سجعان قزّي لـ “أساس”: ما فائدة تطوير النظام اللبناني في ظلّ السلاح

مدة القراءة 9 د


باكراً جدّاً انخرط الوزير السابق سجعان قزّي في العمل السياسي والإعلامي ككثيرين من نخب جيله الذين عايشوا الصخب السياسي في لبنان منذ أواخر الستينيات حتّى وقوع الحرب في لبنان وهو صخب على سلبياته النهائية إلّا أنّه من النوع الذي يصقل تجربة أشخاصه، وهم على تماس يومي مع الجدال السياسي المفتوح على اضطرابات وجراح نكسة 1967 وعلى سخونة “الحرب الباردة”.

إقرأ أيضاً: الرئيس الجميّل لـ”أساس” (2/2): الحلّ يفوق قدرة العهد الحالي

سجعان قزّي، نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية سابقًا، هو ابن هذه التجربة. هناك تكوّن وعيه. وهناك كان رفيق بشير الجميل. ومعروف أنه كان يكتب خطابات الرئيس الشهيد وشعارات المقاومة اللبنانية من مثل: “نحن قدّيسو هذا الشرق وشياطينه”، و “نريد رئيسًا وقف ولمرّة على قبر شهيد”، إلخ…

من الماضي إلى الحاضر، سجعان قزّي اليوم من المقرّبين إلى البطريرك بشارة الراعي، فإذا كتب قزي أو صرّح، فإنّما صوته أبعد من صوته وكلماته أبعد من كلماته.

“أساس” التقت سجعان قزّي ابن فتوح كسروان، وسألته عن المبادرة الفرنسية، و”الحياد الناشط”، وتغيير النظام، واستقالة رئيس الجمهورية، إلخ…

ما لمسناه أخيراً من بعض الوساطات الدولية أنّ ذهنية المساومة تسود التسوية. وأخشى أن يقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذه التجربة رغم حرصه على سيادة لبنان

من الواضح، بالنسبة لقزّي، أنّه توجد محاولات لحلّ الأزمة اللبنانية من خلال تسوية، وليس من خلال حلّ جذري: “ما لمسناه أخيراً من بعض الوساطات الدولية أنّ ذهنية المساومة تسود التسوية. وأخشى أن يقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذه التجربة رغم حرصه على سيادة لبنان. هناك فارق بين العاطفة وبين إدراك الواقع. ولاحظنا أيضًا نموّ تيار في الإدارة الفرنسية يراهن على قدرة فرنسا على التأثير في السلوك الإيراني في لبنان والشرق الأوسط”.

يشير قزّي إلى أنّ “ماكرون أطلق في الزيارة الأولى (6 آب) أفكاراً غزيرة لامست التغيير الدستوري والسياسي، لاسيما حين اقترح مشروعَ عقد سياسي لبناني جديد. لكن بين الزيارتين الأولى والثانية (1 أيلول)، تبيّن له أن مفهوم الكلمات باللبناني يختلف عن مفهومها بالفرنسي. لذلك رأيناه في الزيارة الثانية يركّز على تأليف الحكومة وعلى إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية من دون التطرّق الى العقد السياسي”.

ويردف قزي: “فوجئنا أيضًا أنّ الرئيس الفرنسي، بنيّة إنجاح مشروع التسوية التي يعمل عليها، يعطي حزب الله في لبنان وإيران في المنطقة، دوراً في التسوية السياسية من دون إثارة سلاح حزب الله ودوره العسكري في حروب المنطقة، ومن دون التنبّه لمدى الهيمنة الإيرانية، وكأنّ حزب الله جزء من الحلّ بسلاحه فيما هو المشكلة الأساسية”.

قبل أن يكون تطوير النظام اللبناني مطلباً شيعياً أو سنياً أو درزياً، هو أساسًا مطلب مسيحي

 لكن هناك كلام داخلي عن تطوير النظام وتغييره من قبل رئيس الجمهورية و”حزب الله”…

* قبل أن يكون تطوير النظام اللبناني مطلباً شيعياً أو سنياً أو درزياً، هو أساسًا مطلب مسيحي. لكنّ التطوير الذي يتمنّاه المسيحيون هو مشروع تقدّمي يتخطى الطائفية، ويصبّ في اعتماد اللامركزية الموسعة، والحياد، والتشريع المدني للأحوال الشخصية، ويفصل بين الدين الدولة. ويجد هذا المشروع تأييدًا لدى رأي عامٍ واسع في الأوساط السنية والدرزية ولدى النخب الشيعية المستقلّة. إلا أنّ الإشكالية، بل المشكلة، أنّ تفكير المرجعيات الشيعية السياسية والدينية يختلف عن الطرح أعلاه. فقد أعلن الثنائي الشيعي السياسي بلسان المرجعيات الشيعية الدينية أفكارًا لا نعرف مضمونها الحقيقي، لكن عناوينها تنسف أسس الكيان اللبناني والصيغة والنظام والميثاق. وهذا يُدخل البلاد في صراعات طائفية إضافية بين المسيحيين والمسلمين وبين المذاهب الإسلامية. وطبيعي أن نعارض مثل هذه الطروحات المناقضة للوجود اللبناني بشتى الوسائل.

إذا كانوا يريدون تطوير النظام فنحن منفتحون، لكن ما قيمة أيّ تطوير سياسي ودستوري في دولة تضمّ سلاحاً آخر غير السلاح الشرعي؟، فالتعديل الدستوري في لبنان الواحد يستلزم أولاً وضع استراتيجية دفاعية تعيد كلّ سلاح على الأرض اللبنانية إلى الدولة. وإلا يصبح تعديل النظام تعديلاً لوحدة لبنان.

لماذا لم يزر الرئيس الفرنسي بكركي؟

* كنت أتمنى أن يقوم الرئيس ماكرون بهذه الزيارة، فمن ذهب من مدينة بيروت إلى بلدة جاج في أعالي بلاد جبيل، كان يمكنه أن يغطّ في بكركي ويلتقي، بمناسبة إعلان دولة لبنان الكبير، غبطة البطريرك في هذا الصرح الذي تربطه علاقات تاريخية بفرنسا. لكنّ المشكلة أنّ فرنسا اليوم توغّلت كثيراً في العلمانية، وصار مسؤولوها يتحاشون التعاطي السياسي المفتوح مع رجالات الدين خشية أن ينتقدهم الرأي العام الفرنسي المتزمِّت بعلمانيته حتى الإلحاد أحيانًا”.

ويعزو قزّي سبب عدم الزيارة أيضًا إلى أنّ الرئيس ماكرون يمرّ اليوم في أزمة شعبية صعبة في بلاده، فخشي أن تحصل عليه مزايدات في باريس: “فالرئيس ماكرون يستطيع أن يتجوّل وسط الجماهير في شوارع بيروت، لكنّه لا يستطيع أن يقوم بالشيء ذاته في شوارع باريس”.

الرئيس الفرنسي أبلغ البطريرك الراعي صراحةً دعمه الكامل لحياد لبنان أثناء اجتماعهما في قصر الصنوبر

وإذ ينفي قزي أن يكون سبب عدم زيارة ماكرون بكركي متصلاً بمبادرتها حول “حياد لبنان الناشط” لجهة عدم رغبة باريس في إظهار أيّ انحياز سياسي في لبنان، يؤكّد أنّ “الرئيس الفرنسي أبلغ البطريرك الراعي صراحةً دعمه الكامل لحياد لبنان أثناء اجتماعهما في قصر الصنوبر. وسبق لوزير خارجيته النشيط والمحب للبنان، جان إيف لو دريان، أن أعلن في الصحافة أنّ بلاده تدعم حياد لبنان، وأنه لا يستطيع تصوّر سيادة لبنان من دون حياد”.

هل الفاتيكان داعم لـ “حياد لبنان”؟

الفاتيكان ليس داعمًا لحياد لبنان فقط، بل هو صاحب الفكرة. فحين يقول البابا الراحل القدّيس يوحنا بولس الثاني: إنّ لبنان أكثر من وطن أنّه رسالة، يعني أن فلسفة وجود لبنان هو الحياد. فكيف للبنان أن يكون رسالة إذا كان منحازًا ومتورطًا هنا وهناك. فالرسالة على العموم تعني أحد أمرين، إما الدور العسكري: احمل بندقيتك واتبعني، وإما الدور السلمي: احمل كتابك واتبعني. وطبيعي أنّ الفاتيكان لا يريد لبنان جبهة عسكرية، بل منارة للسلام وبالتالي دولة حيادية.

ويلاحظ قزي أنّ “مراجعة التاريخ السياسي للفاتيكان في القرن العشرين تكشف أنه بتقاليده لا يتحمّس كثيراً لأيّ فكرة، باستثناء حماسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني ضد الشيوعية بحكم أصوله البولونية. لذلك، فتأييد الفاتيكان لمبادرة بكركي هو تأييد هادئ لكنه ثابت. وإذا لم يؤيد الفاتيكان الحياد فماذا سيؤيد في لبنان؟

برأيه إنّ “الفاتيكان يفهم أنّ مصير مسيحيي الشرق لا يتقرّر في بغداد أو في أبو ظبي أو في أيّ دولة أخرى، إنما في لبنان”. وتمنّى على الفاتيكان ألّا يخطئ في حساباته الشرق أوسطية، “فمصلحة مسيحيي الشرق ومصلحة الشراكة المسيحية الإسلامية في لبنان تقضي أن يقف الفاتيكان إلى جانب البطريركية المارونية ويسمع لها، فنحن نعرف الشرق ولبنان أكثر من سوانا”. وأكد قزي أنّ “دوائر الفاتيكان تنظر بارتياح الى فكرة الحياد اللبناني، لكنّها تدرس آلية تنفيذ هذا المشروع، وسيعلن موقفاً حيال هذا المشروع المتكامل”.

وعن اتهام مذكّرة الحياد الصادرة عن بكركي بأنّها تعبّر عن قراءة مسيحية لتاريخ لبنان السياسي، يقول ابن العقيبة الكسروانية: “لست من هذا الرأي إطلاقاً، إذ يجب أن نميّز بين السياسة والتاريخ. هذه مذكرة تاريخية وليست سياسية، وحين يكتب الفرنسيون تاريخ فرنسا ما بين بداية القرن العشرين والعام 1945 لا يستطيعون نفي الصراع بينهم وبين ألمانيا. وما ورد في المذكرة، هو عرض تاريخي للأزمات التي مرّ بها لبنان”.

يضيف: “إذا كانت الوثيقة قد أتت على ذكر هذه المحطات، فلكي تعرض للبنانيين مآسي الانحياز إن كان من المسيحيين أو من المسلمين، وليس لنكء الجراح. والبطريرك اليوم متأثر جداً من العاطفة التي ظهرت لدى القيادات الإسلامية اللبنانية ومن الدول العربية حول مشروع الحياد، ولا ينفكّ يتحدّث في مجالسه عن الوطنية التي أبرزها القادة المسلمون في لبنان تجاه مشروع الحياد، وكيف أنّ السفراء العرب زاروه وأيدوا مبادرته في حين أنّ بعض الأطراف المسيحيين المرتبطين بحزب الله تردّدوا في إعلان تأييدهم لها”. وأكّد أنّ “البطريرك يؤمن بالحالة العربية الحضارية، ويؤمن بالشراكة الإسلامية المسيحية”.

وعن سبب إسقاط البندين الأوّلين من “نداء 25 تموز” القائلين بفكّ الحصار عن الشرعية وتنفيذ القرارات الدولية والإبقاء على بندها الثالث أي “الحياد” في الوثيقة، يقول: “الأمر بسيط، فهذه وثيقة حول مشروع حياد لبنان فقط لا غير. والحياد هو مشروع وطني ذو بعد مستقبلي يرتبط بالتاريخ اللبناني، فيما العنصران الآخران أي فكّ الحصار عن الشرعية وتنفيذ القرارات الدولية هما مطلبان ظرفيان. وأعتقد أننا حينما نعتمد الحياد، فالعنصران السابقان ينفذّان بشكل تلقائي، في حين أنّه إذا لم نعتمد الحياد، فتظلّ الشرعية محاصرة في هذا العهد وأيّ عهد آخر، وستبقى القرارات الدولية معلّقة مثل 1559 أو منفّذة بشكل جزئي مثل الـ 1701”.

ثمّة مطالبات للبطريرك الراعي بـ “رفع الغطاء” عن الرئيس عون، هل ذلك ممكن؟

اذا كان البطريرك الراعي لم يطلب استقالة رئيس الجمهورية، فهذا لا يعني أنه مرتاح لسياسة العهد. أما المطالبة المباشرة باستقالة الرئيس، فيفترض أن يحملها القادة السياسيون أوّلاً وليس السيّد البطريرك. ثمّ إنّ مسؤولية ما حصل لا تقع كلّها على رئيس الجمهورية. وإنما هناك مسؤولون آخرون يتحمّلون المسؤولية نفسها لا بل أكثر، خصوصاً أنّ الحكم اللبناني بعد الطائف أصبح في مجلس الوزراء وليس في القصر الجمهوري، فإما أن تستقيل كلّ هذه المنظومة السياسية، أو فلماذا الانتقائية؟

لو سلّمنا جدلاً أنّ الرئيس قرّر أن يستقيل، فمن يضمن انتخاب رئيس للجمهورية، ألم نَرَ ماذا جصل بعد انتهاء ولاية الرؤساء أمين الجميل وإميل لحود وميشال سليمان؟ إذا كان هناك خوف حقيقي من حصول فراغ في الدولة اللبنانية، وحين حصل الشغور أيام لحود وسليمان، كانت هناك حكومة تضمّ الشخصيات القادرة على الحكم. إما إذا استقال الرئيس عون اليوم فلمن نسلّم البلد، للهواة أو لحزب الله؟

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…