في الأيام القليلة الماضية، انتشرت في بعض وسائل الإعلام تسريبات عما قالت مصادر قربية من الحزب إنّها “خطة طوارئ لإيواء النازحين” من المناطق الحدودية ومن ضاحية بيروت الجنوبية وضعتها المؤسسات المعنية في الحزب. وتضمن التسريب تفصيلاتٍ عن تحديد أماكن سيتم توزيع النازحين عليها في مختلف المحافظات اللبنانية، فضلاً عن مطابخ ميدانية.
كان لافتاً أن الخطة المنشورة أشارت الى وجود 45 مركزاً في محافظة عكار وحدها، مقابل أعداد أقل من ذلك في المناطق القريبة، الأمر الذي فاجأ المتابعين، وخاصة في مناطق أهل السنّة.
وهنا برزت وجهتا نظر:
1- تعتبر الأولى أن الحزب ما أراد إلا إشاعة مشاعر الاطمئنان وسط بيئته وجمهوره مع بدء نزوح بعض العائلات التي تقطن قرب الحدود.
2- والثانية أن الحزب كشف بعض أوراقه التي تثبت مدى تمدده وتغلغله في البيئات الأخرى، وخاصة السنّية منها، وتحديداً في الشمال، بعد عقد ونيف من الصراع السنّي – الشيعي الممتد من طهران مروراً بصنعاء وبغداد ودمشق وصولاً الى بيروت.
مصدر مقرب من الحزب: الحيثية التي استطاع الحزب بناءها في السنتين الأخيرتين في عكار والجوار تسمح له بأن تكون له القدرة على إيواء النازحين في حال احتاج الأمر الى ذلك. لكنّ عكار قد تكون الخيار الأخير
لا داعي للهلع
بالتأكيد توخى الحزب إرسال إشارات لجمهوره وبيئته بغية طمأنتهما وتهدئة قلقهما، ولا سيما بعدما بدأت موجة نزوح نسبي أدت الى ارتفاع بدلات إيجارات الشقق بشكل هائل في بعض مناطق بيروت والجبل وكسروان والشمال.
ومع انتشار هذه الأخبار، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة، التي تطال جميع الفئات والمناطق، فإنّ الحزب تدخل بشكل ناعم قائلاً لناسه: “لا داعي للهلع. فهناك مقرات إيواء جاهزة”. ليس ذلك فحسب، بل “الطعام مؤمن أيضاً، وهناك مرشدون ودعم نفسي أيضاً”.
بيد أنّه مهما كانت خطة الحزب متقنة وشاملية، فإنها تفتقر الى عاملين مهمين:
– الأول هو عدم قدرة المقرّات والشقق المجهزة على استيعاب أعداد النازحين في حال توسع المناوشات في الجنوب وتحولت الى حرب على شاكلة حرب تموز 2006.
– الثاني هو غياب أي ضمانة لقوافل الخارجين من بيوتهم بعدم استهدافها من قبل الطائرات الإسرائيلية كما فعلت سابقاً، وتفعل اليوم في غزة، ولا سيما مع طول المسافة المقطوعة، التي تسهل استهدافها، خاصة مع غياب وسائل الدفاع الجوي.
تواصل “أساس” مع شخصيات ونواب من عكار للسؤال عن الأماكن والمقرّات التي تحدّث عنها الحزب في خطته، فكان الـ”لا يقين” هو القاسم المشترك:
– فهناك من قال إنه لا يعلم شيئاً، وإنها المرة الأولى التي يسمع فيها بذلك، مبدياً استغرابه.
– وهناك من اعتبر الأمر لا يعدو كونه محاولة تطمين من الحزب لجمهوره، وأن ما حكي عنه فيه الكثير من المبالغة.
– وفئة ثالثة لم تستغرب وجود 45 مقراً أعدها الحزب في عكار في ظل عمله منذ عدة سنوات على التمدد فيها، ووجود أنصار وحلفاء له منتشرين في المحافظة. خصوصاً مع توسّع بيكار المساعدات الطبية والاجتماعية في تلك المحافظة خلال السنوات الأخيرة .
رئيس اتحاد بلديات وسط وساحل القيطع: الحزب يريد إثبات وجود حاضنة له من كل الطوائف.. الحزب صار لديه انتشار واسع في عكار عن طريق مؤيدين وأنصار موزعين على نحو 80% من المحافظة
“بيوتنا مفتوحة للنازحين”
نفى رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع عبد الإله زكريا معرفته بقيام الحزب بـ”استئجار أو شراء قاعات أو شقق سكنية”، وأكد أنه “في حال حصول شيء من هذا القبيل كان لا بد أن ينتشر خبره بسرعة، مهما حاول الحزب التكتم، ولا سيما في ظل الطابع الريفي لعكار الذي يجعل إخفاء ذلك أمراً شبه مستحيل”.
هل قام الحزب بذلك مواربة عن طريق أشخاص آخرين؟
حتى في هذه الحال، لا يمكن إخفاء ذلك لفترة طويلة في مجتمع لا أسرار فيه، وحيث الجميع يعرف بعضهم كل شيء عن البعض الآخر. وفق زكريا، فإن “الحزب يريد تطمين جمهوره وناسه، ولذلك نشر هذه الخطة وسوّقها في أوساطه. وعموماً لا يوجد في عكار سوى عدد قليل من القاعات ولا يسعها استيعاب إلا عدد محدود”.
في حين اعتبر أحمد المير، رئيس اتحاد بلديات وسط وساحل القيطع، أنّ “الحزب يريد إثبات وجود حاضنة له من كل الطوائف”، لكنه لم يخفِ أن “الحزب صار لديه انتشار واسع في عكار عن طريق مؤيدين وأنصار موزعين على نحو 80% من المحافظة”. وأشار الى أن الحزب “لديه في عكار قاعات مجهزة منذ ما قبل الثورة السورية عام 2011، لكن عددها محدود وكذلك قدراتها الاستيعابية، وبالتالي فإن الخطة فيها الكثير من المبالغة بهدف تطمين ناسه”.
وكشف المير أن الحزب ينشط منذ سنوات في مساعدة الناس وتأمين المازوت والطبابة. وشدّد على أهمية “المساعدات الطبية التي يقدمها الحزب عن طريق ذراعه الخيري جمعية “وتعاونوا”، التي تساعد في تمويل عمليات جراحية وعلاجات باهظة التكلفة في حين يعجز الناس عن دخول المستشفيات”.
وختم المير، وكلّ من تواصلنا معهم بأنّ “بيوت عكار مفتوحة للنازحين بمعزل عن الموقف من الحزب، فهذا واجب وطني وشرعي وأخلاقي يتقدّم على السياسة”.
الحزب في عكّار والمنية والضنّية.. وطرابلس؟
لا ننسى هنا أنّه في الانتخابات النيابية الأخيرة كان الحزب عرّاباً وداعماً للائحة فازت بـ3 مقاعد وكانت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على الرابع. والحزب هو الذي يقف خلف القفزة الكبيرة في أصوات النائب محمد يحيى الى الضعف بين 2018 و2022، حيث نجح في جعله النائب السنّي الأول في لبنان. وهذا مسبوقاً ومعطوفاً على تعاظم حضور الحزب في عكار.
ولا يقتصر هذا الحضور على عكار، بل يشمل أيضاً المنية والى حد كبير الضنية أيضاً. وفي ذكرى يوم القدس التي ينظمها الحزب كل عام في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، كان لافتاً للغاية حضور رجال دين شيعة في احتفالية نُظمت بالمنية، وأفردت لها قناة المنار مساحة واسعة. ومر ذلك دون أي اعتراض يذكر بعكس ما هو الحال في طرابلس، حيث لا تزال الإشارات والرموز التي تمثل الحزب مرفوضة ومستهجنة.
إقرأ أيضاً: سُنّة لبنان: قلوبهم مع فلسطين.. لكن “لا ثقة” بالحزب
نجحت جمعية “وتعاونوا” ورئيسها محمد شومان في تحقيق حضور كبير وفي تكوين شبكة علاقات واسعة في عكار والشمال، تشمل رجال دين وشخصيات أخرى وعدة جمعيات “يتعاون” معها في تنفيذ عدد من المشاريع ذات البعد الخيري والاجتماعي.. والسياسي طبعاً.
مصدر مقرب من الحزب أشار إلى أنّ “الحيثية التي استطاع الحزب بناءها في السنتين الأخيرتين في عكار والجوار تسمح له بأن تكون له القدرة على إيواء النازحين في حال احتاج الأمر الى ذلك. لكنّ عكار قد تكون الخيار الأخير لأنه توجد أماكن في باقي المحافظات والمناطق أكثر قرباً وعلى درجة أعلى من الجهوزية والاستنفار”.
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ “الحزب قد يستبدل عكار بالمناطق الآمنة على الجانب الآخر من الحدود الشرقية لتكون البديل لأهالي المناطق الذين نزحوا سابقاً الى عكار وغالبيتهم من بعلبك – الهرمل”. أما في طرابلس فيكشف المصدر أن الاعتماد سيكون على النقاط الآمنة فقط مثل المدارس والمؤسسات الحكومية المؤهلة لذلك التي ستمثل خياراً أخيراً. أي أنّ الحزب لا يهدف فقط الى تطمين جمهوره، بل فعلاً لديه خطة لإيواء النازحين تتضمن مروحة خيارات واسعة سنّية ومسيحية وحتى سوريّة.