في الشكل، خرج وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه بخطة الدعم البديلة، التي يفترض أن تحلّ مكان آليّات دعم استيراد السلع الأساسيّة التي يقدّمها حالّياً مصرف لبنان. لكن ما إن نتمحّص قليلاً في تفاصيل الخطّة، حتّى يتبيّن أن ما يقدّمه الوزير فعلاً ليس سوى أفكار نظريّة غير قابلة للدخول حيّز التنفيذ في المدى المنظور، خصوصاً بالنظر إلى التعقيدات التي سترافق تنفيذ الخطّة، سواء من جهة كلفتها أو من النواحي التقنيّة واللوجستيّة.
باختصار، يبدو أنّ نعمه استرسل في رسم سيناريو غير واقعي لشكل الدعم الذي يراه مناسباً، بدلاً من البحث في الخيارات القابلة فعلاً للتطبيق خلال المرحلة المقبلة.
خطة نعمه تقوم على برنامج للتعويضات يمتدّ على مدى خمس سنوات، ويقوم على أساس منح 50 دولاراً أميركياً لكلّ مواطن بالغ و25 دولاراً أميركياً للأولاد دون 23 سنة في السنة الأولى، على أن تنخفض هذه القيمة تدريجيّاً لتصل إلى حدود 30 دولاراً للمواطن البالغ في السنتين الرابعة والخامسة، فيما يحصل الأولاد على نصف هذا المبلغ في هذه الفترة.
بحسب البرنامج نفسه، تنخفض أيضاً نسبة التغطية التي يوفّرها البرنامج من كلفة المواد الأساسيّة المدعومة تدريجيّاً، كما ستختلف نسبة الدعم هذه بحسب الطبقة الإقتصاديّة للفرد. مع العلم أنّ دولارات الدعم سيتم تقديمها من خلال بطاقات تمويليّة أو تطبيقات هاتفيّة، وستظلّ هذه الدولارات حبيسة النظام المصرفي إلى أن يستعملها المورّدون للاستيراد.
خطة نعمه تقوم على برنامج للتعويضات يمتدّ على مدى خمس سنوات، ويقوم على أساس منح 50 دولاراً أميركياً لكلّ مواطن بالغ و25 دولاراً أميركياً للأولاد دون 23 سنة في السنة الأولى، على أن تنخفض هذه القيمة تدريجيّاً لتصل إلى حدود 30 دولاراً للمواطن البالغ في السنتين الرابعة والخامسة
وبحسب الخطّة أيضاً، سيُرفع الدعم كليّاً عن جميع السلع الأساسيّة التي سيتم تحرير أسعارها في الأسواق، باستثناء دعم استيراد الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان الذي سيستمرّ خلال السنة الأولى، قبل أن يتم تعديل تسعيرة الكهرباء في السنة الثانية بالتوازي مع تطبيق الإصلاحات في مؤسسة كهرباء لبنان. أما الأدوية والمستلزمات الطبيّة فلن يُرفع عنها الدعم في أوّل سنتين، قبل أن يتم الانتهاء من الإصلاحات المطلوبة في القطاع الطبي بحلول السنة الثالثة.
مشكلة الخطة الأولى تتعلّق بسبل تمويلها، خصوصاً أن الأزمة الفعليّة التي ستؤدّي إلى وقف آليّات الدعم الحاليّة قريباً تتعلّق تحديداً باقتراب نفاد احتياطي العملات الأجنبيّة القابل للاستخدام. فعمليّاً، ستحتاج خطّة نعمه إلى ما يقارب أربع مليارات دولار خلال السنوات الخمس، فيما ستحتاج الخطّة إلى 1.5 مليار دولار في المرحلة الأولى وحدها من برنامج الدعم. ورغم أنّ الدولارات التي سيتم وضعها في البطاقات التمويليّة هي دولارات محليّة ينحصر تداولها في السوق المحلّي، فمن الطبيعي أن يحتاج التجّار إلى تحويل هذه الدولارات إلى دولارات طازجة في مرحلة لاحقة للاستيراد. وهنا يُطرح السؤال تلقائيّاً عن سبل الحصول على هذه الدولارات، خصوصاً أن طبيعة برنامج الدعم الحكومي تقتضي تمويله بالعملة الصعبة ومن قبل ميزانيّة الدولة نفسها، بدلاً من الدعم الذي كان يوفّره مصرف لبنان من احتياطاته.
المسألة الوحيدة التي يمكن أن يراهن عليها نعمه لتأمين هذا التمويل هي رزم القروض الدوليّة، وتحديداً تلك التي يمنحها صندوق النقد في إطار برامج الدعم الخاصة به. لكنّ المفاوضات مع الصندوق كما بات معلوماً، مجمّدة منذ أشهر، وسيحتاج لبنان إلى أشهر طويلة بعد تشكيل الحكومة لإعادة إطلاق مسار التفاوض مع الصندوق، والتفاهم على شروط هذا الدعم من جديد. كما سيحتاج إلى فترة مماثلة للبدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه.
مشكلة الخطة الأولى تتعلّق بسبل تمويلها، خصوصاً أن الأزمة الفعليّة التي ستؤدّي إلى وقف آليّات الدعم الحاليّة قريباً تتعلّق تحديداً باقتراب نفاد احتياطي العملات الأجنبيّة القابل للاستخدام
باختصار، من المستحيل، وفقاً للحاجات التمويليّة المطلوبة للخطة، أن يبدأ تنفيذها في مطلع 2021 كما تتوقّع الخطة نفسها، لا بل من المستحيل أيضاً أن تحل خطة نعمه مكان آليات الدعم الحاليّة فور استنفاد قدرة مصرف لبنان على دعم الاستيراد خلال الفترة القصيرة المقبلة.
من ناحية أخرى، من الواضح أنّ خطة نعمه تحتاج إلى ورشة تشريعيّة لإدخالها حيّز التنفيذ، من إقرار القانون المطلوب لتشريع إنفاق مليارات الدولارات على برنامج الدعم الجديد، إلى إقرار قانون الكابيتال كونترول لحماية مليارات الدعم التي ستودع في النظام المصرفي، وصولاً إلى إقرار رزمة القروض التي ستموّل هذا البرنامج مع شروطها. كما ستحتاج الخطة إلى ورشة تنفيذيّة ضخمة، تبدأ بتحضير الجداول الإحصائيّة لجميع العائلات اللبنانيّة بعد أن يتم فرزها وفقاً لمستوى الدخل، وتنتهي بالتخطيط لوسائل الدفع المطلوبة لتنفيذ الخطة.
إقرأ أيضاً: دياب يفخّخ “الدعم”… لينفجر بوجه الحريري
كلّ هذه الورش ستحتاج إلى فترة زمنيّة طويلة لإنجازها، قد تتجاوز السنة حتّى بعد تشكيل الحكومة. مع العلم أنّ القدرة على إنجازها تفترض توفير الإجماع السياسي الكامل على الخطة. في المقابل، من المرتقب أن تكون البلاد أمام تحدي توقف دعم مصرف لبنان، أو تقلّص قدرته على الدعم، خلال أسابيع من الآن. مع العلم أنّ حاكم مصرف لبنان نفسه أفاد مؤخّراً أن ما تبقّى من سيولة قابلة للاستخدام لديه لا يتجاوز الملياري دولار، وهو ما لا يكفي لأكثر من ثلاثة أشهر من الدعم وفقاً لوتيرة استعمال الاحتياطات الحاليّة.
أما أخطر ما في الخطة، فهو كلفة فشلها إذا لم تنجح. فخطة نعمه تقوم على مبدأ الرفع التام للدعم عن المحروقات والقمح والمواد الغذائيّة، بضربة واحدة، وتحرير أسعارها، مع الاعتماد في المقابل بشكل تام على فكرة البطاقات التمويليّة. وبذلك، يمكن القول إنّ أيّ فشل يمكن أن يواجه فكرة البطاقات التمويليّة، سيحمل معه كلفة اجتماعيّة ضخمة على الفئات الاجتماعيّة الأقلّ قدرة على مواجهة آثار رفع الدعم.