خبير سياسي فرنسي: لمحمية دولية عربية في غزّة

2023-11-11

خبير سياسي فرنسي: لمحمية دولية عربية في غزّة


هل من الضروري الذهاب إلى حافة الهاوية حتى يتمكّن الغربيون والروس والصينيون والعرب من الجلوس مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول طاولة لحلّ المشاكل واحدة تلو الأخرى؟ بدءاً من استبدال نظام الإرهاب في غزّة بمحمية مؤقّتة تحت رعاية الأمم المتحدة والدول العربية تُكلّف بنزع السلاح وإعادة بنائها وإعادتها إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية التي رسمت حدودها وعاصمتها في اتفاقات أوسلو؟ وبالتالي تسوية مسألة حدود إسرائيل بطريقة سلمية؟
بالنسبة للوزير الفرنسي السابق بيار لولوش، هذا الحلّ هو البديل الوحيد لتجنّب الهاوية، بما في ذلك هاوية الحرب النووية بين إسرائيل وإيران التي تهدّد منطقة الشرق الأوسط والاستقرار العالمي اليوم.
لولوش كان وزير الدولة للشؤون الأوروبية ثمّ وزير التجارة الخارجية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي (2008-2012) وممثّله الخاص إلى أفغانستان وباكستان (2008-2012)، وكان المستشار الدبلوماسي لجاك شيراك (1989-1997).
في مقال نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية اعتبر أنّه كما حدث في 11 أيلول عام 2001، فلا بدّ أن ننظر إلى السابع من تشرين الأول عام 2023 باعتباره نقطة تحوُّل رئيسية في التاريخ المعاصر تفتح هوّة جيوسياسية حقيقية أمام إسرائيل، ولكن أيضاً أمام المنطقة برمّتها، وربّما حتى أمام العالم أجمع.
يرى لولوش أنّه إذا كانت صدمة 7 أكتوبر دفعت إسرائيل إلى التفكير بإمكانية القضاء التامّ على حماس، باعتباره خيارها الوحيد لتفادي تكرار هجمات مشابهة بشكل نهائي، إلا أنّه من شبه المستحيل الوصول إلى هذه النتيجة، وهو مسار سيشكّل خطراً عسكرياً وسياسياً. ويعدّد الأسباب التالية:

يرى لولوش أنّه إذا كانت صدمة 7 أكتوبر دفعت إسرائيل إلى التفكير بإمكانية القضاء التامّ على حماس، إلا أنّه من شبه المستحيل الوصول إلى هذه النتيجة

يستحيل تدمير 500 كيلومتر من الأنفاق
– من الناحية العسكرية يبدو صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، تدمير 500 كيلومتر من الأنفاق التي بنتها حماس، بصبر، طوال عشرين عاماً، والقضاء على 5 آلاف مقاتل من جيل لا يعرف سوى حماس وأيديولوجيتها، بالإضافة إلى 2.5 مليون مدني (نصفهم أطفال)، في تجمّعات سكنية كثيفة بشكل لا يصدّق. بالإضافة إلى خطر احتمال تمدّد الحرب إلى 10 آلاف مقاتل من ميليشيات الحزب الشيعية المنتشرة على الحدود الشمالية، وهم المقاتلون الأكثر صلابة بسبب مشاركتهم في الحرب السورية، ومجهّزون بـ150 ألف صاروخ إضافي قدّمتها إيران. ما قد يؤدّي إلى تحوُّل في الحرب الإقليمية قد يورّط أميركا، الحاضرة منذ اليوم الأول للصراع: فرئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، ووزير خارجيتها أنتوني بلينكن، شاركا في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، وتتمركز قوات مشاة البحرية الأميركية الآن بشكل دائم في إسرائيل، بينما تنتشر مجموعتان من حاملات الطائرات الأميركية في المنطقة. وفي الوقت نفسه، بدأ الإيرانيون عبر ميليشياتهم المنتشرة في العراق، بضرب نحو 3,400 جندي أميركي منتشرين في العراق وسوريا، في حين اعترض الأميركيون صواريخ إيرانية أُطلقت من اليمن ضدّ إسرائيل.
– إلى جانب خطر التصعيد العسكري الإقليمي، هناك خطر الهزيمة السياسية الكبرى، سواء بالنسبة لإسرائيل أو لمؤيّديها الغربيين، السبب الأكبر هو صور ضحايا القصف الإسرائيلي، التي نقلتها بقوّة القنوات العربية والشبكات الاجتماعية، لقصف المستشفى الأهلي المعمداني، ما أدّى إلى فيضان حقيقي من التظاهرات المؤيّدة للفلسطينيين في العالمين العربي والإسلامي، من تونس إلى تركيا، عبر المغرب، والآن، في المدن الأوروبية نفسها حيث يوجد 30 مليون مسلم على أراضي أوروبا.
– أمّا من الناحية الدبلوماسية، يضيف لولوش الذي شغل منصب الرئيس السابق للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بين عامَي 2004 و2006، فيواجه الغرب المنقسم بالفعل الحجّة الصريحة المتمثّلة في “الكيل بمكيالين”، والتي تتلخّص في جوهرها في القول: “لقد حشدتم كرجل واحد ضدّ عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، والتزمتم بتمويل قريب من 200 مليار يورو من المساعدات العسكرية والمدنية في عام واحد من أجل الأوكرانيين. والآن لا تفعلون شيئاً في غزّة”.

يعتقد لولوش أنّ الخروج من هذه الكارثة، تجنّباً لحرب كبرى في الشرق الأوسط، هو مهمة عاجلة لكن بالغة الصعوبة

أوروبا غير مسموعة
يعتقد لولوش أنّ الخروج من هذه الكارثة، تجنّباً لحرب كبرى في الشرق الأوسط قد تتدهور حتى على المستوى النووي إذا تعرّضت إسرائيل للهجوم من جميع الأطراف، هو مهمة عاجلة لكن بالغة الصعوبة، لعدّة أسباب أهمّها:
– أنّ الحرب الباردة الجديدة بين أميركا وروسيا والصين، تجعل أيّ عمل منسّق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أكثر من مجرّد افتراض: على العكس من ذلك، لدى الروس والصينيين مصلحة كبيرة في تفاقم الانقسام الذي فتحته الحرب في أوكرانيا بين الغرب والولايات المتحدة مع الجنوب العالمي. ولا يشكّل أيّ من الكيانات الثلاثة المشاركة مباشرة في هذا الصراع جزءاً من الحلّ. على العكس من ذلك، هم أنفسهم، بشكل تراكمي، في أصل المشكلة. بينما أوروبا، المنقسمة، غير مسموعة.
– أنّ قادة حماس، الذين استقرّوا بشكل مريح في قطر، ليست لديهم نيّة للتخلّي عن خطّهم الإسلامي الأيديولوجي والمعادي للسامية، بل إنّ مخطّطهم التدمير الكامل لإسرائيل واستبدالها بإمارة فلسطينية إسلامية “من النهر إلى البحر”، وفق ما هو مكتوب بالكامل في ميثاقهم. بينما القيادة الفلسطينية المحيطة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي فقدت مصداقيتها تماماً وأضعفها الفساد، فمن الممكن الإطاحة بها في أيّ وقت.
– رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة، بسبب تحالفه مع يمين متطرّف ديني متحمّس. ولا يزال مصمّماً أكثر من أيّ وقت مضى على ضمّ الضفة الغربية بأكملها وحكمها عسكرياً. في حين يجب على حكومة إسرائيلية مسؤولة تقويم الاضطرابات المستمرّة، وإعلان التخلّي عن الاستعمار واقتراح العودة إلى اتفاق السلام الذي تمّ التوصّل إليه قبل ثلاثين عاماً، في أوسلو، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.

إقرأ أيضاً: إيهود باراك: إسرائيل ستفقد دعم العالم الحرّ

“هل يكون من الضروري الذهاب إلى حافة الهاوية؟” يتساءل الوزير الفرنسي الذي كان أيضاً نائباً لباريس، بما في ذلك هاوية الحرب النووية بين إسرائيل وإيران، حتى يتمكّن الغربيون والروس والصينيون والعرب من الجلوس مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول طاولة، لحلّ المشاكل واحدة تلو الأخرى بدءاً من التفكير في فترة ما بعد الحرب.
ويقترح ختاماً استبدال ما يسمّيه “نظام الإرهاب” في غزّة بما يدعو إلى أن يكون “محمية مؤقّتة تحت رعاية الأمم المتحدة والدول العربية، تكون مسؤولة عن تجريد هذه المنطقة من السلاح وإعادة إعمارها، ثمّ التحضير لعودتها إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية التي رُسمت حدودها وعاصمتها في اتفاقيات أوسلو، ثمّ وضع حلّ نهائي وسلمي لمسألة حدود إسرائيل، مع عودة أغلبية السكان اليهود في الضفة الغربية إلى إسرائيل مقابل ضمانات أمنيّة قوية… هذا هو الهدف والبديل الوحيد للهاوية التي تهدّدنا. وتحقيقه اليوم أكثر إلحاحاً وضرورة من أيّ وقت مضى، ولكنّه للأسف يبدو أيضاً أبعد من أيّ وقت مضى”.

 

لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو

الحرب الشاملة بين إسرائيل والحزب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون حتمية لأنّ الولايات المتحدة ستبذل كلّ جهد ممكن لمنعها وفقاً للدبلوماسي والمسؤول الإسرائيلي الأمني…

مفاوض إسرائيليّ: نتنياهو لن يقبل بصفقة تنهي الحرب

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة. وحركة حماس لن توقّع اتفاقاً لا ينهي الحرب. ويعتبر باسكين…

أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

تحلّ الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 لتعيد تذكيرنا بما شكّلته من نقطة تحوّل في الأمن العالمي وفي النهج الأميركي…

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…