إن كان للدول الغربية والإقليمية مواقف وحسابات في ضوء زلزال غزّة فإنّ للدول العربية المحورية مواقف وحسابات تبدو أكثر تعقيداً وثباتاً لأنّها تدمج ما بين الخاصّ بالنسبة لكلّ دولة وما بين القضية العامّة التي تربط بينها، أي القضية الفلسطينية.
في الحلقة الأولى تمّت قراءة حسابات ومواقف كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران وحركة حماس. وفي الحلقة الثانية اليوم نقرأ مواقف وحسابات كلّ من السعودية، مصر، قطر، والإمارات العربية المتحدة.
1- المملكة العربية السعودية: جاءت العملية بعد عدم توافر استجابات أميركية وإسرائيلية لشروط المملكة في سبيل تطبيع العلاقات، إذ إنّ الرياض كانت قد تمسّكت بحقّ الشعب الفلسطيني في بناء دولة مستقلّة، وهو أمر كانت ترفضه إسرائيل ولا تجد واشنطن طريقاً إلى تطبيقه. يُثبت ما جرى وجهة النظر السعودية في ضرورة منح الفلسطينيين حقّهم في دولة مستقلّة، والعودة إلى المبادرة العربية للسلام التي اقترحها الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمّة بيروت 2002. تأتي المعركة بعد اعتماد السعودية لسياسة تصفير المشاكل، ترتيب العلاقة مع إيران، والدخول على خطّ ترتيب العلاقات بين حركتَي فتح وحماس للوصول إلى موقف فلسطيني موحّد وجامع. إثر عملية طوفان الأقصى، رفضت المملكة العربية السعودية الرضوخ للضغوط الأميركية وإدانة ما قامت به حركة حماس. كان كلّ الكلام السعودي مع المسؤولين الأميركيين واضحاً بأنّ ما جرى هو نتاج قهر الفلسطينيين والتعنّت الإسرائيلي وممارسة التعجرف والعنصرية. وبحسب ما تكشف مصادر دبلوماسية فإنّ اللقاء بين وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كان عاصفاً، خصوصاً أنّ السعودية رفضت أيّ عملية تهجير لسكّان قطاع غزّة ورفضت استمرار العملية العسكرية، وتشبّثت بالذهاب إلى وقف إطلاق النار وحلّ سياسي. إلى ذلك لم يستقبل وليّ العهد السعودي بلينكن سريعاً، فاضطرّ إلى مغادرة المملكة والعودة إليها للقائه في وقت متأخّر من الليل، وقد أبلغه موقفاً واضحاً في شأن رفض التصعيد الإسرائيلي ورفض تهجير الفلسطينيين.
لا تعمل السعودية في هذا المجال وفق منطق إطلاق المواقف الإعلامية أو السياسية، لكنّها تمارس ضغطاً سياسياً كبيراً لتحقيق وقفٍ لإطلاق النار يكون في مصلحة الفلسطينيين
السعودية تحاور حماس
لا تعمل السعودية في هذا المجال وفق منطق إطلاق المواقف الإعلامية أو السياسية، لكنّها تمارس ضغطاً سياسياً كبيراً لتحقيق وقفٍ لإطلاق النار يكون في مصلحة الفلسطينيين. في هذا السياق تكشف مصادر دبلوماسية عن زيارة سيقوم بها مسؤول سعودي للدوحة للقاء قادة حركة حماس والتفاوض معهم والتنسيق معهم. ولا تريد السعودية أن تستثمر إيران ما جرى وحيدة، خصوصاً أنّ الرياض كانت أكثر الأطراف التي تقدّمت بمبادرات لدعم الفلسطينيين وحلّ الدولتين.
2- مصر: لا يمكن لمصر إلا أن تكون أكثر الدول المعنيّة بما يجري في قطاع غزّة لأنّه على حدودها. وبعض مشاريع التهجير التي يعمل عليها الأميركيون والإسرائيليون تهدف إلى توطين فلسطينيّي القطاع في سيناء، وهو ما رفضته القاهرة بشكل كامل، على الرغم من كلّ الضغوط التي مورست عليها وكلّ الإغراءات. عموم الشعب المصري يتعاطف مع الفلسطينيين ومع حركة حماس أيضاً، وهذا ما سيصبّ في مصلحة الموقف الرسمي المصري على أكثر من صعيد، وخصوصاً على مشارف الانتخابات الرئاسية الجديدة. تمثّل مصر دوراً فاعلاً في ما يجري، خصوصاً أنّها منذ سنوات كانت قد بنت علاقات قوية مع حركة حماس، وبالتالي هي شريكة أساسية في أيّ بحث عن حلّ، وفي دورها الساعي بالتكامل مع المواقف العربية الأخرى إلى حلّ الدولتين.
3- قطر: أمام كلّ البروز الذي تحقّقه الدول الكبيرة، إلا أنّ قطر تبدو الأكثر تقدّماً وتفوّقاً في هذا المجال، فهي القادرة على لعب أدوار مع أكثر من طرف وعلى تناقضات متعدّدة. ففيها يقيم قادة حركة حماس، ولا يخفى الدعم القطري للحركة. وهي مصنّفة حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية، وعلاقاتها مع إيران قوية جداً. تعمل قطر على بذل جهود في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وتتقدّم في دورها هذا بعد أزمة كبيرة تعايشت معها قبل سنوات إثر محاصرتها من قبل بعض الدول الخليجية ومصر. فغالبية المفاوضات تحصل على أرض قطر، ويتحرّك الموفدون القطريون في مختلف الدول، ومن بينها لبنان، للقاء مسؤولي حركتَي حماس والجهاد والحزب في سبيل عدم التصعيد وفي سبيل إطلاق سراح الرهائن، وصولاً إلى التفاوض السياسي.
إقرأ أيضاً: زلزال غزّة: الحسابات والرهانات الأميركيّة والإيرانيّة والإسرائيليّة (1/2)
4- الإمارات العربية المتّحدة: تمثّل الإمارات أوّل دولة ذهبت إلى اتفاق سلام وتطبيع مع إسرائيل، وهي أبرز الدول التي واجهت “الإسلام السياسي”، فيما تقود الطرف العربي الذي يريد إرساء السلام في المنطقة، فكانت الأولى التي ذهبت إلى ترتيب العلاقة مع إيران ووقف الصراع في اليمن، وصولاً إلى الاتفاق مع إسرائيل، بالإضافة إلى الحفاظ على علاقتها مع أميركا وروسيا في آن، ومساعيها إلى حلّ النزاع الروسي الأوكراني. يمكن لدولة الإمارات أن تستفيد ممّا جرى في تثبيت وجهة نظرها التي تقول أنّ حركة حماس وما تمثّله لا يتلاقيان مع تطلّعات الكثير من الدول، خصوصاً بعد الحملة الإعلامية العنيفة التي تعرّضت لها “حماس” في الغرب نتيجة أخذ الرهائن والعمليات ضدّ المدنيين.