاً للحفاظ على متطلّبات الملاءة.

يبدو أنّ مصرف لبنان لا يرغب بإحداث مجزرة مصرفيّة، قد تؤدّي عمليّاً إلى خروج عدد كبير من المصارف من السوق دفعة واحدة

وبين المؤونات والخسائر المترتبة على تعثّر الدولة في سداد سندات اليوروبوند ومصرف لبنان، وبين الزيادة المطلوبة قبل نهاية السنة في رساميل المصارف بنسبة 20%، تصبح القيمة الإجماليّة للسيولة التي تحتاجها المصارف لإعادة الرسملة نحو 10.2 مليار دولار أميركي.

في الواقع، تفيد مصادر مصرف لبنان بأنّ لجنة الرقابة على المصارف كانت قد أنجزت دراسات استباقيّة قبل إصدار التعميم لاحتساب قدرة المصارف على تحمّل هذه الخسائر. علماً أنّ هذه الدراسات ارتكزت بشكل أساسي على نسبة انكشاف المصارف على الديون السياديّة المرتبطة بسندات اليوروبوند والتوظيفات في مصرف لبنان. وقد تبيّن في هذه الدراسات بأنّه في حال لجأ مصرف لبنان إلى طلب احتساب خسائر بنسبة 45% لسندات اليوروبوند و1.89% للتوظيفات في المصرف المركزي، وهو ما جرى لاحقاً، فإن عدد المصارف التي لا تملك حاليّاً الرساميل الكافية لامتصاص هذه الخسائر سيبلغ 25 مصرفاً من أصل 63، من بينها 9 مصارف من مجموعة “ألفا”. علماً أنّ مجموعة “ألفا” تضمّ أكبر 16 مصرفاً لبنانياً، ويمتلك كلّ من هذه المصارف ودائع تتخطى قيمتها الملياري دولار. هذه المصارف، ستحتاج عمليّاً إلى استقطاب رساميل جديدة لتغطية الخسائر، أو الخروج من السوق في حال عدم قدرتها على فعل ذلك.

من الأكيد أنّ الصورة ستبدو قاتمة جدّاً عند هذا الحدّ، خصوصاً أن وضع القطاع الحالي لا يبشّر بإمكانيّة جذب المساهمين لاستقدام سيولة جديدة بهذا الحجم لإنقاذ مصارفهم وإعادة الرسملة. لكن عمليّاً، يبدو أنّ مصرف لبنان لا يرغب بإحداث مجزرة مصرفيّة، قد تؤدّي عمليّاً إلى خروج عدد كبير من المصارف من السوق دفعة واحدة. ولذلك، حرص الحاكم على تضمين التعميم مخارج تسهّل على المصارف عمليّة إعادة الرسملة المطلوبة، ولو أدّى ذلك إلى إفراغ عمليّة إعادة الرسملة من بعض أهدافها.

فعلى سبيل المثال، نصّ التعميم على إمكانيّة القيام بعمليّة إعادة الرسملة من خلال تحويل بعض الودائع إلى أسهم في المصارف. هذا الإجراء لن يؤدّي عمليّاً إلى استقطاب أيّ أموال جديدة إلى النظام المصرفي اللبناني من الخارج، ولن يؤدّي إلى تعزيز سيولة المصارف من الأموال الطازجة، لكنّه سيسمح بتخفيض حجم التزامات المصارف لصالح المودعين مقابل تحقيق زيادة دفتريّة في الرساميل المصرفيّة. ولتحفيز المودعين على التوجّه نحو هذه الخطوة، فتح الحاكم الباب أمام بيع هذه الأسهم لاحقاً، وتحويل مردود بيعها إلى الخارج، في حال جرى بيعها لأطراف خارجيّة.

من المتوقّع أن يكون أثر عمليّة إعادة الرسملة أقلّ وطأة من تقديرات لجنة الرقابة على المصارف

من ناحية أخرى، سمحت بعض بنود التعميم بالقيام بعمليات تمكّن المصارف من إعادة الرسملة دون ضخّ أموال فعليّة في المصارف، من قبيل السماح بزيادة الأموال الخاصّة للمصارف عبر إعادة تقييم الأصول العقاريّة الموجودة أساساً بحوزة المصارف. كما سمح التعميم للمصارف بزيادة رساميلها بأن يقدّم المساهمون موجوداتٍ عقاريّة، بدل تقديم سيولة قابلة للاستعمال. وفي الحالتين، سنكون أمام عمليّة زيادة في الرساميل ناتجة عن انتفاخ في الموجودات العقاريّة. وسيكون على المصارف العمل لاحقاً على تسييل هذه العقارات لتحويلها إلى أموال قابلة للاستخدام.

بعد كلّ هذه التسهيلات التي قدّمها تعميم مصرف لبنان للمصارف، من المتوقّع أن يكون أثر عمليّة إعادة الرسملة أقلّ وطأة من تقديرات لجنة الرقابة على المصارف. مع العلم أنّ تطبيق موجبات إعادة الرسملة كما حدّدها التعميم، ودون كلّ هذه التسهيلات، كان سيؤدّي إلى إخراج معظم مصارف مجموعة “ألفا” من السوق. لكنّ من المؤكّد أنّ بقاء هذه المصارف في السوق سيعتمد أيضاً على مدى استعداد المساهمين فيها للتضحية وتقديم هذه الرساميل الجديدة، ولو من خلال تقديم موجودات عقاريّة يمكن تسييلها لاحقاً، وهذا ما لا يمكن تلمّسه حاليّاً من أرقام ميزانيات هذه المصارف. وعلى هذا، سيكون بقاء 9 من أصل 16 مصرفاً من مصارف مجموعة “ألفا” رهناً بتمسّك المساهمين بمصارفهم، وباستعدادهم للاستفادة من التسهيلات التي قدّمها مصرف لبنان في التعميم لإنقاذ هذه المصارف.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…