حكومة نتنياهو تترنّح… اليمين المتطرف “يشحذ” السكاكين ضدّه

مدة القراءة 7 د


ضربت عاصفةٌ الوسط السياسي في إسرائيل، عقب الكشف إعلامياً عن موافقة تل أبيب على تسليم دفعة من الأسلحة الأميركية إلى السلطة الفلسطينية. وتتضمّن هذه الدفعة مدرّعات محصّنة، و1,500 قطعة سلاح وذخيرة، وأدوات تكنولوجيا، هدفها تقوية السلطة في مواجهة خلايا المقاومة، وتحديداً في الضفّة الغربية.

بدا واضحاً أنّ رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو والسلطة لا يرغبان في الكشف عن الصفقة، فهي تحرجهما لأسباب مختلفة. فالسلطة الفلسطينية التي تعمل في مناطق متفرّقة للسيطرة على المقاومين، ستبدو اليوم، في ظلّ انغلاق الأفق السياسي وغياب عملية سياسية، كوكيل أمنيّ لإسرائيل يقوم بمهمّاتها في ملاحقة المقاومين. بينما يخشى نتانياهو أن يسبّب الكشف عن الصفقة تصدّعاً في ائتلافه الحاكم في ظلّ معارضة زعماء اليمين (الوزيران في حكومته إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش) لمثل هذه الصفقات، وهم الذين يعتبرون السلطة الفلسطينية كياناً حاضناً للإرهاب.

ضربت عاصفةٌ الوسط السياسي في إسرائيل، عقب الكشف إعلامياً عن موافقة تل أبيب على تسليم دفعة من الأسلحة الأميركية إلى السلطة الفلسطينية

اليمين يخشى “غدر” نتانياهو

تسود علاقة من عدم الثقة بين نتانياهو وشركائه اليمينيّين في الحكومة. لذلك يتخوّفون من مكره نتانياهو وغدره بهم على الرغم ممّا يملكونه من سطوة عليه. ويسود الاعتقاد لديهم أنّه يحاول تقريب وجهات النظر مع أطراف المعارضة، ويسعى إلى إقامة حكومة وحدة وطنية مع سلفه في الرئاسة بني غانتس، ويرضخ في أحيان كثيرة للضغوطات الخارجية. خاصة أنّ تحالفه مع بن غفير وسموتريتش اللذين لا يلقيان ترحيباً من قبل أطراف دولية، أهمّها الولايات المتحدة، يشكّل له إحراجاً. ويدرك أنّه مهما فعل فلن يستطيع لجم شهيّتهم لتطبيق خططهم التي ستقود إلى انفجار الأوضاع الأمنيّة في المنطقة.

إلى جانب صفقة السلاح للسلطة، فإنّ الاتصالات التي يجريها الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ بين نتانياهو والمعارضة لإيجاد صيغة توافق حول خطّة الإصلاح القضائي، عزّزت مخاوف بن غفير وسموتريتش وشكوكهما تجاه نتانياهو، وهما اللذان “استشاطا غضباً” من صفقة السلاح، وهدّدا في حال عدم نفيها من نتانياهو بحلّ الائتلاف الحاكم.

يرزح نتانياهو تحت وطأة الثقل الذي يشكّله اليمين الصهيوني في الحكومة، ويدرك أنّ سموتريتش وبن غفير قادران على قلب الطاولة عليه، جاعلين مستقبله السياسي في مهبّ الريح. لذلك سارع من ناحية إلى التوصّل إلى تفاهمات معهما لتهدئة الأجواء داخل الائتلاف، واضطرّ إلى الخروج في بيان مصوّر، بناء على طلب بن غفير، نفى فيه صحّة الصفقة، قائلاً إنّ “ما جرى كان تنفيذ قرار اتُّخذ من قبل وزير الجيش السابق بيني غانتس (حكومة بينيت-لابيد) في كانون الثاني 2022، وسُلِّم بموجبه عدد من المركبات المحصّنة من أجل استبدالها بمركبات محصّنة قديمة”.

لم تكد تمضي ساعات على هدوء عاصفة الأسلحة، حتى أثار بن غفير عاصفة جديدة في الائتلاف، بإعلان مقاطعة حزبه “عوتسما يهوديت” للائتلاف، وعدم التصويت إلى جانب قرارات الحكومة، ما لم تطبّق قراراته الخاصة بتشديد الإجراءات ضدّ الأسرى الفلسطينيين، ومنها تقليص زيارات ذويهم لهم، والتي كان نتانياهو قد أوقفها وأجّل نقاشها إلى تشرين الأول المقبل.

إلى جانب صفقة السلاح للسلطة، فإنّ الاتصالات التي يجريها الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ بين نتانياهو والمعارضة لإيجاد صيغة توافق حول خطّة الإصلاح القضائي، عزّزت مخاوف بن غفير وسموتريتش وشكوكهما تجاه نتانياهو

خلاف حول السلطة الفلسطينية

لا يتوانى اليمين الصهيوني عن مهاجمة نتانياهو في كلّ مرّة يستجيب فيها لطلبات دولية أو أميركية لدعم السلطة الفلسطينية خشية انهيارها، على غرار الهجوم الذي تعرّض له قبل أسابيع حين طرح إمكانية دعم السلطة مالياً، أو وقف قرار قد يؤدّي إلى تصعيد كبير، على غرار وقف قرار بن غفير التضييق على الأسرى. لذلك كان نفي نتانياهو للصفقة متوقّعاً خشية تعرّضه لهجوم من اليمين قد يصل إلى حلّ الحكومة، الأمر الذي أظهر ضعفه في الائتلاف، وخاصة بعدما تجاوب فوراً مع طلب بن غفير أن ينفي نقل أسلحة للسلطة الفلسطينية بالصوت والصورة.

تشي سياسات حكومة نتانياهو باختلاف أفرقائها على كيفية التعامل مع السلطة الفلسطينية، إذ يرى بن غفير وسموتريتش أنّ السلطة حاضنة إرهابية يجب محاربتها، ويرفضان السماح بدعمها وتقويتها، ولذلك يعارضان أيّ خطط لتقويتها، ويقومان بإصدار قرارات للتضييق عليها مثل اقتطاع أموال المقاصّة وغيره، بينما ينظر أعضاء آخرون في الحكومة، ومن بينهم شخصيات أمنيّة واستخبارية، من خلال معيار آخر، وهو أهمية دورها الأمني وتنسيقها وتعاونها مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لاستقرار الأوضاع.

قد يكون المستوى العسكري في إسرائيل متفهّماً ومؤيّداً لدعم السلطة بصفقات أسلحة تحت شروط وقيود تجعلها محدودة الكميّة والاستخدام، بحيث تنحصر في مهمّات ملاحقة عناصر المقاومة فقط، ومن قبل عناصر محدّدين في الأجهزة الأمنيّة. وجرى وضع هذه الشروط في صفقة السلاح الحالية. وبالتالي لن يكون غريباً أن تقدم إسرائيل على خطوات أخرى مستقبلاً لتعزيز السلطة وتقويتها، سواء عسكرياً أو مادّياً، في ضوء ما جرى الاتفاق عليه في قمّتَيْ شرم الشيخ والعقبة الأمنيّتين اللتين بحثتا تقوية السلطة ومساعدتها على إنهاء حالة المقاومة في الضفة. لكنّ تلك الخطوات ستنفّذها إسرائيل في حال قدّمت السلطة الفلسطينية إنجازات عملية على الأرض.

من جهتها، ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تؤيّد تسليح السلطة بهدف تعزيز أجهزة الأمن التابعة لها، بما سيساعدها على القضاء على “أوكار الإرهاب في مخيّمات اللاجئين”، وبما يخدم المصلحة الإسرائيلية، وهو موقف معاكس لموقف المستوى السياسي الذي تشوبه تعقيدات جرّاء وجود اليمين في الحكومة.

لا تخفي إسرائيل رؤيتها لدور السلطة الفلسطينية، الذي حصرته في الملفّين الأمني والاقتصادي، بعدما نحّت الملفّ السياسي جانباً وأنهت المفاوضات السياسية. وعلى الرغم ممّا تقدّم لها من دعم يعدّ بمنزلة “الجزرة”، لا تتوانى بين الحين والآخر عن تهديد السلطة والتلويح “بالعصا”. وقد كان لافتاً تهديد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، للسلطة أخيراً على خلفيّة توجّهها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لمساءلة إسرائيل قضائياً عن جرائمها بالقول: “نحن نوضح للفلسطينيين أنّه لم يعد بإمكاننا قبول الحملة التي يشنّونها ضدّ مقاتلي الجيش الإسرائيلي باستخدام أدوات الجهاز القضائي الدولي”، مضيفاً “إذا استُدعي مقاتل أو جندي أو ضابط في الجيش الإسرائيلي إلى العدالة أو المساءلة القضائية، فإنّكم بذلك تعرّضون وجودكم ذاته للخطر. أوضحنا للفلسطينيين أنّ النتيجة العملية لذلك ستكون قطع العلاقات الأمنية والسياسية مع السلطة الفلسطينية فوراً، وإذا فعلنا ذلك فإنّ مصيرهم سيكون كما حدث في غزّة بعد فكّ الارتباط”.

إقرأ أيضاً: سلاح فلسطينيّ ضدّ فلسطين ولبنان

فيما يبدو نتانياهو ضعيفاً أمام ضغوطات بن غفير وسموتريتش، يتبيّن أنّ حزب الليكود قد سئم لغة الابتزاز التي يمارسانها هذان الاثنان تجاه كلّ قرارات نتانياهو، وخاصة التسوية مع المعارضة، إذ قال مسؤولون كبار في الليكود إنّ “بن غفير لن يجتاز نسبة الحسم في أيّ انتخابات مقبلة، وإذا أراد أن يحلّ الحكومة، فليتفضّل، ولنرَه يتوجّه إلى الانتخابات”.

من ناحيتها لخّصت صحيفة “يديعوت” ما يجري في الحكومة تحت عنوان: “بحاجة إلى معجزة لكي تستمرّ هذه الحكومة”، مشيرة إلى أنّ “الهوّة في حكومة اليمين تتعمّق، ويعتقد مقرّب من رئيس الحكومة أنّ الأخيرة ستتفكّك في الدورة المقبلة للكنيست التي سيكون على جدول أعمالها: إخلاء بؤر استيطانية، تشديد ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين، والتعاون مع السلطة الفلسطينية، وهي جزء من المواضيع التي يهاجم بسببها سموتريش وبن غفير الحكومة التي هما عضوان فيها”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…