سعيد لـ”أساس”: لا “كبرى” لمعادلة قوامها السلاح مقابل الدستور

مدة القراءة 6 د


في منزله في بلدة قرطبا بجرد جبيل الجنوبي يتابع رئيس لقاء سيدة الجبل فارس سعيد عن كثب ما يحصل في لاسا البلدة المقابلة تماماً لقرطبا، والتي لا يفصلها عنها، ولا يصلها بها، سوى وادٍ يمكن عبوره مشياً على الأقدام، كما يحبّ سعيد.

يهتمّ سعيد، الأمين العام السابق لقوى “14 آذار”، منذ 20 عاماً، بملف التعدّيات على أراضي الوقف الماروني في هذه البلدة التي تقطنها غالبية شيعية. وما يستتبع هذه التعدّيات من اعتداءات على مواطنين يريدون استغلال هذه الأراضي، كما حصل خلال الأيام الماضية. كذلك يهتمّ، النائب السابق عن قضاء جبيل، بقضية عقارية أخرى، هي مشاعات بلدة العاقورة القريبة أيضاً من قرطبا، فيطالب بإلغاء “مذكّرة علي حسن خليل” التي تنقل ملكية هذه المشاعات من أهالي القرية إلى الدولة اللبنانية. واهتمامه بهذين الملفين العقاريين هو اهتمام سياسي بقدر ما هو “أهلي” لكونه ابن المنطقة وما يصيب أهلها يصيبه، كما يقول. ويعود العامل السياسي فيهما إلى كون “حزب الله”، صاحب النفوذ الأول في لاسا وفي المقلب الشرقي لجرد العاقورة، يريد فرض أمر واقع عقاري في هذه المنطقة، تماماً كما يحاول فرض أمر واقع سياسي ودستوري ومصرفي ومالي على مستوى الجمهورية اللبنانية.

من هذه النقطة ينطلق سعيد، طبيب القلب الذي هجر المهنة منذ أكثر من عقد للتفرّغ للسياسة، للتعليق على كلام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي رفض “ميثاق 1943″، واعتبر أنّ الدستور اللبناني فاسد، وقال: “لا للطائف”.

إقرأ أيضاً: فارس سعَيد لـ “أساس”: ودائع اللبنانيين مقابل سلاح “حزب الله”

قبلان لم يقل كلاماً عادياً، بالنسبة لرئيس لقاء “سيدة الجبل”، بل “طرح معادلة قوامها السلاح مقابل الدستور. ومغزى كلامه أنه بعد أن تصرّف الموارنة والسنّة كطائفتين مميّزتين في العام 1943 وثمّ السنّة لوحدهم في العام 1989، أتى دور الطائفة الشيعية التي قدّمت تضحيات للبنان لتكون مميّزة وتكون الدولة صديقتها هذه المرّة. قبلان يقول باختصار: إذا أردتم سلاحنا فنحن نريد ضمانة دستورية على قياسنا الجديد”.

يضيف: “أمر وحيد يضرب هذه المعادلة وهو صدور حكم المحكمة الدولية فوراً لأنّ صدوره يسقط وظيفة سلاح حزب الله الذي استُخدِم لاغتيال شخصيّات سياسيّة في لبنان، وبالتالي فإنّ سلاحاً مجرماً كهذا لا يمكن مقايضته بالدستور”.

لم يحصل تمايز شيعي عن موقف قبلان يوم الأحد الماضي، وفق سعيد، و”ذلك بالرغم من التمسّك اللفظي لبعض المرجعيات الشيعية باتفاق الطائف”، يقول: “أحمد قبلان ليس نكرة بتراتبية الإكليروس الشيعي، هو المفتي الجعفري الممتاز، وهو نجل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالتكليف، وقد قرأ نصّاً مكتوباً. وعملياً لا يمكنه أن يقرأ نصّاً مكتوباً من دون أن تكون هناك توافقات بشأنه مع مرجعيات السياسية الشيعية”.

ويتابع: “ما سمعناه وقرأناه بهذا الخصوص هو تمايز لفظي، إذ لم نَرَ اعتراضاً شيعياً بارزاً على كلام المفتي قبلان، ولا مسيحياً ولا سنّياً. فالجميع يحاولون أن يسخّفوا هذا الموضوع من باب أنّه إذا رددنا على الشيخ قبلان فنحن نكبّره”… “حبيبي أنت لا تكبّر ولا تصغّر شيئاً، فالكلام الذي قاله أحمد قبلان كبير ويستحقّ ردّاً كبيراً”.

يدخل الأمين العام السابق لـ”14 آذار” على الموضوع من زاوية أخرى: “لا يمكن لقبلان أن يقول لماروني (أي الرئيس بشارة الخوري) وقف سنة 1943 في وجه الغالبية المارونية التي كانت تريد الانتداب: “إنتَ ما بتِسْوا”. كما لا يستطيع القول لسنّي (أي الرئيس رياض الصلح) طالب بالاستقلال سنة 1943، عندما كانت الغالبية السنّية تطالب بالوحدة مع سوريا: “إنتَ ما بتِسْوا”. هذا المنطق ينسف، وفق سعيد، إجماعات وطنية تأسّس عليها استقلال لبنان والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.

لماذا موقف المفتي قبلان الآن؟

يجيب سعيد: “هم يعتبرون أن بأمكانهم سرقة البلد، ولذلك يحاولون خلق أمر واقع عقاري وسياسي ودستوري وأمني وعسكري ومصرفي ومالي، قبل سقوط البصرة. منطقهم هو الآتي: إذا كانت المنطقة تتحوّل بين يوم وآخر، فلماذا لا نبني دولة في لبنان تكون لنا؟”.

لا يعتبر رئيس “سيدة الجبل” أنّ موقف المفتي الجعفري الممتاز يعبّر عن ارتياح، بل عن أزمة كبرى، تماماً مثل الكلام عن الفدرالية واللامركزية المالية”. ويضيف: “هذه طروحات لا تعبّر عن رؤية مستقبلية للبلد، والقائلون بها لا يعرفون لبنان. الذي يتكلّم عن لبنان أو عن غلبة فريق على الفرقاء كافة أو عن مشرقية مشبوهة، لا يعرف تاريخ لبنان. فهذه طروحات جُرّبت وكان مصيرها الفشل”.

المسؤولية الوطنية تقتضي تشكيل إطار سياسي واسع مهمته الدفاع عن الدستور، خصوصاً أنّ الدفاع عنه ليس اختصاص فريق، سواء السنّة أو غيرهم

وإذ يرى سعيد أنّ “الحديث عن تطوير النظام لا يصل، في السياق السياسي الحالي، إلى مكان”، يستدرك بالقول إنّ “هذا الطرح أصبح قيد التداول، وبالتالي اذا لم يُقابل بطرح التمسّك باتفاق الطائف، فسيصل إلى مبتغاه في نهاية المطاف”.

لكن من هم حلفاء كلام الشيخ قبلان؟

يجيب الطبيب الجبيلي: “كلّ اللبنانيين المأزومين الذين يظنون أنّ الأزمة أزمة نظام لا أزمة سلاح، بما في ذلك الثورة، التي تتكلّم مثل أحمد قبلان أحياناً”.

ثمّ يسارع الى القول: “في النهاية ليس المهمّ كيف يتلقّف الداخل موقف قبلان، بل الخارج… فهذا الكلام لا يقع على أذن أطرش، كما يقال”. ويسأل: “هل تنزعج الولايات المتحدة الأميركية إذا تمّ تعديل الدستور وأصبح قائد الجيش شيعياً وحاكم مصرف لبنان شيعياً، وذلك مقابل تسليم حزب الله لسلاحه؟”.

يضيف: “أنا أعرف فريقين وحيدين يقولان بالتمسّك بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني هما لقاء سيدة الجبل وحركة المبادرة الوطنية، وهاتان مجموعتان سياسيّتان محدودتا الفاعلية”.

وإذ نسأله: لكنّ كتلة المستقبل، ورؤساء الحكومة السابقين، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل، وغيرهم أعلنوا رفضهم كلام قبلان؟

يكتفي الحليف السابق لكلٍّ من “القوات” و”المستقبل”، بالقول: “عظيم”.

في الختام يرى سعيد أنّ “المسؤولية الوطنية تقتضي تشكيل إطار سياسي واسع مهمته الدفاع عن الدستور، خصوصاً أنّ الدفاع عنه ليس اختصاص فريق، سواء السنّة أو غيرهم”. ويعتبر أنّ “من يريدون الخروج من الدستور والعبور إلى أشكال جديدة من النظام السياسي، يقودون لبنان إلى المجهول، وأوّل هؤلاء أحمد قبلان”.

مواضيع ذات صلة

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

نعيم قاسم: هادئ وصلب ومتعدّد المشارب الفكرية

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصر الله، من حيث خصائص الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديين في حركة أمل،…

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….