دياب.. أو الطائفة التي سقطت

مدة القراءة 4 د


عندما سُئل حسّان دياب، عن رأيه بالتظاهرات والإعتصامات تحت منزله في تلّة الخياط، المعترضة على تولّيه تشكيل الحكومة، ومطالبته بالإعتذار عن هذه المهمّة، أجاب سائليه بأنه لا داعي للإستغراب، باعتبار أنّ هؤلاء يغنّون له ويُسمعونه موسيقى الشارع ومطالبه.

يعبّر الجواب عن حقيقة شخصية دياب، الصامت منذ تكليفه. إعتبر الرجل أنّ الكلام سيضرّه ولن يفيده في هذه المرحلة، لا بل سيكون سبباً في احتراقه. حاول أن يكون كلوح ثلج، لا تؤثّر فيه كل الإنتقادات، السنّية أو المناطقية، أو السياسية. ولا تعنيه كلّ هذه الحسابات، ما يعنيه فقط هو تحقيق حلمه الذي راوده لحظة تقديم نجيب ميقاتي لاستقالته.

في حينها، طلب دياب من مستشاره في وزارة التربية أن يحدّد له موعداً في الضاحية الجنوبية لبيروت مع المعنيين في حزب الله. ذهب الرجل بكلّ حماسته وصراحته، طارحاً نفسه وحلمه بأن يصبح هو رئيس الحكومة بعد ميقاتي. فلم يلقَ جواباً واضحاً من الحزب. ما يريده الرجل حصراً هو الوصول، وقد وصل بلحظة ما إلى “المكلّف بتشكيل الحكومة” والذي لا بديل عنه بفعل الصلاحيات والدستور والإستعصاء السياسي.

لا يخسر حسّان دياب من تأخير تشكيل حكومة، طالما أنّه غير مستعد على الإطلاق إلى التنازل. هو يريد لقب “دولة الرئيس” الذي لا يُكتسب إلاّ بعد تشكيل الحكومة. وحتّى الآن هو “رئيس مكلّف” فقط، وهذه لا ترضيه ولا تشبع طموحه. لا مشكلة لديه وإن تشكلت الحكومة ووقعت مراسيمها ولكنها لم تنل الثقة. يكتفي حينها بتصريف الأعمال والإنتقال إلى السراي الحكومي ليمهر توقيعه على بريد الجمهورية اللبنانية بصفة دولة رئيس مجلس الوزراء.

أحرج حسّان دياب الجميع من حيث لا يحتسبون. فلا من كلّفه قادر على استبعاده أو فرض إملاءاته عليه إذا ما أحسن التدبير، ولا من عارضوه قادرين على إزاحته

يمسك دياب مفتاح الحكومة تشكيلاً وتعطيلاً. يقول إنّ ليس لديه أيّ حسابات ليخسرها، هو في الأساس لا وجود شعبي أو سياسي له ليتأثر من جراء التعطيل، وليس لديه طموحات بالترشّح للإنتخابات النيابية. فرصته الوحيدة هي تشكيل الحكومة، التي لا يمكن التنازل عنها مهما طال الزمن. أزمة الرجل من أزمة السنّة في لبنان. هو غير قادر على الإقدام، ولا يريد التراجع أو الإفساح في المجال أمام غيره. المشكلة السنّية المتأصلة هنا، هي في التأثّر الشديد بالصراع الماروني المديد على رئاسة الجمهورية، والإستحكام بها بين قوى تتصارع إلى حدّ تدمير الطائفة وكل الإمتيازات التي ربحتها ما بعد تشكيل لبنان الكبير. تحوّل السنّة في صراعاتهم إلى طائفة يتقاتل أبناؤها على الموقع، فتضيع في حساباتهم اللعبة السياسية الحقيقية التي تستند إلى قوّة الشارع وقوّة المؤسسات في آن. الوصول إلى الموقع يقتضي التضحية بالناس والمناصرين، وهذا ما وصلت إليه الطائفة السنّية، في غياب شخصية تتمكن من الموازنة بين المعادلتين.

تعاطى حسّان دياب مع تكليفه بمنطق أنّ “لا شيء لخسارته”. إستند إلى قوّة الطائف في رفض الإعتذار عن التكليف، وعدم وجود أي مسوّغ يسمح بسحب هذا التكليف منه. وضع الجميع أمام خيار محتّم ينحصر بشخصه، في حالات كهذه تتعطّل بلاد ومؤسسات لحساب شخص، من دون اعتبار لأيّ حسابات أخرى، شعبية أو سياسية، وهنا تتظّهر الحالات النرجسية لدى هؤلاء الأشخاص. وربما هذا ما يجمع بالعمق بين دياب ورئيس الجمهورية ميشال عون. في مقابل نرجسية من نوع آخر لدى آخرين، يعتبرون أنّ البلاد بمؤسساتها لا يمكن أن تسير بدون وجودهم وأنّ الإقتصاد يتنفس من رئتهم.

أحرج حسّان دياب الجميع من حيث لا يحتسبون. فلا من كلّفه قادر على استبعاده أو فرض إملاءاته عليه إذا ما أحسن التدبير، ولا من عارضوه قادرين على إزاحته، ولا يمكنهم إلا الدفاع عنه لرمزية الموقع الذي تبوّأه في مواجهة أيّ حملة أو اختراعات جديدة لتحييده أو تنحيته. وثمّة من يعاونه، وهمس له بوجوب إظهار التصلّب بوجه عون وباسيل، لعلّ ذلك يحرج الحريري أكثر أمام بيئته، باعتبار أنّ دياب المحروم من الجمهور لم يقدّم التنازلات كما فعل الزعيم. اللعبة هنا معروفة وواضحة، لكنّ وقت الجدّ سيعود دياب إلى مستشاره الذي أمّن له الموعد في الضاحية في العام 2014. مع فارق أنّ حلم دياب يختلف عن حلم اللبنانيين المنتفضين، وهو قابل للتحّول إلى كابوس ينفجر بوجهه وبوجه الصيغة اللبنانية برمّتها.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…