حسان دياب: 100 يوم من التخبّط والعزلة

مدة القراءة 5 د


رفع رئيس الحكومة حسان دياب منسوب إنجازاته، من 79 في المئة، إلى 97 في المئة. الرجل عاشق لتشابه الأرقام والأحرف. يستعين بالإعجاز اللغوي، أو رتابة التعبير الكتابي والخطابي الإنشائي. خلال إحدى زياراته إلى مطار رفيق الحريري الدولي قبل أسابيع، أعلن دياب أن حكومته أنجزت 79 بالمئة من الإصلاحات التي وعدت بها اللبنانيين. لم يعلن ماهية هذه الإنجازات وكيف صرفت. في مناسبة 100 يوم على ولادة الحكومة، رفع النسبة إلى 97. خاطب اللبنانيين بسلّة إنجازاته، بينما خاطب الغرب والأميركيين بالجوع المقبل والكارثة التي حلّت، عبر مقالته المنشورة في جريدة “واشنطن بوست” الأميركية أمس.

إقرأ أيضاً: الحكومة تستعير صفة “المندسّين” من الديكتاتورية..

يستعير من قاموس رئيس الجمهورية ميشال عون عبارة “السفينة”. يختلف معه على من يكون “الربّان”، كما هو حال الخلاف الكبير بينهما هذه الأيام على خلفية معمل سلعاتا، وقبله على تعيين محافظ لمدينة بيروت. لم يدّعِ عون غرق سفينته. بينما سفينة دياب بدأت المياه بالتسرّب إلى متنها وأصبحت مهدّدة بالغرق، فجاء “الكاميكاز”، كما وصف نفسه في أحد الاجتماعات، عندما طلب من مجالسيه بعدم محادثته بالسياسة وأحوال السياسيين، لأنّه “تكنوقراط”، وهو “كاميكاز” لا يتراجع، ولا داعي لرجال الدين أن يملوا عليه ما يفعل، ولا لرجال السياسة علاقة به.

 كاميكازية” حسان دياب، تدفعه إلى إيقاع نفسه بشراك نفسه. خرج يعلن الإنجازات، بينما يتحدّث عن المجاعة، وعن عدم قدرة أيّ حكومة على إنقاذ الوضع. لم يقدّم جديداً في موقفه، حمّل المسؤولية إلى الآخرين الذين تركوا السفينة في حالة من الغرق. وأخذ يعدّد إنجازاته، على رأسها تجديد العقد مع سوناطراك، التي تمثّل فضيحة الفضائح، وتتباهى حكومته بأنّها أثارت ملفّ الفيول المغشوش المستورد من هذه الشركة. ربما هذا التناقض، يشبه حب حسان دياب لتعاكس الأرقام، 79، و97. وأخذ يعدّد ما أنجز، غافلاً عن صراعاته التي لم تصدم أحداً، إنما اصطدمت بالجدار.

100 يوم من التخبّط. 100 يوم من تحلّل ما تبقى من دولة. ويبدو أنّ حكومة دياب أخذت على عاتقها “إدارة الخراب” لإعلانه، كما أعلنت من قبل تفليسة القطاع المصرفي، منذ عدم سداد سندات اليورو بوند، إلى موقف دياب بأنّه لم يعد من حاجة للقطاع المصرفي. فيما اليوم، يجد نفسه مجبراً على إدخال جمعية المصارف ومصرف لبنان إلى طاولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، بعد مساعٍ كثيرة لتحسين العلاقة مع رياض سلامة. وهكذا عقد اجتماعاً معه يوم الأربعاء لإصلاح ذات البين. رياض سلامة نفسه الذي شنّ دياب حملة طويلة عريضة عليه بهدف إقالته. والمصارف نفسها التي أراد تصفيتها ودمجها وادّعى عدم الحاجة إليها.

 ناقض دياب إنجازاته في اللغة العربية، مع موقفه عن المجاعة في اللغة الإنكليزية. إنّها مسيرته التي تتكلّم عنه. منذ إعلانه عن جملة خطط، لم يتحقّق منها شيء، وما كاد يتبنّى مشروعاً أو مقترحاً حتى تراجع عنه، من الكابتيال كونترول، إلى الهيركات إلى غيرها. عندما خسر هذه المعركة، أخذ يهدّد مستعيراً من عون وباسيل بتصفية الحسابات مع السياسيين الذين يصفهم بـ”الفاسدين” وهو ينزّه نفسه عنهم. كيلت بحقّهم كلّ الاتهامات، هُدّدوا بالسجن، لكنه ما لبث أن تراجع، هو الباحث عن مصادر تمويل جديدة غير الأموال المنهوبة، إثر سقوط مشاريع مكافحة الفساد وتصفية الحساب.

قد يسجّل الإنجاز لدياب إذا كان فعلاً ما قام به هو مشروعه أو مشروع حكومته. إنجازه الوحيد الإمعان في الاهتراء، وضرب مفهوم الدولة، واستكمال الانقلاب على الدستور والطائف والثوابت الوطنية

مصادر المال التي يأمل منها أن تأتيه بمبلغ 30 مليار دولار، تعود إلى طموحه بالحصول على 10 مليارات من صندوق النقد، بينما كلّ المعلومات تؤكد أنّ الصندوق لن يمنح أكثر من 3 مليارات على مراحل. وهو يأمل بالحصول على 11 مليار دولار من مؤتمر “سيدر”، تمّ تخفيضها إلى 5 مليارات أيضاً، لا يمكن الحصول عليها إلا بشكل عيني وبعد تنفيذ شروط قاسية، ووقف كلّ المهاترات السياسية وإقرار المشاريع بالإجماع داخل المجلس النيابي ما يعني إلغاء أيّ اشتباك سياسي. أما المبلغ المتبقّي، فإن دياب يعمل على “اختراع” قجة، يدفع لها الميسورون ، وهذا مشروع بدأ التسويق له في الأوساط السياسية، لإقناع السياسيين والمستفيدين من الدولة بالتصدّق  ليتمكّن من توفير 9 مليارات دولار. كيف يمكن لعاقل بالحد الأدنى، أن ينتظر هذا المبلغ الخيالي من ميسورين أو سياسيين أو حتى المستفيدين من الدولة؟

لم يعدّد دياب إنجازات الحكومة، بعرقلة التشكيلات القضائية، واستخدام القضاء لتصفية حسابات سياسية، كما لم تشمل إنجازاته عدم الالتزام بإقرار التعيينات المالية، ولم يذكر 100 يوم من العزلة العربية والدولية، كسرت رتابتها بعض اللقاءات مع عدد من السفراء، ومع صندوق النقد الدولي. صندوق عرّى الحكومة بما لها وعليها، فأجبرت على إشراك المصارف والهيئات الاقتصادية ومصرف لبنان بالمفاوضات بعد إصرار على استبعادهم ومواجهتهم.

 قد يسجّل الإنجاز لدياب إذا كان فعلاً ما قام به هو مشروعه أو مشروع حكومته. إنجازه الوحيد الإمعان في الاهتراء، وضرب مفهوم الدولة، واستكمال الانقلاب على الدستور والطائف والثوابت الوطنية، وضرب ما تبقّى من اقتصاد حرّ وقطاع مصرفي عمره 170 عاماً وفريد في كلّ المنطقة المحيطة. إذا كان هذا هو مشروع الحكومة، يسجّل لها فعلاً تحقيق كلّ هذه الإنجازات، وأكثر، فقد وضعت لبنان على طريق الدول المارقة، التي إما أن تطرح ممتلكاتها لاحقاً في مزادات البيع، وإما أن تفقد كلّ مقوّمات وجودها، فتتحلّل لمصلحة دويلات متعدّدة، تبدأ في سلعاتا ولا تنتهي عند ترسيم الحدود.

الكاتب عبد الفتاح خطاب.. عن حكومة المتفاجئين

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…