سفير فرنسا السابق لدى إسرائيل: دبلوماسيتنا رهينة الحنين لزمن ولّى!

مدة القراءة 5 د


هل يجب أن نتأسّف على “السياسة العربية” لفرنسا؟

سؤال طرحه سفير فرنسا السابق لدى إسرائيل ثمّ الولايات المتحدة الأميركية جيرار أرو، في مقاله الأسبوعي، في مجلة “لوبوان” الفرنسية، حيث قال إنّ “المذكّرة التي كتبها سفراء فرنسا في بلدان الشرق الأوسط، وانتقدوا فيها سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون الخارجية، واصفين إياها بأنّها غير متوازنة لأنّها لمصلحة إسرائيل، تحمل طابع الحنين إلى دبلوماسية لم تعد موجودة”.

الدبلوماسي السابق ذكّر بأنّ “السياسة العربية ذات الذكرى المجيدة نفسها لم تكن بأيّ حال من الأحوال متوازنة، على الأقلّ ليس في نظر إسرائيل، التي اعتبرتها غير ودّية تجاهها، فعارضت بنجاح أن يكون لبلدنا أيّ دور عملياتي في مفاوضات السلام. لذلك اقتصر دورنا على الإدلاء بتصريحات وتفسيرات ترضي ذاتنا، لكن دون أيّ تأثير يذكر على الواقع. فهل حان الوقت للعودة إلى هذه السياسة؟”.

أضاف: “قال الجنرال ديغول: “يمكننا أن نتندّم على حلاوة أيام مصابيح الزيت، وروعة الإبحار بالقوارب الشراعية، وسحر زمن البحّارة. لكن ما العمل؟ لا توجد سياسة صحيحة بعيداً عن الواقع”. أعتقد أنّ بعض زملائي السابقين يجب أن يتأمّلوا في هذا القول. ويبدو لي أنّ انتقاداتهم تحمل طابع الحنين إلى هذا الشرق الأوسط حيث كان يتمّ التحدّث في لبنان باللغة الفرنسية اللذيذة، وحيث استقبلنا ياسر عرفات في باريس وحيث غذيّنا الوهم الساحر المتمثّل في وجود نفوذ لنا. لكنّ العالم الذي انتشرت فيه هذه الدبلوماسية لم يعد موجوداً. إنّ السياسة الخارجية ليست تطبيقاً لعقيدة ما، بل هي تكيّف عملي مع ظروف اللحظة. فإن تغيّرت هذه الظروف لا بدّ أن تتغيّر الدبلوماسية لكي تبقى وثيقة الصلة”.

جيرار أرو: القضية الفلسطينية عادت اليوم إلى الطاولة، لكن من الواضح أنّه لا توجد دولة مستعدّة وقادرة على معالجتها، وهذه هي المشكلة التي ينبغي للدبلوماسية الفرنسية أن تعالجها، وليس أن تعيد إحياء الحماسة التي لم تعد موجودة

تابع سفير فرنسا السابق لدى إسرائيل من عام 2003 إلى عام 2006: “حتى يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) المُنصرم، كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد اختفى تدريجياً من أجندة السفارات. ولقد لاحظت بنفسي، في المشاورات الثنائية التي أجريتها مع شركائنا الرئيسيين، أنّ هذا الموضوع لم يعد يحشدهم بعد الآن، وأنّ العالم قد بدأ يفقد اهتمامه بالقضية الفلسطينية. وفي العالم العربي الذي ضعفت قواه التقليدية الرئيسية (مصر والعراق وسوريا) وانتقلت القيادة إلى قادة الأنظمة الملكية في الخليج، لا يمكن للسياسة الفرنسية إلا أن تأخذ ذلك في الاعتبار وتستجيب لشواغل هذه الأنظمة. ومن الطبيعي أن تحوّل فرنسا اهتمامها، مثل كلّ القوى الأخرى، نحو تحدّيات أخرى في المنطقة غير القضية الفلسطينية، وأبرزها البرنامج النووي الإيراني، الذي ينظر إليه شركاؤنا هناك باعتباره تهديداً وجودياً لهم”.

أضاف الكاتب الذي كان المندوب الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة في نيويورك من 2009 إلى 2014 ثمّ سفيرها لدى الولايات المتحدة من تموز 2014 إلى نيسان 2019، أنّ “الشرق الأوسط هو جنّة السياسة الواقعية. هناك من ناحية الخطاب الإجماعي على المواضيع المتكرّرة حول الوحدة والتضامن العربي، وهناك من ناحية أخرى الواقع البارد المتمثّل في الدفاع الأكثر أنانية عن المصالح الوطنية. وسيكون من السذاجة أن نأخذ الأول على محمل الجدّ، ومن الخطأ عدم رؤية الثاني. والصراع الحالي حول غزة هو أفضل مثال على ذلك. فكم هي مؤثّرة صرخات الرعب التي نسمعها اليوم في العواصم العربية حول معاناة السكان المدنيين، ولكن كم هي جوفاء! في الواقع، وبعيداً عن إطلاق التصريحات استجابة للمشاعر العامّة، فإنّ معظم الدول العربية في المنطقة التي تعتبر حماس عدوّاً لها ستكون سعيدة إذا نجحت إسرائيل في القضاء عليها”.

وتابع: “السياسة الفرنسية التي ليست مهمّتها أن تكون الناطقة باسم الشارع العربي، بل تهدف إلى الحفاظ على علاقات الثقة مع الدول، والاستجابة لواقع اللحظة وليس لشبح “سياسة زمن آخر”. وفي الواقع، ليست أكثر ولا أقلّ تأييداً لإسرائيل من الدول العربية في المنطقة. فهل يجب أن تكون أكثر عربيّةً منهم؟”.

إقرأ أيضاً: ديفيد أغناتيوس: شهران للحرب.. وإسرائيل ستُغرِق أنفاق حماس

يخلص جيرار أرو، الذي بعدما تقاعد من العمل الدبلوماسي انضمّ للعمل لدى شركة أمن الكومبيوتر الإسرائيلية NSO Group، مصّممة برنامج التجسّس Pegasus، إلى أنّ “القضية الفلسطينية عادت اليوم إلى الطاولة، لكن من الواضح أنّه لا توجد دولة مستعدّة وقادرة على معالجتها، وهذه هي المشكلة التي ينبغي للدبلوماسية الفرنسية أن تعالجها، وليس أن تعيد إحياء الحماسة التي لم تعد موجودة”.

وتساءل: “لكن هل نحن قادرون على التواصل سرّاً مع الجهات الدولية الفاعلة للتعبير عن استعدادها للمشاركة في جهد منسّق لإعادة إطلاق عملية السلام التي أثبت هجوم السابع من تشرين الأول ضرورتها؟ هل نحن قادرون على إظهار الإبداع اللازم لنقدّم لهم سبل العمل، على سبيل المثال، من أجل ظهور قيادة فلسطينية جديدة، أو ضمانات أمنية سيتمّ منحها لإسرائيل؟ هل نعرف كيف ننتقل من المبادئ إلى تنفيذها العملي؟ قد يقول الجنرال إنّ هناك “برنامج عمل ضخماً” ينبغي للدبلوماسية الفرنسية أن تغتنم الفرصة له، حتى لو كانت عبقريّتها تتلخّص في فرض القانون بدلاً من تحقيق الأمور”.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…