دنيس روس: لا للرهائن… مقابل انتصار كبير لحماس

مدة القراءة 7 د


أزمة الرهائن الرهيبة التي تواجهها إسرائيل لا تترك أيّ خيارات جيّدة. لكنّ الولايات المتحدة تمتلك أوراقاً للضغط على حماس أكثر ممّا لدى إسرائيل، وفقاً لدينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي عرض ما يراه أفضل “الخيارات السيّئة” لمعالجة هذه الأزمة، في مقالة نشرتها مجلة “أتلانتيك”.

يعتبر روس أنّه “في خضمّ الرعب والمذابح، ينبغي عدم التغاضي عن هؤلاء الرهائن أو نسيانهم. في روح إسرائيل شعور دائم بأنّ أعداءها، الذين يسعون إلى تدمير الدولة اليهودية، لا بدّ أن يفهموا أنّهم سيدفعون خمسين ضعفاً مقابل أيّ أذى يلحقونه بإسرائيل. لكنّ جزءاً آخر من هذه الروح يصرّ على عدم التخلّي عن أيّ إسرائيلي.

أتاحت هذه العقلية عدداً من عمليات تبادل الأسرى في الماضي، بما في ذلك قرار رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في عام 2011 بتبادل أكثر من 1,000 فلسطيني مسجون، كثيرون منهم تلطّخت أيديهم بالدماء الإسرائيلية، مقابل جندي واحد، وهو جلعاد شاليط. يومئذٍ تمّ إطلاق سراح يحيى السنوار، زعيم حماس في غزّة وأحد العقول المدبّرة لهجوم هذا الشهر، وعلي قاضي، الذي قاد الهجوم وقُتل على يد الجيش الإسرائيلي. كان التبادل يحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل في ذلك الوقت، لكنّ العواقب التي تبيّنت ستجعل بنيامين نتانياهو وحكومته الحربية أقلّ رغبة بكثير في التفكير بالمزيد من هذه الصفقات. لكنّ مجال المناورة الإسرائيلي في ما يتعلّق بالرهائن محدود للغاية. لذا فإنّ خيارات إدارة جو بايدن، وإن كانت قليلة، إلا أنّها أكثر أهميّة.

أزمة الرهائن الرهيبة التي تواجهها إسرائيل لا تترك أيّ خيارات جيّدة. لكنّ الولايات المتحدة تمتلك أوراقاً للضغط على حماس أكثر ممّا لدى إسرائيل، وفقاً لدينيس روس

خطيئة تبادل الرهائن مع حماس

تمّ احتجاز ما يصل إلى 199 رهينة في هجوم حماس، وتمّت إعادتهم إلى غزّة. على الرغم من ذلك، يجب على إسرائيل الآن أن تشنّ حرباً، حتّى وهي تأمل إطلاق سراح الرهائن. وما يزيد من تعقيد هذه المعضلة أنّ الرهائن ليسوا إسرائيليين فحسب، بل يشملون أيضاً أميركيين وأشخاصاً من عدّة دول أخرى”.

وهنا يسأل روس، وهو يعمل مستشاراً في “معهد واشنطن”: “كيف يمكن لإسرائيل أن توازن بين أهدافها العسكرية والحاجة إلى استعادة الرهائن؟”.

ويكمل: “من المؤسف أنّه لا توجد إجابة بسيطة. احتجزت حماس الرهائن وهي تعرف جيّداً تاريخ إسرائيل في ممارسة هذه الصفقات. لا شكّ أنّ قادة حماس كانوا يأملون أن يشكّل ملفّ الرهائن رادعاً يمنع إسرائيل من شنّ حرب شاملة ضدّهم. كذلك يعرف السنوار وحلفاؤه في حماس أنّهم إذا تمكّنوا من مقايضة رهائنهم بعدد من المسلّحين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، فسيكونون أبطالاً بين الفلسطينيين الذين يعتبرون المعتقلين في السجون الإسرائيلية جزءاً من النضال ضدّ الاحتلال. وبالتالي فإنّ مشهد نجاح حماس في إطلاق سراح السجناء على الرغم من عملية 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، من شأنه أن يسمح لقادتها بالادّعاء بأنّ أسلوبهم قد نجح، وهذا سيسمح لهم بتعزيز فكرة أنّ “المقاومة” التي تقودها حماس سوف تؤدّي مع مرور الوقت إلى اختفاء إسرائيل.

هذا هو الهدف الاستراتيجي لهذه المجموعة. حماس لا تسعى إلى إنهاء الاحتلال، بل تسعى إلى إنهاء إسرائيل. وفي مواجهة هذا العدوّ، لا يريد الإسرائيليون، سواء كانوا من اليسار أو من اليمين، أن تدفع حماس ثمن الغزو والمذبحة فحسب، بل يعتقدون أنّ هجوم 7 تشرين الأول يجب أن يكون الردّ عليه بتحييد حماس أو القضاء عليها نهائياً في غزّة. وهم يدركون أن وحدها الهزيمة الساحقة لحماس، تضمن ألّا تصبح أيديولوجية حماس موجة المستقبل في المنطقة”.

 

أسباب رفض وساطة قطر وتركيا

من المؤكّد أنّ جميع الإسرائيليين يشعرون بألم حيال الأسرى المحتجزين في غزّة، ويرغبون في إطلاق سراحهم. لكنّ هذا لا يمكن أن يتمّ مقابل تقديم انتصار كبير لحماس.

على الرغم من صعوبة جهود الإنقاذ في منطقة حضرية مكتظّة بالسكان، مع توزّع الرهائن في الأنفاق ومواقع متعدّدة، إلا أنّها تشكّل بالنسبة لقادة إسرائيل احتمالاً أفضل بكثير من مفاوضات التبادل. لكن من سيكون محاورو إسرائيل في أيّ صفقة؟ لا أحد يتوقّع أن تعتمد إسرائيل على قطر للتوسّط، فهي توفّر ملاذاً آمناً لقادة حماس، مثل إسماعيل هنية، وتمنحهم منصّة لإصدار بيانات صحافية تدافع عمّا لا يمكن الدفاع عنه.

لا أحد يتوقّع أيّ دعوة لتركيا إلى العمل كوسيط أيضاً: قد لا تكون أنقرة واضحة في دعمها لحماس مثل الدوحة، لكنّ إسرائيل ستكون حذرة من أيّ عرض من الرئيس رجب طيب إردوغان للتوسّط، لأنّ لديه مصلحة راسخة في أن تحقّق حماس إنجازاً، ولأنّ صلاته بالإخوان المسلمين جعلته متعاطفاً دائماً مع حماس.

يعتبر روس أنّه “في خضمّ الرعب والمذابح، ينبغي عدم التغاضي عن هؤلاء الرهائن أو نسيانهم

لا تثق إسرائيل بقطر ولا بتركيا، وتعتقد أنّ قدرتها محدودة على التأثير عليهما، لذا ستتطلّع إلى إدارة جو بايدن لتوظيف نفوذ الولايات المتحدة وتتبّع قنوات دبلوماسية مختلفة نيابة عن إسرائيل. خلال زيارته للدوحة، أصرّ وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن على أن يستخدم القطريون علاقاتهم مع حماس لتأمين إطلاق سراح الرهائن.

يمكن لقطر أو تركيا، بمبادرة منهما، محاولة إقناع حماس باتخاذ هذه الخطوة. لكلا البلدين مصلحة في إثبات قيمة صلاتهما بحماس، وهي مصلحة شخصية يمكن خدمتها من خلال تشجيع حماس على استخدام هذه الوسيلة لتحسين صورتها الدولية. (سيكون من الأفضل بالطبع، من وجهة نظر أخلاقية، أن تهدّد الدولتان بقطع جميع العلاقات مع حماس إذا لم يفرج قادتها عن جميع الرهائن في الوقت المناسب، لكن هذا يبدو غير مرجّح، بالنظر إلى الانتماءات الإسلامية لهاتين الحكومتين).

 

النساء والأطفال مقابل المساعدات

أحد السبل التي يمكن لإدارة بايدن أن تستكشفها من خلال القطريين أو الأتراك أو، على نحو مفضّل، من خلال المصريين، الذين ليست لديهم مصلحة في تمكين حماس، سيكون إطلاق سراح النساء والأطفال مقابل اتفاق مع إسرائيل يسمح بإيصال بعض المساعدات الإنسانية إلى غزّة. يمكن لحماس أن تقبل هذا الاتفاق، من أجل تحسين موقفها الدولي، على الرغم من أنّها ستسعى بالتأكيد إلى استغلاله من خلال تسلّل مقاتليها إلى جنوب قطاع غزّة. وهو أمر ينطوي على مخاطرة. لكنّ إسرائيل أيضاً لديها من الأسباب ما يجعلها قادرة على إدارة صورتها لإظهار أنّها تحارب حماس، لكنّها لا تعاقب الشعب الفلسطيني.

الاحتمال الأكثر إثارة للقلق هو أن تجدّد حماس تهديداتها بالبدء بإعدام الرهائن، إمّا ردّاً على التوغّل البرّي المتوقّع من قبل إسرائيل، أو كوسيلة لحمل الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل. خصوصاً إذا بدا أنّ حياة الأميركيين هي الأكثر أهمّية بين أولئك المعرّضين للخطر. وليس هناك شكّ في أنّ إدارة بايدن تتشاور بالفعل مع الإسرائيليين بشأن النهج الذي يجب اتّباعه في ما يتعلّق بالرهائن.

لقد أشار الرئيس بايدن إلى أنّه لن يكون هناك خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن هذه المسألة. ولقد ونشرت الولايات المتحدة بالفعل وحدة لإنقاذ الرهائن في إسرائيل للمساعدة في التنسيق المحتمل. ويشير هذا إلى أنّ تبادل المعلومات الاستخبارية، وربّما الجهود المشتركة لإجراء عمليات الإنقاذ، قد يتبع ذلك، خصوصاً إذا نفّذت حماس تهديداتها الرهيبة بإعدام الرهائن.

عادة ما تتمّ محاولات الإنقاذ فقط كملاذ أخير. يستغرق جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة وقتاً طويلاً، وتحمل مثل هذه العمليات مخاطر عالية بطبيعتها: فبقدر احتمال نجاحها وإنقاذ بعض الرهائن، فإنّها يمكن أن تؤدّي أيضاً إلى مقتل آخرين.

إقرأ أيضاً: داعية سلام إسرائيليّ: تل أبيب تسهر وسديروت تقاتل.. ونتّجه لحرب أهلية

ليس لهذه الأزمة الرهيبة حلّ مباشر وفوري. وحالياً، أفضل طريقة للبيت الأبيض لمساعدة إسرائيل هي الاستمرار في المطالبة بالإفراج غير المشروط عن الرهائن والتشديد على الضرر الفادح الذي لحق بالقضية الفلسطينية من جرّاء محاولة حماس كسب النفوذ من خلال الضحايا الأبرياء. ويمكن للولايات المتحدة الاعتماد على الذين لديهم بعض التأثير على حماس وإعلامهم بما يجب أن يخسروه من خلال انخراطهم بعبادة الموت، وليس الحياة.

 

لقراء النصّ الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…